رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

بعد رفع الحركة الأفغانية من قائمة الإرهاب.. أسرار التقارب بين موسكو وطالبان !

638

داليا كامل

بعد قرابة عامين من التحركات الدبلوماسية بين الجانبين، دخلت العلاقات بين حركة طالبان الأفغانية وروسيا مرحلة جديدة من التطبيع بإعلان موسكو رفع الحركة المتشددة من قائمة الإرهاب الروسية، ما يفتح باب التأويلات حول أسرار التقارب بينهما- بعد سنوات طويلة من العداء – ويثير العديد من التساؤلات عن أهداف روسيا فى أفغانستان وأهمية هذه الخطوة الأخيرة لكل من موسكو وأفغانستان ومدى انعاكسها على تعزيز التعاون بينهما، خاصة فيما يتعلق بمحاربة ما يعرف باسم «داعش ولاية خارسان».

القرار الروسى تم التأكيد عليه فى الرابع من أكتوبر الحالى خلال الاجتماع السادس لمجموعة العمل الدولية، والمعروفة بـ «صيغة موسكو» والتى تناقش بشكل دورى الملفات المتعلقة بالوضع فى أفغانستان، والتى أطلقتها موسكو فى عام 2017، وتشارك فيها إلى جانب روسيا، الهند وإيران وكازاخستان وقيرغيزستان والصين وباكستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان.

وقال زامير كابولوف، الممثل الرئاسى الروسى فى الشأن الأفغانى، إن القرار بهذا الشأن «اتخذ على أعلى المستويات»، وأضاف: «الأمر لا يتعلق بالرغبة، لقد جرى اتخاذ قرار أساسى بشأن هذه القضية، ويجب أن تتم هذه العملية فى إطار القانون الروسى». وأكد كابولوف عقب الاجتماع: «إن القرار النهائى سيتم الإعلان عنه فى المستقبل القريب جداً».

وحسب «دويتشه فيله»، يعتقد خبراء أن الخطوة التالية بعد شطب الحركة من قائمة الإرهاب الروسية قد تكون اعتراف موسكو بحركة طالبان كحكومة شرعية فى أفغانستان، لتصبح أول دولة تتخذ هذه الخطوة تجاه الحركة المتطرفة منذ استيلائها على السلطة فى أفغانستان فى أغسطس 2021.

وكان الاتحاد السوفيتى قد شن حرباً على أفغانستان استمرت عشر سنوات فى ثمانينيات القرن الماضى، فى نزاع أدى إلى ظهور المقاتلين المتطرفين الذين أصبحوا لاحقا قادة طالبان. ويرى مؤرّخون أيضًا بأن الحرب ساهمت فى انهيار الاتحاد السوفيتى، وفى عام 2003 تم إدراج الحركة على قائمة المنظمات المحظورة فى روسيا.

وبعد ستة أشهر من استيلاء مقاتلى طالبان على السلطة فى أفغانستان إثر الانسحاب الغربى فى عام 2021، اتجهت روسيا إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع كابول، حيث دشن الجانبان علاقات دبلوماسية رسمية فى مارس 2022.

ويمثل قرار رفع الحركة من قائمة الإرهاب الروسية خطوة مهمة من قبل موسكو نحو تطبيع العلاقات مع طالبان.

وحول أهمية هذه الخطوة والهدف منها وإذا كانت ستساعد فى محاربة «داعش- ولاية خاراسان» (فرع تنظيم الدولة الإسلامية فى أفغانستان)، يقول هانز- ياكوب شندلر، من «المركز الدولى لمكافحة الإرهاب» ومقره لاهــــاى، لـ «دويتشه فيله»: «بالطبع، لا يمكن لروسيا توقيع عقود اقتصادية كبيرة مع منظمة لا تزال مدرجة رسميًا على قائمة الإرهاب الوطنية».

ويشير شندلر أيضا إلى الهجوم الإرهابى الذى وقع فى قاعة الحفلات الموسيقية فى موسكــــو فى

 22 مارس 2024، والذى أعلن ما يسمى بـ «داعش- ولاية خراسان» مسئوليته عنه، حيث يعتقد شندلر أن القيادة الروسية أدركت خطورة التهديد من هذا الفرع لتنظيم الدولة الإسلامية.

ويتفق الخبير الألمانى فى شئون أفغانستان توماس روتيج مع شندلر فى أن هذا الأمر زاد من «الاهتمـــام الطبيعى» لموسكو بإقامة اتصالات أوثق مع النظام الحالى فى كابول.

على الرغم من ذلك، يختلف الخبيران حول مدى قدرة طالبان على مساعدة موسكو فى احتواء التهديد الإرهابى لداعش، حيث يرى روتيج أن طالبان تبذل كل ما فى وسعها لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، بينما يعتقد شندلر أن موسكو ترتكب «نفس خطأ الغرب» وهو «افتراضها أن طالبان ضد داعش- خراسان».

ويبرر شندلر رأيه، قائلا: «أولاً، العديد من أفراد داعش- خراسان هم أعضاء سابقون فى حركة طالبان. ثانياً، الكثير من عناصر طالبان قريبون أيديولوجياً من داعش- خراسان. وقد يؤدى الضغط عليهم إلى انشقاق المزيد من عناصر طالبان وانضمامهم إلى هذا الفرع من تنظيم داعش»، ويخلص شندلر إلى أنه «لكى يتمكن نظامهم من الاستمرار والبقاء، يتعين على طالبان أن «تحقق توازناً دقيقاً للغاية» فى المواجهة مع داعش- خراسان».

وإضافة إلى المصلحة الأمنية والاقتصادية لموسكو فى أفغانستان، يرى روتيج أن التقارب مع طالبان يعكس استراتيجية السياسة الخارجية لكل من روسيا والصين، حيث «تسعى الدولتان، بعد انسحاب التحالف الغربى، لربط طالبان بتجمع الدول المناهضة للغرب. تحاول موسكو وبكين ملء الفراغ الذى خلفه الانسحاب الغربى».

وفى السياق ذاته،  قال تقرير لموقع  «ميديا لاين» الأمريكى إن قرار روسيا بإزالة حركة طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية، أثار جدلاً حول ما إذا كانت هذه الخطوة ستساعد فى تحقيق استقرار أفغانستان أم تقوية الجماعات المتطرفة مثل ولاية خراسان التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية.

ونقل الموقع الأمريكى عن أندرو كوريبكو، المحلل السياسى المقيم فى موسكو، قوله إن إزالة طالبان من قائمة الإرهاب يمكن أن يحسن الوضع فى أفغانستان بمرور الوقت.

وأوضح أن هذه الخطوة من شأنها أن تسمح لروسيا بتوسيع التعاون العسكرى والاستخباراتى مع طالبان، وربما توريد الأسلحة الصغيرة وتأمين صفقات الاستثمار فى الطاقة والتعدين.

وأضاف كوريبكو، أن مصالح روسيا فى أفغانستان تشمل القضاء على الإرهاب، ومنع إقامة قواعد عسكرية أجنبية، وتعزيز الاستثمارات فى الطاقة والتعدين، وفتح الأسواق أمام الصادرات الروسية، وإنشاء طرق تجارية إلى جنوب آسيا.

من جانبه، يعتقد ديدار كريم، الخبير فى شئون الدفاع المقيم فى إسلام آباد، أن روسيا تركز على تعزيز الأمن فى آسيا الوسطى، موضحا أنه «مع استمرار انخراطها فى أوكرانيا، لا تستطيع روسيا أن تتحمل فتح جبهة أخرى ضد المتطرفين الإسلاميين».

إلى جانب ذلك، يقول كريم إن روسيا والصين حريصتان على تحسين صورتهما من خلال تحقيق الاستقرار فى أفغانستان. وأوضح: «من خلال القيام بذلك، يمكن للبلدين أن يضعا نفسيهما فى وضع صانعى السلام فى منطقة عانت من التدخلات الغربية».

أما إيرينا تسوكرمان، الخبيرة فى مجال الأمن القومى المقيمة فى نيويورك، فترى أن روسيا تحاول تعزيز وجودها فى آسيا الوسطى، على غرار نهجها فى غرب ووسط أفريقيا.