رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

مدير مكتبة الإسكندرية: لدينا قيادة سياسية حكيمة فى ظل الظروف المضطربة بالمنطقة

543

إصلاح التعليم لابد أن يبدأ من المدرسة وليس من مكتب وزير التعليم، والطبقة المتوسطة التى صنعها التعليم لابد أن يقوم القادرون منها برد واجب التعليم من خلال التبرع لبناء مدارس متميزة وجذابة للطالب، وأيضا من أجل تأهيل المعلم للقيام بدوره فى تطوير التعليم من خلال تفرغه الكامل لمهنته ومنحه مرتبا لا يقل عن 20 ألف جنيه ليستطيع القيام بدوره، كانت هذه هى المبادرة التى طرحها د. أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية والذى مر حوالى عام على توليه منصبه.

والحوار مع د. زايد له متعة خاصة فهو عالم ومثقف من طراز فريد ، كما أن لديه طموح كبير وخطة مستقبلية لمكتبة الإسكندرية، يرصد لنا أهم محطاتها فى هذا الحوار، فضلا عن أنه يكشف لنا كواليس لجنة الثقافة والهوية الوطنية بالحوار الوطنى التى تم اختياره مقررًا عامًا لها.

سلوى محمود

تصوير: عبد العزيز بدوي

 بعد مرور عام تقريبا على توليك منصب مدير مكتبة الإسكندرية، ما هو أول رد فعل لك حينما علمت بخبر تعيينك؟  وهل اختلف تصورك عن المكتبة قبل وبعد توليك منصب مدير مكتبة الإسكندرية؟

علاقتى بالمكتبة قديمة لأننى كنت أتردد عليها منذ إدارتها من قبل الدكتور إسماعيل سراج الدين وبعده الدكتور مصطفى الفقي، كنت أشارك فى ندوات ومناسبات فى المكتبة وكنت أسعد جدا أن أكون موجودا ورأيت المكتبة من الداخل، ومع ذلك عندما علمت أنى قد كلفت بإدارة هذا الصرح العظيم كان أول رد فعل لى أن أصابنى إحساس كبير بأنى سأتولى مسئولية عظيمة وفى نفس الوقت شعور بالحذر والتوجس من أنى قد أكون غير قادر على هذه المسئولية، ومن أجل ذلك بدأت خلال الفترة ما بين انتخابى من مجلس الأمناء وبين تصديق رئيس الجمهورية على القرار فى شيئين، الأول ابتعدت عن الإعلام وامتنعت عن الحديث عن المنصب واعتكفت لمدة شهر كامل  فى المنزل لأدرس المكتبة، فقرأت كتابا أو اثنين عن المكتبة القديمة مثل كتاب د. العبادى عن المكتبة القديمة وكتاب د.حمدى إبراهيم عن الأدب السكندري، وقرأت باللغة الإنجليزية بعض المقالات عن المكتبة القديمة وبدأت أتعرف على المكتبة الحديثة ومكوناتها وقانونها، واستطعت أن أضع خطة ورؤية خلال هذا الشهر فدخلت المكتبة وفى حقيبتى رؤية للأعوام القادمة، وشجعنى على ذلك وأذاب من عندى القلق والخوف موقف المثقفين المصريين من القرار لأنه استقبل استقبالا جميلا ولم يعترض أحد أو يقول كلاما سلبيا عنى ومعظمهم هنأونى وعبروا عن سعادتهم بأن يتولى منصب مدير المكتبة شخص لديه على الأقل خلفية أكاديمية يمكن أن تفيده فى شغل المكتبة.

وعندما دخلت المكتبة وبدأت العمل لم تتغير فكرتى عن المكتبة ولكنها زادت، لأنى عندما أتيت هنا رأيت أشياء لم أكن أعرفها، على سبيل المثال رأيت المعامل التى تقوم بعمل رقمنة للكتب ومعامل ترميم المخطوطات ورأيت المكتبات المتخصصة التى تساعد المكفوفين وذوى الاحتياجات الخاصة والأطفال، وكنت أعرف بالطبع أن هناك قبة سماوية لكننى لم أكن أعرف أن هناك معملا يبسط للشباب والنشء العلوم ويقوم بعمل مسابقات وتجارب، فضلا عن معرفة المبنى والفكرة الهندسية الموجودة عنه وقرأت ما كتب عن المبنى وتاريخه وكيف أنشئ، وكنت أعرف أن المكتبة لها سمعة عالمية ولكن لم أكن أعلم أن لها سمعة عالمية بهذا القدر، وهذا يرجع فى المحل الأول إلى أن المكتبة تابعة لرئيس الجمهورية مباشرة وأن رئيس الجمهورية هو رئيس مجلس الأمناء وهى تستمد قوتها من هذا الوضع، والمكتبة لها مجلس أمناء مكون من 28 عضوا من مختلف دول العالم وكلهم وزراء سابقين وكلهم لهم حيثيات عالمية وهذا ما يمنحها القوة وأتمنى أن يستمر هذا الوضع دائما، خاصة أن المكتبة تأخذ دعما ضخما من الرئيس ومن الدولة.

 ما هى جوانب وملامح هذه الرؤية؟ وإلى أين وصل تنفيذها؟

عندما أضع رؤية لا بد أن يكون هناك مصادر لتكوينها، وطبعا قانون المكتبة والدستور مأخوذان فى الاعتبار، وأيضا توجهات الرئيس واهتمامه بالثقافة والتعليم والمبادرات الرئاسية المختلفة مأخوذة فى الاعتبار، فبدأت الرؤية بتحديد مصادر تكوينها، وبعد ذلك تحديد الدوائر التى تعمل بها فلابد للمكتبة أن تهتم أولا بمدينة الإسكندرية وتعيد لها المجد الثقافى القديم وأن تكون بها دائرة البحر المتوسط قوية جدا جدا وأيضا دائرة إفريقيا  والدائرة العربية، ثم تأتى بعد ذلك الدائرة العالمية بأن تنفتح المكتبة على دول العالم الثالث أكثر فى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ولا تكون متجهة فقط نحو الدول المتقدمة فى شمال أمريكا وفى أوروبا واليابان، ولدينا بروتوكولات تعاون كثيرة جدا مع هذه الدول.

والمكتبة لا بد أن توجه عنايتها لقطاعات الشباب المصرى لأن هذا الشباب كتلة كبيرة جدا وتحتاج إلى قدر كبير جدا من الرعاية والتوجيه والتكوين النفسى الاجتماعى المعرفى الدقيق، ولابد أن تهتم المكتبة بالتراث وجمعه وتوثيقه وحفظه، وأن تهتم بالرقمنة وتحويل الكتب الورقية إلى كتب رقمية، بالإضافة إلى التأكيد على كل الأنشطة التى تتكرر فى المكتبة مثل معرض الكتاب السنوى والمهرجان الفنى السنوي، وتنشيط المراكز البحثية فى المكتبة بأن تقوم بعمل مؤتمرات متعددة، وبدأنا نفكر فى عمل متحف إثنوجرافى لمصر كلها نجمع فيه كل التراث المصرى ونقوم بعمل خريطة ثقافية للمحافظات المختلفة، وفتحنا الأفق فى مجال العلوم الاجتماعية على مستوى الوطن العربى ونقوم بعمل ندوة شهرية فى دراسة المدن العربية مرة كل شهر أون لاين.

كما ندرس عمل مؤسسة تعليمية أو بحثية متميزة عالمية على غرار كوليدج دى فرانس أو فيللا بيديتشى فى إيطاليا، وغيرها من المؤسسات البحثية العالمية ونفكر فى عمل مركز فنون كبير بالمكتبة، هذه أفكار مطروحة وطرحتها فى مجلس الأمناء وتم الترحيب بها .

 ماذا عن مشروع رقمنة الكتب وماذا تم فيه حتى الآن؟

بدأنا بالفعل فى رقمنة الكتب ونقوم برقمنة 30 ألف صفحة يوميا، ولدينا معملان للرقمنة الأول هو معمل لرقمنة الكتب وبه عدد كبير جدا من الأجهزة التى تقوم بعمل الرقمنة وعمل مراجعة وجودة للرقمنة، والثانى هو معمل لرقمنة المخطوطات وإتاحتها للجمهور للاستخدام، ومن الممكن خلال سنة أو أكثر قليلا أن تتم رقمنة كل محتويات المكتبة.

 سبق وأن تحدثت عن مبادرة لإصلاح حال التعليم فى مصر، ما هى ملامح المبادرة؟

نحتاج إلى إصلاح تعليمى يبدأ من المدرسة وليس من مكتب الوزير، وتطوير المناهج ليست مشكلة لأن التعليم معروف أركانه السبعة وهى تبدأ من هدف التعليم، لماذا نقوم بالتعليم؟، نقوم بالتعليم من أجل تكوين المواطن وليس الحصول على  شهادة، وأن تكون المدرسة جذابة ومريحة وأن يكون المدرس مستنيرا وليس متطرفا وأن يكون متعلما، وأن تكون المناهج راقية ومتقدمة ومنفتحة على التاريخ والجغرافيا، ويجب ألا تقوم طرق التدريس على الحفظ والتكرار، فإذا أردنا عمل إصلاح تعليمى محترم لا بد أولا أن نعد المدارس الموجودة  بحيث تتحول إلى مدارس تسع الطلبة وتكون الفصول بها غير مكدسة وتكون المدرسة مشوقة للطالب، ونصلح الإدارة داخل المدرسة ونقوم بعمل تدريب للمدرسين، فالمناهج موجودة لكن عندما نذهب لتطبيقها فى المدارس نجد المدرس مشغولا ولديه مهنة أخرى، لابد أن نجعل المدرس يقوم بتعليم 30 طالبا ونجعله يتفرغ تماما لعمله ونعطيه راتب 20 ألف جنيه ونجعل الطلبة يشعرون بالسعادة عندما يرون معلمهم، ويجب أن يكون فى كل مدرسة مجلس أمناء يديرها ومسئول عن كل شيء بها وأن يكون للمدرسة حساب بالبنك للإنفاق منه على الصيانة.

هذه هى الفكرة الأولى، أما الفكرة الثانية فهى من أين نأتى بالأموال اللازمة لتحقيق ذلك؟، فالدولة لا تستطيع عمل كل ذلك وحدها لذلك فإن الفكرة التى أطرحها دائما ولن أتوقف عن طرحها هى فكرة (واجب التعليم) وهو ومعناها أن الناس الذين أعطاهم التعليم حياتهم والذين لم يكونوا فى استطاعتهم الوصول إلى شىء بدون التعليم، أريد من هذه الفئات مثل المهندس الذى يملك مكتبا استشاريا، والطبيب صاحب العيادة وأستاذ الجامعة الذى أعير للخارج والصيدلى الذى يملك 20 صيدلية والوزراء السابقين ورجال الأعمال وغيرهم أن يدفعوا واجب التعليم للدولة ولا أقول إنها ضريبة بل واجب تطوعي، فالطبقة الوسطى التى كونها التعليم لابد أن يكون لديها مسئولية أخلاقية وأن يشعروا بمسئولية الوطن.

 كيف ستساهم المكتبة فى محو الأمية وذلك بعد توقيع اتفاقية تعاون بين مكتبة الإسكندرية وبين الهيئة العامة لتعليم الكبار؟

دور المكتبة فى هذا المشروع يبدأ بعد محو الأمية وهو دور مكمل لهيئة تعليم الكبار، فالفكرة لدينا فى المكتبة محو الأمية الشاملة، فنحن لا نعلمه القراءة والكتابة فقط ولكن نعلمه أساليب الحياة الحديثة التى يتعامل بها، أعلمه كيف يتعامل فى البنك وكيف يتعامل بالفيزا كيف يتقدم لوظيفة معينة، فمسئوليتنا فى المكتبة هى أن نعلمه مهارات الحياة، أى نعطى له أشكالا من التدريب التى تمكنه أن يتفاعل فى الحياة دون أن يقال عنه أنه أميِّ أو أنه فقير، أن يتعامل مع كل جوانب الحياة الحديثة ولدينا أفكار وبرامج معدة لهذا التدريب.

 ما رأيك فيما يحدث فى فلسطين وفى غزة تحديدا؟

ما يحدث فى غزة نوع من الهمجية وجرائم الحرب فإنهم يقومون بإبادة شعب كامل لأنهم يملكون التكنولوجيا، والمستقبل لمن فى يده التكنولوجيا فيقتل كيفما يشاء، وما يحدث فى فلسطين يحتاج حلولا سياسية، فنحن نعيش فى عالم يمتلئ بالمشاكل والتناقضات الكثيرة جدا بين ما يقال وما يتم على أرض الواقع، فما يقال عن حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية والمبادئ العالمية وعن الإنسانية لا يمت بما يحدث على أرض الواقع، فالقوى يهزم الضعيف وفى المستقبل ستدخل البيولوجيا وسيقولون إن هناك جنسا راقيا وجنسا أقل منه، فهناك أشكال من الصراع والعنف تتخلق فى هذا العالم الذى يغلي، لذلك يجب أن تكون هناك حكمة سياسية وأن نفكر فى السياسة بمفهوم إنسانى وأن نترك الميكيافيلية ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ولا بد من وجود إيمان بحقوق الغير فى الحياة وإننا جميعا متساوون، إننا نحتاج إلى أن نغرس فى جسد العالم المزيد من الثقة والتسامح واحترام الآخر وكرامة الإنسان.

 وماذا تم فى المشروع القومى للقراءة الذى سبق وأن طرحته؟

حصلنا على موافقة مبدئية من مجلس الأمناء على عمل مسابقات بين الشباب، ونفكر أن نبدأ من يناير القادم فى تدشين مسابقة قومية للقراءة على مستوى المحافظات ويكون فيها جوائز للشباب لأن هذا من أحلامى.

 كيف نستطيع استخدام السوشيال ميديا لجذب الشباب إلى القراءة؟

قمنا بعمل سلسلة صغيرة من الكتب للشباب نحاول رقمنتها، كما نحاول عمل أفلام قصيرة عنها، ولدينا سلسلة من الأفلام القصيرة جدا اسمها “اعرف” يعرف من خلالها الشباب معلومات عن تاريخ مصر والجغرافيا أو عن عالم من العلماء، كما تعمل المكتبة على إنتاج أفلام لمواقع التواصل الاجتماعى  تمكن الشباب من أنه ينظر إلى شيء يعطيه معلومة.

 إلى أين يسير الحوار الوطنى وما هو تصورك لدور لجنة الثقافة والهوية الوطنية باعتبارك ترأس اللجنة؟

فى لجنة الثقافة لدينا عدة محاور منها محور الهوية ومحور الصناعات الثقافية تحدثنا فيه عن السينما والمسرح والترجمة والحرف الشعبية وأقمنا لها جلستين وسنكملها، وناقشنا الحرية الثقافية والحرية الفكرية والسياسات الثقافية وطبيعة إنتاج المؤسسات الثقافية وأود أن أشير إلى أن هناك إقبالا شديدا جدا من المثقفين للمشاركة فى الحوار الوطني، فكل جلسة يحضرها ما يقرب من مائة إلى مائة وعشرة مشارك وهذا الحوار يحدث تلاحق فكرى واتفاق على موضوعات معينة، فهناك بعض المشكلات مثل الضريبة على الفنون وحق الأداء العلنى والحقوق الفكرية الخاصة بالترجمة والتأليف ومشكلات النشر وغلاء أسعار الورق، وكلها مشكلات تحتاج تشريعات وفى بعض الأحيان تحتاج تدخل من الدولة فنقوم بلفت نظر الدولة والرئيس قال أى شيء أستطيع عمله سأقوم بعمله.

 ما رأيك فى الوسط الثقافى المصرى الآن؟

أرى أن الوسط الثقافى فى مصر بخير، فمصر بها أدباء وروائيون وشعراء وكتاب شباب وكثير من الصحف العربية تعتمد على الكتاب المصريين، مصر بها إمكانية ثقافية هائلة وبها مؤسسات ثقافية هائلة جدا ولكن نحتاج إلى مزيد من التفعيل لهذه المؤسسات، وهناك توجه فى وزارة الثقافة أن تقوم بتفعيلها، فكلما تم تفعيلها أكثر كلما تحسن الوضع الثقافى المصرى بشكل أكبر.

 ما هى الخطط الموضوعة لتطوير مكتبة الإسكندرية فى ظل توجهات الدولة المصرية؟

عندما تكون الخطة قادرة على عمل تأمل ونقد ذاتى وعمل تطوير تكون خطة ناجحة ونحن نتجه فى المستقبل للمزيد من الاهتمام بالأطفال ورعاية المبدعين والموهوبين ولدينا أفكار للتطوير فى هذا الشأن، ولدينا أفكار لإنشاء مدرسة للفنون وتعليم الأطفال مزيدا من الفن ولدينا فكرة لعمل أوركسترا للأطفال بحيث يقوم الأطفال بالعزف مثل كبار الموسيقيين.