انتهت الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ الأربعاء الماضي بإشراف 18 ألف قاض، عاونهم 120 ألف موظف؛ لتعلن الهيئة الوطنية للانتخابات نتائج تلك الجولة يوم الأربعاء القادم.
تنافس خلالها 787 مرشحا بنظام الفردي على 100 مقعد في 27 محافظة، فيما ترشحت قائمة واحدة هي القائمة الوطنية من أجل مصر عن الدوائر الأربع المخصصة لنظام القوائم والمخصص لها 100 مقعد ليكون إجمالي المقاعد المنتخبة
200 مقعد.
وعلى مدى يومين شهدت 14 ألفا و92 لجنة فرعية تباينا فى أعداد الناخبين، مرسلة بعدة رسائل مهمة يجب التوقف عندها، لما تحمله من دلالات يجب دراستها، خاصة أن الدولة المصرية مقبلة على استحقاقين آخرين وهما انتخابات مجلس النواب، وكذا انتخابات المحليات.
هنا لن أتحدث عن جولة الإعادة التى قد تحدث فى بعض الدوائر أو لا، بحسب فرز الأصوات الخاصة بالمرحلة الأولى فى انتخابات مجلس الشيوخ، وهو ما ستعلن عنه الهيئة الوطنية للانتخابات فى مؤتمر صحفى الأربعاء القادم.
لكن المشهد الانتخابى الأخير استوقفتنى فيه عدة مشاهد كانت بمثابة رسائل مهمة للمرحلة المقبلة؛ فبعضها جاء من خلال متابعتى على مدى يومين لما يتم فى اللجان الانتخابية، والبعض الآخر كنت شاهدا عليه عندما ذهبت للتصويت صباح اليوم الثانى من الانتخابات.
المشهد الأول
للأسف الشديد رغم التحذيرات المتواصلة من خطورة المعلومات غير المدققة على مواقع التواصل الاجتماعى، إلا أن البعض منا سقط ضحية تلك المعلومات التى تقف وراءها الكتائب الإلكترونية لجماعة الإخوان الإرهابية، فبدأت عملية تشويه مبكرة لأهمية مجلس الشيوخ، فى ذلك التوقيت، وردد البعض مجموعة من الأكلشيهات التى وجدت صدى لديهم، ومنها، ما الفارق بين مجلس الشيوخ ومجلس الشورى؟، ولماذا تتحمل موازنة الدولة أموالا إضافية لمجلس الشيوخ؟.. أليس من الكافى وجود مجلس النواب؟.
وغيرها من الجمل التى جعلت بعض الناخبين يبادروا بالمشاركة.. فى الوقت الذى لم يتم تسليط الضوء وشرح أهمية الغرفة الثانية فى البرلمان المصرى من قبل وسائل الإعلام والتركيز عليها سوى بعد إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات موعد فتح باب الترشيح، وعقب صدور قانون مجلس الشيوخ وكذا اتساع الدوائر الانتخابية.
وهو ما كان يستوجب على الأحزاب السياسية التى يزيد عددها فى مصر على 105 أحزاب أن تقوم بدورها فى التعريف بدور مجلس الشيوخ وأهميته فى إثراء الحياة النيابية.
لقد أثبتت الانتخابات الخاصة بمجلس الشيوخ أن وعى المواطن أكبر بكثير من الأحزاب السياسية.
المشهد الثاني
ضرورة أن تقوم الأحزاب السياسية بإعادة ترتيب أوراقها وعلاقتها بالشارع والمواطن، وكذا علاقتها بقضايا الوطن، وتنفيذ ما قدمته من مبادئ وأهداف وبرامج وسياسات إلى لجنة شئون الأحزاب للحصول على موافقتها لتأسيس الحزب.
ليتحقق الهدف من إنشائه وممارسة نشاطه على أرض الواقع، لا أن تصبح تلك الأحزاب مجرد لافتات، وأسماء لا يعرف المواطن 95% منها.
كما أن الأحزاب السياسية ذات التاريخ السياسى الطويل عليها أن تجد لها مكانا حقيقيا على أرض الواقع، خاصة أن رئيس الجمهورية ليس له حزب سياسى، فقد رأى أن يكون الشعب المصرى بالكامل هو حزبه.
وكم وجد فى الماضى حديث بعض الأحزاب السياسية القديمة عن أنها لم تعمل فى الشارع لأن الحزب الوطنى يمنعها من ممارسة دورها السياسى.
وبعد أن ذهب الحزب الوطنى منذ 9 سنوات، أين أنتم؟!
ألستم من منح جماعة الإخوان الإرهابية الفرصة من خلال حزبها (الحرية والعدالة) للقفز على السلطة واختطاف الدولة المصرية، وتفرغتم للشكوى فقط ولم تستطيعوا الوصول إلى الشارع الذى كان ينتظر قيامكم بدور حقيقى فى بناء حياة سياسية وديمقراطية؟.
أين الخمسة آلاف عضو الذين وقعوا على تأسيس الحزب؟ أم أن تلك الأسماء كانت مجرد توقيعات لم تؤمن بمبادئ الحزب؟!
والآن بات من الواجب السؤال، لماذا تبقى الدولة المصرية على كل هذا العدد من الأحزاب، فى ظل عدم قيامها بأى دور يذكر، عدا عدد قليل منها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة يظهر من خلال تقديم الخدمات للمواطنين، وهو الدور الذى يحاول أن يتواجد به فى الشارع؟.
أليس من الصائب دمج تلك الأحزاب فى عدد محدد يكون أكثر فاعلية فى بناء الوطن، خاصة أن العديد من الأحزاب تتشابه فى برامجها السياسية؟.
المشهد الثالث
نجحت الدولة فى القيام بدورها بإتمام العملية الانتخابية واستطاعت الفوز فى تحدى إجراء الانتخابات فى ظل جائحة كورونا، فقد قامت القوات المسلحة والشرطة بتأمين اللجان الفرعية واللجان العامة على مستوى الجمهورية، كما قامت وزارة الصحة بتوفير نقاط إسعاف بالقرب من اللجان الانتخابية، كما تم توفير المطهرات، وتم تعقيم اللجان الانتخابية بإشراف الهيئة الوطنية للانتخابات، وقامت الهيئة الوطنية للصحافة ومجلس الوزراء بتشكيل غرفة عمليات لمتابعة العملية الانتخابية وكذا المجلس القومى لحقوق الإنسان.
كما نجحت فى إتمام الانتخابات بالخارج عن طريق التصويت عبر البريد، وذلك حرصا على سلامة وصحة المواطنين المصريين المقيمين بالخارج والراغبين فى المشاركة فى الانتخابات (تعد تجربة التصويت عبر البريد فى الانتخابات للمصريين فى الخارج تجربة تحتاج إلى تقييم عقب إعلان النتائج من قبل الهيئة الوطنية للانتخابات، وهو ما قد ينقلنا إلى مرحلة التصويت الإلكترونى فى الانتخابات، حتى وإن اقتصر هذا الأمر على المصريين فى الخارج كمرحلة أولى).
المشهد الرابع
زيادة نسبة المشاركة الانتخابية فى حى «الأسمرات» دليل على وعى المواطن، فقد كانت لجنة مدرسة «تحيا مصر 2» من أكبر اللجان الانتخابية كثافة تصويتية، الأمر الذى يدلل على أن وعى المواطن سبق بكثير العديد من الأحزاب والقوى السياسية والنخب.
فقد جاء خروج المواطنين إلى لجنة التصويت تأكيدًا على إيمانهم بدور المواطن فى بناء الوطن فكان اصطفافهم أمام اللجان الانتخابية من أجل مصر وليس من أجل حزب من الأحزاب السياسية.
فالدولة التى حرصت على رفع مستوى معيشة أبنائها، والانتقال بهم إلى حياة كريمة، ومستوى معيشة لائق، كان دور المواطن أن يحرص على اكتمال بنائها الدستورى.
لقد خرج مواطنو «الأسمرات» مقدمين رسالة قوية مفادها أن الدولة التى حرصت على بناء الإنسان، لم يضع ما قدمته هباء، وإنما كانت النتيجة مواطنين أكثر إيجابية وحرصا على بناء الدولة والحفاظ عليها.
المشهد الخامس
جاءت مشاركة المرأة المصرية فى العديد من اللجان بشكل لافت، فرغم ارتفاع درجة حرارة الجو خلال يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين، إلا أن طوابير الناخبات كانت أكثر تحديا للظروف المناخية وكذا جائحة كورونا، فقد وقفن أمام اللجان للمشاركة فى العملية الانتخابية، الأمر الذى يدلل على الدور المهم للمرأة المصرية فى بناء الدولة، وهو ما أخذته على عاتقها منذ 2011 وحتى الآن، فنجد أن الرهان على وعى المرأة المصرية، وحرصها الدائم على الوقوف بجانب قضايا الوطن يكون رهانا فائزا.
الأمر الذى جعلها مستهدفة من قبل اللجان الإلكترونية للجماعات الإرهابية، لتشويه الصورة، وتحويل مشاركة المرأة فى الانتخابات إلى مشاهد راقصة، وذلك لدفع البعض منهن إلى عدم المشاركة، إلا أن هذه الحرب التى تمارس على وسائل التواصل الاجتماعى وكذا وسائل إعلام الجماعة الإرهابية لم تؤثر على وعى المرأة المصرية وإصرارها على المشاركة والوقوف إلى جانب الوطن.
لقد استطاعت المرأة المصرية أن تقدم نموذجا يحتذى به فى الحفاظ على الوطن.
لقد استوقفتنى سيدة فاضلة فى مقر اللجنة الانتخابية «بمدرسة السيدة خديجة الثانوية» التى كنت أدلى بصوتى فيها صباح الأربعاء الماضى، وسألتنى بعفوية شديدة جعلتنى أشعر بالفخر بوعى المرأة المصرية، وأدرك لماذا دائما الرهان عليها فى بناء الدولة.
لقد جاء سؤالها لى: ممكن تقولى إزاى أنتخب من غير ما صوتى يبطل؟
سألتها: هو حضرتك عارفة «هتنتخبى مين»؟
ردت بعفوية، أهم حاجة الانتخابات تتم والبلد تفضل مستقرة وعلشان صوتى ما يبطلش.
قلت لها: حضرتك تختارى 10 مرشحين فى الورقة الخاصة بالفردى وستجدينها ورقة كبيرة، أما القائمة الورقة الثانية ستختارين القائمة التى ترغبين فى انتخابها.
ووقفت بعد ذلك فى الطابور لمدة 25 دقيقة ولأن طابور السيدات كان أكثر ازدحاما ظلت السيدة أكثر من 40 دقيقة.
انتظرت حتى انتهت من التصويت لكى أسألها عن استفادتها من مشاركتها فى الانتخابات، خاصة أنها فى درجة حرارة عالية وتخوف البعض من الإصابة بفيروس كورونا.
وكان ردها: أقل حاجة تقدمها للبلد دى، ثم تركتنى وانصرفت.
لقد استوقفتنى كلمات السيدة الفاضلة التى تعيش فى منطقة عشوائية، لا أعتقد أنها حصلت من الدولة على القليل مما حصل عليه بعض ممن يتشدقون بالحقوق ولا يعرفون الواجبات.
فجعلتنى أكثر فخرا بالمرأة المصرية ودورها فى بناء الوطن وما تمتلكه من وعى بأهمية هذا الدور.