رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

تونس..حكاية استرداد وطن مختطَف منذ عشر سنوات

الدولار وتحديات الحكومة

522

رغم برودة شتاء القاهرة إلا أن درجة حرارة الأسعار ألهبت الجيوب وجعلت برد الشتاء يزداد قسوةً على البسطاء (الغالبية الأعم من الشعب المصري) تلك الحالة التي يعيشها الشارع، بالإضافة إلى حالة التوتر والاضطراب المتسارع وأزمات متلاحقة في المحيط الإقليمي مما يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي والمحلي.

حالة من الترقب لدى الكثيرين والخوف من المستقبل لدى البعض، أما القليل ممن ملأت خزائنهم، وبطونهم، وجيوبهم من تلك الأزمة فهم يحرصون على سكب مزيد من الوقود على النار لتظل مشتعلة ويرتفع لهيبها لضمان استمرار السيل الجارف من الأموال الحرام إلى خزائنهم، غير مبالين بما يصنعون في الوطن أو بمن يقتلون من البسطاء.

هؤلاء الذين خلقتهم الأزمة المحاكة باحترافية وفكر شيطاني كأحد مسارات إسقاط الدول بأيدي الشعوب من الداخل.

وأنا هنا أرى أن كلمة الشعوب التي يقصدها مُخطِط الفكر الشيطاني هم أصحاب الضمائر الخربة، من تجار الأزمة.. عاونهم على ذلك بطء مواجهتهم وفساد البعض ممن غابت ضمائرهم.

 

ففي الوقت الذي ترتفع وتتصاعد فيه وتيرة الأحداث فى المنطقة بالاتجاه نحو مزيد من الأزمات، يواصل المتربحون من دماء الشعوب غيّهم وهو ما يستوجب الضرب على أيديهم بيد من حديد حتى يرتدعوا، وإلا سيستمرون فى دفعهم للأزمة لتصل إلى مرحلة الانفجار المدمر لتأكل الأخضر واليابس، فهم لا يعبأون بالأوطان، لكني أثق بأن هذا لن يُسمح له بالحدوث وأتمنى أن يتم الإسراع باتخاذ الخطوات المناسبة فى أسرع وقت.

 (1)

حالة الاشتعال التي يحاول البعض سكب مزيد من الوقود عليها فى السوق الموازية للدولار ليست عشوائية، لكنها تدار من قِبل عناصر تستهدف الإضرار بالاقتصاد المصري والدولة المصرية ودعونا نكون أكثر واقعية فى تلك القضية، فالسوق الموازية للدولار والريال السعودي، يقف خلفها مجموعات  تعمل فى الخارج وأخرى فى الداخل منذ عام 2018 وليست وليدة الأزمة الأخيرة، فمنذ ذلك التاريخ وقد بدأت تلك المجموعات بالعمل على تقليل حجم تحويلات المصريين فى الخارج من العملة الأجنبية، فبدأت  عمليات شراء النقد الأجنبي من المصريين العاملين بالخارج، وتحويل المقـــــــابل بـــالجنيــه المصري من خلال عناصر داخل مصر تقوم  بتحويل الأموال لأسر العاملين فى الخارج، فيستفيد المغترب وأسرته من فارق العملة، وتستفيد عناصر الشيطان من عملية منع وصول الدولار إلى مصر، ولكي تدير منظومتها بشكل غير ملفت للنظر فهي تستغل مواسم وفترات محددة للتغطية على تحركاتهم باتجاه تنفيذ المخطط الشيطاني، مثل مواسم الحج والعمرة أو فترات سداد أقساط القروض، أضف إلى ذلك توسع تلك الشبكات خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير، وقد ذكّرني هذا الأمر، بما كان يحدث من فساد ضرب المحليات  وكان أحد أسباب انتشار العشوائيات  فى محافظات مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية، فقد كان «الكاحول» هو من يتحمل كل المخالفات التي يتم إجراؤها من قِبل موظفي الأحياء، ودائمًا ما يكون شخصًا طاعنًا فى السن يتم عمل كل الأوراق باسمه ويقوم تجار الفساد بمنحه مبلغًا من المال مقابل ذلك مع توقيعه على أوراق الضد لضمان أموالهم، وليعيثوا هم فسادًا بالتعاون مع بعض موظفي المحليات من ضعاف النفوس وغائبي الضمائر، وتتحمل الدولة نتيجة هذا الفساد عندما تريد إصلاح ذلك القُبح، فقد تحملت الدولة المصرية وأنفقت 350 مليار جنيه  للقضاء على العشوائيات خلال الفترة الماضية وهو ما يعد بمثابة علاج لفساد وقع ولم تتصدَ له الدولة بالشكل المناسب.

نعود إلى أزمة الدولار فخلال الفترة الماضية، وبالتحديد عقب أزمات كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية وجدت عناصر الشيطان ضالتها بقوة لاستغلال الأوضاع الاقتصادية والدفع بترويج مفهوم الاستثمار فى الدولار مما زاد من حجم الطلب على الدولار فى الداخل، وعلى الجانب الآخر كانت العناصر الخارجية تقوم بالحيلولة دون وصول الدولار إلى مصر خاصة أنهم يدركون أن موارد الدولة المصرية  تعتمد بشكلٍ كبير على تحويلات المصريين فى الخارج وقناة السويس والسياحة بشكل أساسي، بالإضافة إلى الصادرات البترولية وغير البترولية.

وهنا كان التحرك نحو ضرب أحد أهم أعمدة تدفقات النقد الأجنبي (تحويلات العاملين فى الخارج) والتي انخفضت خلال العام المالي 2022 / 2023 لتصل إلى 22.1 مليار مقابل 31.9 مليار، بحجم انخفاض بلغ 9.8 مليار دولار ليحقق فجوة ضخمة فى التدفقات الدولارية فى ظل انخفاض الصادرات غير البترولية لذات العام بنسبة 3.3%.

وهنا ارتفعت حدة الأزمة بالإضافة إلى الالتزامات التي قامت الدولة بالوفاء بها لمحاولة مواجهة الأزمة، لكن يظل تأخر الحكومة فى مواجهة هذه المافيا التي تدير مخططها الشيطاني، أحد أسباب تفاقم الأزمات.

وقد عملت الشائعات وترويجها باحترافية سواء من قِبل من يسمون أنفسهم بالخبراء ومقدمي الحلول السحرية على السوشيال ميديا أو فى بعض وسائل الإعلام، وكذا بعض التقارير المصبوغة بالصِّبغة الدولية للترويج والتحذير من خطورة الوضع مما يخلق سوقًا أكثر انتعاشًا لمستثمري النقد الأجنبي، والذين تحولوا إلى سوق الذهب ليحرقوه بأسعار لا تمت إلى الواقع بصلة بعد أن تخطي سعر جرام الذهب عيار 21 أكثر من 4000 جنيه وهو ما يفوق بمراحل أسعار الذهب فى السوق العالمي.

إن ما تواجهه مصر فى أزمة العملة الأجنبية يستوجــب علـــــى الحكومة مواجهة صنّاع الأزمة الحقيقيين والدفع بمزيد من الحلول غير التقليدية لجذب استثمارات أجنبية حقيقية، خاصة فى القطاع الصناعي لتقليل فاتورة الواردات الضاغطة بقوة على العملة الأجنبية.

كما أن عليها ألا تعطي فرصة للمتاجرين بالأزمة بتحويل الأوضاع إلى استثمار حقيقي فى الأوراق النقدية، وأن تكون قراراتها تسير نحو إيجاد حلول للأزمة بعيدًا عما يحاول تجار الأزمة الدفع باتجاهه، فالتعويم هو هدف استراتيجي لتجار الأزمة ويجب التصدي له.

على سبيل المثال منح مزيد من التسهيلات للمستثمرين خاصة فى الصناعات الكبرى؛ مع ضرورة الوقوف فى وجه مستوردي بعض السلع التي يوجد لها نظير محلي والعمل على تطوير الإنتاج المحلي منها خاصة مع وجود سوق ضخم به قدرة استهلاكية عالية وهو السوق المحلي.

(2)

كما أنه لم يعد من المعقول أن يقوم بعض المصدرين بتصدير الحاصلات الزراعية والفاكهة بعد أن يقوموا بشرائها من السوق المحلي بالجنيه المصري، لبيعها فى السوق العالمي بالدولار ثم لا يجد هذا الدولار طريقه للسوق المصري مرة أخرى، بل يتم تحويله لبعض المستوردين بالسعر الموازي، ليتحمل المواطن الفاتورة مرتين، الأولى بانخفاض المعروض من المنتجات من الخضر والفاكهة  والحاصلات الزراعية الأخرى فيرتفع السعر، وفى المرة الثانية عندما يقوم المستورد الموقر بمحاسبة المستهلك على سعر السلعة وفق سعر الدولار بالسوق الموازي.

فلم تكن الأزمة الأخيرة فى أسعار البصل أو بعض الخضراوات نتاج تخزين المنتج فقط لدى بعض المحتكرين، بل كانت أيضًا نتيجة تصدير كميات كبيرة من المنتج إلى الأسواق الخارجية وكذا قيام شركات التصنيع الغذائي للخضراوات والفاكهة بالحصول على جزء كبير من استهلاكها من السوق المحلي، مما ساهم فى ارتفاع الأسعار بشكل كبير بل إن بعض المصانع قامت برفع أسعار الخضراوات للحصول على أكبر كمية منها من السوق المحلي، ثم تقوم بعد ذلك بتصديرها للخارج، وهي الأزمة التي تلهب جيوب المواطنين.

وهنا علينا أن تكون لدينا حلول أخرى، على سبيل المثال أن تحصل شركات التصنيع الغذائي وشركات تصنيع وتجميد الخضراوات على مساحات من الأراضي الجديدة  لزراعتها بالحاصلات المستهدفة لها لسد جزء من استهلاكها والحيلولة  دون تأثيرها الضاغط على السوق المحلي، مما يخفف العبء عن المواطن بشكل حقيقي، دون التأثير سلبًا على حجم الصادرات.

العمل على تقديم تسهيلات حقيقية للاستثمارات فى قطاعات السيارات والتكنولوجيا والصناعات الهندسية وهي من الصناعات ذات العوائد العالية، خاصة أن مصر تعد بموقعها الاستراتيجي فرصة جاذبة، لكن حالة التشويه الإعلامي من قِبل قوى الشر، ووجود بعض موظفي الدولة ممن لا يدركون حجم التحديات التي تواجهها مصر، يقفون حجر عثرة أمام قدوم مثل تلك الاستثمارات.

كما يجب تسهيل ودعم الاستثمار الزراعي وفق سياسة محصولية محددة تخدم الأهداف الاستراتيجية للدولة، وهو ما يستوجب أداءً مختلفًا داخل وزارة الزراعة وليست حالة البيروقراطية المتجذرة والمعوّقة لأي محاولة للاستثمار الزراعي الجاد.

فلو أن وزارة الزراعة نفذت الرؤية التي حددتها الدولة وأكد عليها الرئيس السيسي فى أكثر من لقاء، من ضرورة الإسراع بإحلال الثروة الحيوانية فى مصر بأصناف أخرى لديها قدرة أكبر على تحويل اللحم وزيادة فى إنتاج اللبن وفى تلك الحالة كان من الممكن السيطرة على زيادة الأسعار بزيادة المعروض.

لكن الأمر يثير تساؤلاً عن السبب وراء عدم القدرة على تنفيذ تلك الاستراتيجية خاصة أنه قد مرَّ أكثر من 5 سنوات على طرح تلك الرؤية وكانت هذه السنوات كافية لعملية الإحلال الكامل.

وكذا الوضع بالنسبة للثروة الداجنة التي تواجه أزمة نظرًا لارتفاع حجم الاستهلاك فى الوقت الذي توجد هناك فجوة بين الإنتاج والاستهلاك تصل إلى 40% وتعود إلى عدم التنسيق بين الوزارات المختلفة.

فالعديد من التحديات والمشكلات التي تواجه الحكومة تستوجب منها أداءً مختلفًا ورؤية خارج الصندوق، لا مجرد تصريحات وردود تخلق حالة من عدم الرضا الشعبي فى ظل غياب وزارات عن أداء دورها، رغم أنها الأكثر تأثيرًا على المزاج العام، وأذكر أن وزير التربية والتعليم فى أحد المؤتمرات الدكتور رضا حجازي قال إن وزارته هي من تحرك المزاج العام  للشارع،  وهي بالفعل كذلك فليس هناك منزل إلا وبه عدد من الدراسين بمراحل التعليم المختلفة، لكن وزارة الدكتور رضا حجازي لم تنحج فى مواجهة الأزمات التي تعكر صفو الأسرة المصرية وعلى رأسها أزمة الدروس الخصوصية، التي تلهب جيوب المصريين وتستنزف أكثر من نصف دخولهم الشهرية.

فرغم أن الحكومة انتقلت إلى العاصمة الإدارية إلا أن الأداء ما زال يعاني من بيروقراطية الماضي؛ لك أن تتخيل أن ورقة تنقل بها طالبًا من مدرسة إلى أخرى تحصل على أكثر من 52 توقيعًا وختمًا.