رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

الاحتجاجات تعصف بدولة الخمينى في شوارع طهران التطبيع الحرام بين «نظام الملالى» وأبناء حسن البنا

150

عمرو فاروق

ينفذ «نظام الملالي» الآن جرائم ضد المتظاهرين فى العاصمة الإيرانية، راح ضحيتها أكثر من 500 قتيل، و18 ألف معتقل، وفقًا لوكالة أنباء «هرانا» المعنية بحقوق الإنسان فى طهران، فى ظل احتجاجات تعصف بشعبية دولة الخميني، وتجبرها على تقديم تنازلات تمثل جزءا من شرعية وجودها السياسي والفكري.

لا شك فى أن التظاهرات التي اجتاحت طهران خلال المرحلة الأخيرة من عمر «نظام الملالي»، لأسباب لا يمكن قصرها أو حصرها على تدني وتدهور الأوضاع المعيشية، وإنما إلى حالة القمع والاستبداد والقهر التي يعيشها الشعب الإيراني بقومياته وتوجهاته المتعددة.

رغم ارتفاع الأصوات المناهضة للحكومة الإيرانية لم تعلن جماعة «الدعوة والإصلاح»، (الممثل الرسمي عن جماعة الإخوان فى طهران، والتي تأسست على يد أحمد مفتي زاده، وناصر سبحاني عام 1979)، عن موقفها من الأحداث الجارية، فى ظل التزامها واقعياً بالصمت التام، وذلك لاعتبارات تاريخية وفكرية وسياسية.

فى ظل التوتر الدائر فى الداخل الإيراني، أين يقف أتباع حسن البنا؟، هل يعلنون مواجهة أبناء الخميني؟، هل يدعمون التظاهرات المشتعلة فى قلب العاصمة طهران؟، هل يشكلون جبهة داخلية تعلن رفضها لانتهاكات «النظام الصفوي» ضد المدنيين؟، هل يقفون فى خندق القوى السنية ويدعمون مطالبها؟ أم يتخلون عن الجميع ويبحثون عن مصالحهم على هامش الورطة السياسية التي وقعت فيها «ولاية الفقيه»؟.

انضمام «إخوان إيران»، للقوى الثائرة ضد النظام الصفوي، احتمالية مستبعدة فى إطار خضوعهم لتوجهات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وحساباته المعقدة ومصالحه مع»الدولة الخمينية».

بدت العلاقة بين «إخوان إيران» و«نظام الملالي»، ظاهريًا متوترة منذ تأسيس الحركة فى العمق الإيراني، وبلغت ذروتها باعتقال أحمد مفتي زاده عشر سنوات متصلة، وإعدام زعيمها الروحي ناصر سبحاني عام 1989، فى إطار حالة استبدادية مارسها أبناء الخميني على مختلف الأصعدة السياسية والعقائدية والاجتماعية، وتخوفات من تمدد المذهب السني، وسقوط وتفكك دولتهم تدريجيًا بعد تغليفها بعباءة عقائدية.

حالة الصمت الإخواني تجاه جرائم «النظام الصفوي» لم تتوقف عند جماعة «الدعوة والإصلاح» الإيرانية، لكنها شملت كذلك مؤسسات التنظيم الدولي، التي لم تعلن عن موقفها حيال الأوضاع المضربة فى العاصمة طهران، لا تأييدًا ولا شجبًا، وغضت طرفها عن القمع والتعذيب والقتل الممارس تجاه المناهضين للنظام وقيوده.

فى شهر نوفمبر الماضي تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بيانًا منسوبًا لـ»الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، (التابع للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان)، منددًا بالتظاهرات الإيرانية الراهنة، ومطالبًا باتخاذ الإجراءات الصارمة تجاه من وصفهم بـ «العملاء المخربين»، ليخرج عقبها أمين عام «اتحاد علماء المسلمين»، على القرة داغي، نافياً صحة البيان، ومعتبرًا أنه «صنع فى الغرف المظلمة» على حد تعبيره.

التفاهمات التي قادها المتحدث الرسمي الأسبق للتنظيم الدولي، يوسف ندا، فى تسعينيات القرن الماضي، حركت المياه الراكدة بين الحركة الإخوانية و«النظام الصفوى»، ودفعت إلى توافق المصالح بينهما، وتحولها لذراع تابعة للحرس الثوري الإيراني فى عمق المنطقة العربية، رغم عدم إشهارها والاعتراف بها رسمياً.

هيمنة عبد الرحمن بيراني، على رأس سلطة جماعة «الدعوة والإصلاح» الإخوانية، منذ عام 1991، مهد الطريق بين الحركة و«نظام الملالي» والحرس الثوري، فى بناء قواسم مشتركة على مستوى المصالح المتبادلة، لاسيما فى ظل عضويته بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وقيامه بدور وسيط وعراب للاتفاقات بين «ولاية الفقيه» والقوى الإسلاموية الأصولية فى المنطقة العربية والشرق الأوسط.

على خطى التنظيم الدولي، لم تخف جماعة «الدعوة والإصلاح» الإخوانية، وأمينها العام، عبد الرحمن بيراني، تأييدها لـ «لنظام الصفوي» فى بيانات رسمية، منحتهم تقليد المناصب الإدارية، والاستحواذ على مقاعد برلمانية، فى إطار علاقة مرنة جمعت بينهما على مدار السنوات الماضية.

لعب عبد الرحمن بيراني، دوراً فى تهدأت الأوضاع بين أنقرة وطهران، فى ظل توتر العلاقات بينهما حول المشهد السوري، وتحديدًا فى عام 2017، كمبعوث رسمي مرسل من الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، فضلًا عن دوره فى نقل الرسائل بين «النظام الملالي»، وحركة «حماس».

فى أعقاب الإطاحة بحكم «المرشد» فى

30 يونيو 2013 بالقاهرة، استثمر عبد الرحمن بيراني علاقته الجيدة بـ «النظام الصفوي»، داعيًا إلى تنظيم تظاهرات مناهضة للجيش المصري، فى شوارع طهران، بقيادة جليل بهرامي، مسئول الهيئة التنفيذية بالجماعة، رافعين شعار «رابعة».

سقوط «دولة الخميني» يمثل ضربة قوية لمعسكر «الإسلام السياسي»، ونموذجًا حيًا على فشل التجارب الإسلاموية فى الوصول إلى السلطة، وعلى رأسهم جماعة الإخوان التي روجت للثورة الإيرانية، على أنها ملهمة للحركات الأصولية فى تحقيق مزاعم قيام «الخلافة الإسلامية» شرقًا وغربًا.

العلاقة الوثيقة والتاريخية بين «النظام الإيراني» وجماعة الإخوان تغلفها جوانب أيدلوجية فكرية، ومساعي سياسية توسعية فى إطار قواسم مشتركة ومتركزة فى «مبادئ الحاكمية» التي رسخها سيد قطب وأبي الأعلى المودودي، وتجاوزهما لـمفاهيم «الدولة الوطنية والحدود الجغرافية»، فضلًا عن صياغتهما لمشروع «دولة الخلافة».

رغم الخلافات المذهبية فتحت طهران ذراعيها لجماعة «الإخوان»، والتيارات الأصولية المسلحة، ودعمتها وفقًا لأهداف ظاهرها التوافق، وباطنها التوظيف والاستغلال فى إطار تدميرها للإسلام السني، واستكمال تمدد مذهبها الشيعي، وضمان ولائهم المطلق فى عدم تهديد مصالحها السياسية أو التصادم مع أذرعها، بجانب توظيفهم كأوراق ضغط على الأنظمة العربية والغربية.

الارتباط الفكري والنفسي بين قيادات جماعة الإخوان والثورة الإيرانية، دفع عدد منهم الإعلان صراحة عن تأييد رموزها ومفكريها، وفقًا لما ذكره، نعمان بن عبدالكريم الوتر، فى كتابه «الخطوط العريضة لجماعة الإخوان المسلمين»: أنّ عبدالمجيد الزنداني -أحد كبار مؤسسي جماعة الإخوان فى اليمن- قال: «إنّ فى عُنقي بيعة للخميني!»،ويقول يوسف القرضاوي فى كتابه «أمتنا بين قرنين»: «لم تقم للإسلام فى هذا الزمان إلا دولتان: الأولى دولة الإمام الخميني، والثانية دولة الترابي فى السودان».

فى كتابه «الإخوان المسلمون وإيران.. الخميني – الخامنئي»، أورد الباحث السوري، محمد سيد رصاص، أنّ وفد الإخوان، الذي زار إيران بعد انتصار الثورة 1979، قد طرح على الخميني مبايعته «خليفة للمسلمين»، مقابل إعلان الخميني أنّ خلافات الصحابة حول «الخلافة»، و«الإمامة» هي «خلافات سياسية، وليست عقائدية»، وأنّ الخميني تريث ووعدهم بالإجابة لاحقًا، ليعلن عقبها صياغة دستور الدولة الإسلامية الوليدة فى إطار اعتماد «المذهب الجعفري»، مذهبًا رسميًا، وولاية الفقيه نائبًا عن الإمام الغائب.

كان عراب العلاقات «الإخوانية» الإيرانية، ومسؤول الاتصال بين الطرفين، يوسف ندا، الذي صرح بأن «الإخوان» شكلوا وفدًا لزيارة الخميني عندما كان فى المنفى فى باريس لدعمه، وأن ثالث طائرة تهبط فى إيران بعد طائرة الخميني بعد الثورة عام 1979، هي طائرة وفد «الإخوان» الذي قدم لإيران لتهنئة الخميني، وكان على متنها وفد ضم راشد الغنوشي من تونس، وحسن الترابي من السودان، وعددًا من «إخوان» لبنان.

هذا التقارب كان جليًا وواضحًا فى الكثير من المحطات التاريخية، إذ التقى مؤسس «الإخوان المسلمين» حسن البنا، مصطفى الموسوي الخميني الذي أصبح فيما بعد الإمام آية الله الخميني، فى المقر العام لجماعة «الإخوان»، عام 1938، وهناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى تأثره بأفكار حسن البنا وسيد قطب، وفقًا لما كشفه القيادي السابق فى «الإخوان» ثروت الخرباوي، فى كتابه «أئمة الشر»، عبر وثيقة تاريخية.

يأتي فى مقدم هذا التأثير، أن خامنئي عندما أصبح مرشدًا للثورة الإيرانية عام 1989، أصدر أمرًا بتدريس نظريات سيد قطب وأفكاره فى مدارس الإعداد العقائدي لدى «الحرس الثوري الإيراني»، إلى جانب قيامه عام 1966 بترجمة كتاب «المستقبل لهذا الدين» إلى اللغة الفارسية، وكتب فى مقدمة الترجمة أهمية الدور الذي أدّاه قطب، ونعته بصفة «المفكّر المجاهد»، وترجم كتاب «الإسلام ومشكلة الحضارة الغربية»، ووسمه بعنوان «بيان ضدّ الحضارة الغربية»، وكتاب «فى ظلال القرآن».

فى دراسته «الإمام الخميني بين الحاكمية وولاية الفقيه»، أوضح الباحث اللبناني ورئيس «مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط» الدكتور هيثم مزاحم، أن ثورية الخميني ارتبطت بأفكار سيد قطب ارتباطًا وثيقًا، متأثرًا بمفاهيم نظرية الحاكمية الإلهية لدى كل من أبي الأعلى المودودي وسيد قطب، وبلورت فى نهاية المطاف نظرية «ولاية الفقيه».

وقد نشرت مجلة الدعوة المصرية (المنبر الرئيسي للإخوان فى مصر) تصريحًا لأبي الأعلى المودودي ردًا على سؤال وُجه له حول الموقف من الثورة الإيرانية قائلًا: «ثورة الخميني ثورة إسلامية، والقائمون عليها هم جماعة إسلامية، وشباب تلقوا التربية فى الحركات الإسلامية، وعلى جميع المسلمين عامة والحركات الإسلامية خاصة أن تؤيد هذه الثورة، وتتعاون معها فى جميع المجالات».

وعند وفاة الخميني فى العام 1989، أصدر المرشد العام لجماعة الإخوان، حامد أبوالنصر، نعيًا تضمن الكلمات التالية: «الإخوان المسلمون يحتسبون عند الله فقيد الإسلام الإمام الخميني، القائد الذي فجر الثورة الإسلامية ضد الطغاة».

وكان المرشد العام الثالث للإخوان المسلمين عمر التلمساني، كتب مقالًا فى العدد 105 من مجلة «الدعوة» فى يوليو 1985 بعنوان (شيعة وسنّة) قال فيه: إنّ «التقريب بين الشيعة والسنة واجب الفقهاء الآن، وبعيدًا عن كل الخلافات السياسية بين الشيعة وغيرهم، فما يزال الإخوان المسلمون حريصين كل الحرص على أن يقوم شيء من التقارب المحسوس بين المذاهب المختلفة فى صفوف المسلمين».

وكان علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الإيراني الأسبق والمستشار الأول للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، أكد فى ندوة عن «الحوزة الدينية والصحوة الإسلامية» التى عقدت فى مدينة مشهد الإيرانية «أنّ الإخوان المسلمين هم الأقرب إلى طهران بين كافة المجموعات الإسلامية».