رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

غضب الطبيعة

1455

داليا كامل

بين موجات حر قاتلة وفيضانات مدمرة وأعاصير وحرائق غابات.. تضررت مناطق متفرقة من العالم خلال الأسابيع الأخيرة، ما أدى إلى مقتل العشرات وهدم منازل ونزوح الآلاف.. بداية من قارتي آسيا وإفريقيا، مرورا بأوروبا، انتهاء بأمريكا الشمالية، وهو ما يؤكد التحذيرات من أن الاحترار العالمى يتسارع، ويضع قادة العالم أمام تحد كبير قبل قمة المناخ «كوب 26» المقررة فى نوفمبر المقبل بمدينة جلاسكو الاسكتلندية، خاصة بعدما أكد التقرير الجديد الصادر عن علماء المناخ التابعين للأمم المتحدة بشكل لا شك فيه أن المناخ العالمي يتغير على نحو أسرع مما كان متوقعًا وأن النشاط البشري مسئول عن ذلك.

بداية شلت الفيضانات الناجمة عن التغير المناخى، مناطق شاسعة فى قارتى آسيا وأوروبا، وتعطلت الحياة فى مدن كبرى، جراء استمرار هطول الأمطار وحدوث انزلاقات للتربة، مما أدى إلى إلحاق أضرار بملايين السكان فى الدول التى شهدت هذه الفيضانات.

ووقعت الفيضانات فى الصين وشمال غرب أوروبا بعد فترة أمطار غزيرة على غير العادة تعادل فى حالة الصين انهمار خلال ثلاثة أيام فقط كمية الأمطار التى تهطل عادة فى عام.

وفى شرق الصين اقتلع الإعصار آلاف الأشجار وأغرق المدن والبلدات، وأوقفت حركة الملاحة البحرية والجوية والسكك الحديد عبر مساحات شاسعة من الساحل، خصوصًا حول ميناء الشحن الرئيسى فى نينجبو. وجاء ذلك فى الوقت الذى لا تزال تعانى فيه منطقة وسط الصين من تداعيات فيضانات عارمة أدت إلى مقتل العشرات وانقطاع الكهرباء وتشريد أكثر من مليون شخص.

وبحسب مقر الإغاثة الصينى من الفيضانات، فإن ولاية جيانجشى تضرر بها 70300 هكتار من المحاصيل وانهار 156 منزلا، مما أدى إلى خسائر اقتصادية مباشرة بلغت 1.04 مليار يوان (حوالى 160.68 مليون دولار أمريكى).

وفى الفلبين، تسببت الفيضانات والانهيارات الأرضية التى نتجت عن الأمطار الموسمية الغزيرة والرياح الشديدة، فى نزوح ما يقرب من 25 ألف شخص، كما أدت الفيضانات وانزلاقات التربة إلى مقتل وفقدان عشرات الأشخاص فى الهند، وغمرت المياه الساحل الغربى للبلاد.

ويعد حدوث الفيضانات وانزلاقات التربة من الأمور الشائعة خلال موسم الأمطار الموسمية فى الهند، والذى يمتد من يونيو حتى سبتمبر، وغالبا ما تشهد البلاد انهيار مبان غير مستوفية شروط الأمان بعد هطول الأمطار بشكل متواصل لأيام، إلا أن التغير المناخى تسبب بزيادة وتيرة وحدة الفيضانات وانزلاقات التربة فى السنوات الأخيرة فى هذه المنطقة من العالم، وفقًا للخبراء.

وفى هذا السياق، قال عالم المناخ فى المعهد الهندى للأرصاد الجوية المدارية، «روكسى ماثيو كول»، إن التغير المناخى يؤدى إلى ارتفاع حرارة مياه بحر العرب، محذرًا أن ذلك يؤدى إلى ارتفاع حرارة الهواء فوقه واختزانه مزيدا من الرطوبة، ما يؤدى إلى مزيد من الأمطار الغزيرة. وأضاف لفرانس برس «نحن نشهد زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف فى معدل هطول الأمطار الغزيرة التى تتسبب بفيضانات فى كل أنحاء الهند.. منذ العام 1950»، مشيرا إلى دراسة شارك فى إعدادها نشرت فى صحيفة «نيتشر».

وذكر كول أن محطة لقياس كمية الأمطار فى ماهاباليشوار، جنوب بومباى، أفادت بتسجيل 594 ملم من الأمطار، وهو المستوى الأعلى منذ بدء تسجيل البيانات قبل قرن.

وتابع «فى السنوات الأخيرة أصبح تأثير التغير المناخى أكثر وضوحاً. فى الواقع، إن ما حصل فى أوروبا والصين وبقية أنحاء العالم مشابه لما يحصل فى الهند».

الفيضانات تشل أوروبا

وشهدت القارة الأوروبية فى شطرها الغربى تدفق الفيضانات واتساعها فى مناطق متفرقة، حيث علقت الحافلات والسيارات فى شوارع لندن بعدما غمرتها مياه الفيضانات جراء العواصف المتكررة التى ضربت العاصمة البريطانية. وتعطلت خدمات القطارات والمترو بشدة حيث تسببت الفيضانات على الخطوط فى الإلغاء والتأخير. وغمرت المياه المنازل، وتم إجلاء السكان من بعض المناطق.

وفى ألمانيا، تحولت الطرق إلى أنهار، وانجرفت بعض المركبات، وغطى الوحل مساحات شاسعة من الأرض فى بيرتشسجادنر لاند.

وتسببت الأمطار فى فيضان أنهار فى شمالى وجنوبى إيطاليا. كما اجتاحات حرائق الغابات منطقة مونتيجيرو بوسط غرب جزيرة سردينيا الإيطالية بسبب موجة طقس حارة، ما أدى إلى إجلاء مئات الأشخاص واحتراق أكثر من 9880 فدانا. كما تعرضت مدينة دينانت جنوب بلجيكا لأسوأ سيول منذ عقود بعد عاصفة رعدية استمرت ساعتين وحولت الشوارع إلى أنهار وجرفت فى طريقها السيارات والأرصفة.

وفى النمسا تمت تعبئة فرق الإطفاء فى منطقتى سالزبورج وتيرول، فيما غمرت المياه المدينة القديمة فى هالين. أما فى هولندا، فقد لحقت أضرار بالممتلكات بسبب الفيضانات.

وبحسب التقارير الرسمية، فإن الفيضانات أودت بحياة أكثر من 170 شخصا وخلفت عشرات المفقودين فى ألمانيا وبلجيكا.

ورغم أن المنطقة معتادة على هطول أمطار غزيرة، كانت هذه المتساقطات «استثنائية من حيث كمية المياه التى تدفقت وشدتها»، كما علق كاى شروتر عالم الموارد المائية فى جامعة بوتسدام، والذى يرى أن هذه الظواهر المناخية القصوى أصبحت «أكثر تواترا وأكثر احتمالا»؛ بسبب ارتفاع درجات الحرارة، حيث يؤدى ارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى زيادة نسبة تبخر الماء من المحيطات والأنهار، ما يتسبب فى «دخول كميات أكبر من المياه إلى الغلاف الجوى».

وقالت عالمة المناخ والباحثة فى المخاطر الطبيعية فى جامعة «ريدينج» البريطانية، «هانا كلوك»، إنه لا يوجد شك فى أن ما سببه الإنسان من احترار، لعب دورا بدرجة ما فى الكارثة، فالهواء الساخن يمكنه أن يحمل كميات مياه بشكل أكبر، وبالتالى فقد أدى التغير المناخى إلى زيادة معدلات الأمطار التى تسقط خلال العواصف، ويعتقد أيضاً أن التأثير الإنسانى كان السبب فى أن تصبح العواصف أبطأ وبالتالى تستمر لعدة أيام وتصبح أكثر إغراقاً للمدن».

وتقول دراسة تم نشرها فى 30 يونيو الماضى فى دورية «جيوفيزيكال ريسيرش لترز» إن من المرجح أن يؤدى التغير المناخى فى أوروبا إلى زيادة عدد العواصف الضخمة بطيئة الحركة التى يمكن أن تستمر لفترة أطول فى منطقة واحدة وتتسبب فى أمطار شديدة الغزارة مثل ما شهدته ألمانيا وبلجيكا من أمطار.

وتوصل الباحثون فى الدراسة التى أجريت بالمحاكاة عن طريق أجهزة الكمبيوتر إلى أن مثل هذه العواصف ربما تتكرر بحلول نهاية القرن بما يزيد 14 مرة عن الوضع الحالى.

50 درجة مئوية

ومن القارة العجوز إلى قارة أمريكا الشمالية، امتدت آثار التغيرات المناخية لتشهد بعض المناطق فى أمريكا وكندا درجات حرارة، اقتربت من الخمسين درجة مئوية، لتقتل مئات الأشخاص، وتشتعل حرائق الغابات بشكل مروع.

ولم تقتصر موجات الحر القاتلة على أمريكا الشمالية بل ضربت الكثير من دول العالم، وأدت إلى اشتعال حرائق الغابات بشكل مروع فى دول من بينها تركيا واليونان والجزائر وتونس.

وقد أدت موجة الحر الشديدة التى يشهدها العالم حاليا والتى يصفها العلماء بأنها «أكثر موجة حرارة تتم ملاحظتها على كوكب الأرض»، إلى مقتل حوالى 800 شخص، بحسب تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.

وكشفت دراسة تم نشرها فى دورية «نيتشر كلايمت تشينج» Nature Climate Change مؤخرا، أن أكثر من ثلث الوفيات الناجمة عن موجات الحر فى كل أنحاء العالم سببها ظاهرة الاحتباس الحرارى بشكل مباشر.

ووفقا لهذه الدراسة النادرة عن عواقب الاحتباس الحرارى على الصحة العامة، التى أجراها 70 باحثا دوليا عبر جمع بيانات من 732 موقعا فى 43 دولة خلال الفترة الممتدة بين عامى 1991 و2018، فإن 37 فى المئة فى المتوسط من الوفيات المرتبطة بالحرارة تُعزى مباشرة إلى عواقب الاحترار العالمى.

وأوضح الباحثون أن هذه النتائج تعنى أن وفاة 100 ألف شخص سنوياً مرتبطة بالحرارة وتعزى بشكل مباشر إلى تغير المناخ، بحسب ما ذكرت فرانس برس.

ووفقا للوكالة الفرنسية، قد يكون هذا الرقم أقل مما هو فعليا فى الواقع بسبب نقص البيانات الخاصة بمناطق معينة من العالم تتأثر بشكل خاص بموجات الحرارة، مثل وسط إفريقيا أو جنوب آسيا.

يشار إلى أن الباحثين استخدموا فى هذه الدراسة منهجية معقدة، استنادا الى البيانات الصحية وقراءات درجات الحرارة والنماذج المناخية، لاحتساب الفرق بين عدد الوفيات المرتبطة بالحرارة المسجلة والوفيات التى كان يمكن توقعها بدون ارتفاع درجة الحرارة.

وأوضح المعد الرئيسى للدراسة الأستاذ فى كلية لندن للصحة والطب الاستوائى أنطونيو جاسبارينى، أن هذه النتائج تبين أن «تغير المناخ ليس شيئا يتعلق بالمستقبل البعيد»، بحسب فرانس برس.

الجميع فى خطر

الظواهر المناخية التى يشهدها العالم حاليا أظهرت أيضا أن جميع دول العالم معرضة للخطر، وأن الدول المتقدمة ليست فى منأى من تأثير التغيرات المناخية بسبب الاحتباس الحرارى، وفى هذا الصدد أشار بيان صدر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة مؤخرًا إلى موجات الحر الأخيرة التى حطمت الرقم القياسى خاصة فى أمريكا الشمالية وارتباط هذا الأمر بالاحترار العالمى.

وأكد بيتيرى تالاس أمين عام المنظمة أنه لا يوجد بلد فى العالم محصن من تداعيات تغير المناخ، مشددًا على ضرورة الاستثمار أكثر فى التكيف مع تغير المناخ، وذلك عبر تعزيز أنظمة الإنذار المبكر.

ووفق بيانات المنتدى الاقتصادى العالمى، فإن الكوارث الطبيعية التى تسببت بها التغيرات المناخية كبدت العالم خسائر اقتصادية قدرها 268 مليار دولار عام 2020، فى حين أن شركات التأمين لم تغط سوى خسائر تبلغ 78 مليار دولار العام الماضى.

وأشار المنتدى الاقتصادى العالمى إلى أن التحول العنيف فى الطقس بسبب التغيرات المناخية، يمكن أن يلحق أضرار جسيمة بالعديد من القطاعات ويأتى على رأسها قطاعات الزراعة والسياحة والبناء والطاقة المتجددة.

يأتى هذا فى الوقت الذى حذرت فيه الوكالة الدولية للطاقة من أن الانبعاثات العالمية لثانى أكسيد الكربون يُفترض أن تبلغ مستوى قياسى عام 2023 وأن تستمر فى الارتفاع بعده، نظرا إلى الحصة الضئيلة المخصصة للطاقات النظيفة فى خطط الإنعاش الاقتصادى لمرحلة ما بعد كوفيد – 19. وأشارت الوكالة إلى أن الدول أنفقت مبالغ غير مسبوقة لمواجهة الوباء، لكنها خصصت بالكاد 2% من الأموال للانتقال إلى الطاقات النظيفة.

وإذا ما استمرت انبعاثات ثانى أكسيد الكربون فى الارتفاع ما يعنى احتداد الاحتباس الحرارى واستمرار ذوبان الغطاء الجليدى فى القطبين واستمرار ارتفاع منسوب البحار والآثار الأخرى السلبية للتغير المناخى، فإن النتائج ستكون كارثية بما فى ذلك تعرض الكثير من الأماكن على سطح الكرة الأرضية للاختفاء، وأظهرت دراسة علمية حديثة قام بها باحثون من منظمة «كلايمت سنترال» الأمريكية غير الحكومية نهاية عام 2019 الآثار المدمرة للتغير المناخى على الكوكب الأخضر.

ووفقا لـ «دويتشه فيله»، اعتمد العلماء بمساعدة برنامج كمبيوتر فى دراستهم على 51 مليون من البيانات تسمح بالتنبؤ بكيفية تأثير ارتفاع مستوى سطح البحر على الأرض بحلول عام 2050 وكذلك عام 2100 على التوالى.

وكان استنتاج الباحثين مخيفًا، حيث أظهر أن 640 مليون شخص مهددون بفقدان منازلهم إذا فشل المسئولون فى إجراء تغييرات جذرية على انبعاثات ثانى أكسيد الكربون العالمية.