https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

تونس..حكاية استرداد وطن مختطَف منذ عشر سنوات

مستقبل سوريا إلى أين؟!

443

أحمد حسين الشرع.. المُكنَّى بأبى محمد الجولاني؛ حتى وقت قريب لم يكن الاسم الأول يتم تداوله، لكن الكُنية كانت الأكثر تداولاً.
منذ بدء المواجهات المسلحة بين نظام الأسد فى مارس 2011 وما أطلق عليه المعارضة المسلحة، وحتى إسقاط النظام السورى وتولى الجولانى الذى تحول إلى اسمه الحقيقى عقب حديث تليفزيونى بثته قناة CNN الأمريكية عقب مرور 5 أيام على سقوط عدد من المدن السورية فى يد جبهة تحرير الشام بقيادة الجولاني، خرج الرجل المُهندم تاركًا عصابته الحمراء التى كان دائم الظهور بها حتى 2020، فى زيه وشكله الجديد مع مذيعة القناة الأمريكية التى غطت رأسها، وكانت الأسئلة محددة والمشهد أكثر حبكة معلنًا ميلاد أحداث جديدة سوف تعيشها سوريا والمنطقة، وما هى إلا ساعات عقب بث الحوار ولم تنقضِ سوى عدة أيام حتى سقطت المدن السورية، واحدة تلو الأخرى فى يد عناصر جبهة تحرير الشام مستهدفةً المدن التى يسيطر عليها النظام السابق.

فى خطبته بالمسجد الأموى وفى زيه الزلنسكي، كشف “الشرع” عن بعض مسارات المرحلة المقبلة، الأمر لم يكن مستغربًا على رجل تربى فى أحضان تلك التنظيمات.
الشارع السورى شهد تجمعات مهللة بسقوط النظام تحيط بها مجموعات مما تسمى بإدارة العمليات العسكرية.
فى الوقت ذاته عربد الطيران الإسرائيلى بـ 480 غارة جوية دمر خلالها البحرية السورية بالكامل، وكذا مخازن الأسلحة والمعدات والمدفعية والدفاع الجوى السوري، لتقضى إسرائيل على الجيش السوري، بزعم أنها كانت تخشى أن تصل إليها يد التنظيمات المسلحة الإرهابية.
كما توغل الجيش الإسرائيلى فى المنطقة العازلة شمال الجولان، ليحقق نتنياهو أكبر نصر باحتلال المزيد من الأراضى السورية معلنًا أن الجيش الإسرائيلى لن يتنازل عن أى أرض تواجد عليها.
لم يمر وقت طويل على تصريحات “أحمد الشرع”، قائد هيئة تحرير الشام، بشأن التعاون والعمل على تأمين المؤسسات والمواطنين، حتى انتهت عناصره من السيطرة على كل المدن الواقعة تحت إدارة النظام السابق، ليظهر مع رئيس الوزراء السورى السابق محمد الجلالى، ورئيس الوزراء الجديد محمد البشير، فى رسالة دلالتها أن سوريا بعد الأسد ستسير فى اتجاه المسار السياسي.
لم تمضِ سوى عدة أيام حتى بدأت عناصر هيئة تحرير الشام الملقّبة حاليًا باسم “إدارة العمليات العسكرية” التوجه باتجاه المناطق المسيطر عليها من قِبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، حدثت مواجهات فى ريف دير الزور وريف الرقة.
المشهد السورى بات واقعًا بين آمال السوريين الذين عانوا على مدى عقود فى عودة سوريا إلى الاستقرار وبناء الدولة، وآخرين يتخوفون من مستقبل محفوف بالمخاطر فى ظل سقوط الجيش ووجود الفصائل المسلحة المدعومة من قوى خارج سوريا فكل منهم له أجندته ومصالحه.

 


(1)

فى عام 1983 وبالتحديد 2 فبراير استقبل الرئيس الأمريكى رونالد ريجان مجاهدى أفغانستان، لم يكن اللقاء عاديًا بل أعقبه مؤتمر صحفى قدمت فيه واشنطن المجاهدين الأفغان إلى العالم، كانت العملية تستهدف مواجهة الاتحاد السوفيتي، يومها قال الرئيس رونالد ريجان عنهم “These gentlemen are the moral equivalents of America’s founding fathers” لم تكن الجملة مجرد عبارة عادية للإطراء عليهم لكنها كانت منهجية لدى الإدارة الأمريكية، فى دعم الفصائل المسلحة وتقوية تلك التنظيمات لتدمير الدول من الداخل وصناعة الصراعات وتوجيهها إلى المناطق المستهدفة وفق الحاجة وفى التوقيت المناسب.
تم دعم تلك التنظيمات من خلال برنامج “عملية سايكلون الإعصار” Operation Cyclone بإشراف وإدارة وكالة الاستخبارات المركزية لتدريب وتمويل المجاهدين الأفغان فى الفترة من عام 1979 إلى عام 1989.
انهار الاتحاد السوفيتى بعد أن قامت واشنطن بدعم الجماعات المسلحة وأصدرت عددًا من الكتب التى طبعت لديها حول الجهاد، وصنعت واشنطن تلك العناصر، ثم عادت تصفهم بالإرهابيين، بعد أن أقام أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة فى أفغانستان، إبان حكم طالبان الأول.
إلا أن واشنطن ووفق وثائق للاستخبارات المركزية الأمريكية كشفت عن عودة الإدارة الأمريكية لدعم طالبان بعد القضاء على أسامة بن لادن، بل إنها كانت وراء فتح الطريق لعودة طالبان لحكم أفغانستان مرة أخرى قبل ثلاث سنوات فى 2021.
ورغم أن واشنطن فى حربها ضد الإرهاب والتى أشعلت الحروب فى أكثر من دولة بالمنطقة، إلا أنها لم تصنف حركة طالبان كمنظمة إرهابية.

(2)

المشهد السورى الأخير ليس وليد اللحظة إنما جاء نتاج تحركات ودعم ورؤية تم العمل على تحقيقها منذ فترة لم تكن بالقليلة، فخبر انهيار النظام وتقدم فصائل المعارضة المسلحة (هيئة تحرير الشام) وانسحاب الجيش السورى دون مقاومة، واعتماد عَلم جديد للنظام جاء وكأن فصولا قد صيغت مسبقًا وجاء دور تنفيذها على أرض الواقع.
تلاحق الأحداث فى سوريا والمتغيرات على الأرض تجعلنا أمام مشهد سيناريوهاته المستقبلية المتعددة مرعبة، بل إن أفضل تلك السيناريوهات لن يعيد الاستقرار إلى الدولة الوطنية السورية مرة أخرى بسهولة، وإن كانت الشواهد مما جرى خلال الأيام القليلة القادمة ينبئ بغير ذلك.
ففى الوقت الذى أعلن فيه أحمد الشرع، قائد إدارة العمليات العسكرية حاليًا (هيئة تحرير الشام)، أن الحكومة الجديدة والتى تم تكليفها حتى مارس 2025 كفترة انتقالية سوف تعمل على لم الشمل والحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية.
قامت بعض العناصر تحت حماية قوات من إدارة العمليات العسكرية بإضرام النيران فى قبر الرئيس حافظ الأسد باللاذقية، كما ظهرت صور وفيديوهات لاستهداف عناصر الأمن فى النظام السابق، وتم شنق أحد العناصر على إحدى الرافعات وسط هتافات وتكبير وهو ما يعيد مسارًا محفوفًا بالمخاطر لأنه يرسخ لغياب مؤسسات الدولة.
المشهد الحالى تم الإعداد له مع بداية عام 2017 قامت تركيا بالتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية بإعادة تدريب ودمج كل من جبهة فتح الشام (كانت تُعرف بجبهة النصرة سابقًا) وجبهة أنصار الدين ثم جيش السُّنة ولواء الحق وكذا حركة نور الدين الزنكي.
كما انضمت مجموعة من الجماعات الأخرى وعدد من الأفراد والمقاتلين من سوريا وخارجها، ومنها عناصر من حركة أحرار الشام.
لتحمل تلك المجموعات جميعها اسم “هيئة تحرير الشام” رغم اختلاف مشاربها وهو ما قد ينذر بانقسامات قد يظهر أثرها على الدولة السورية فى المستقبل.
كل ذلك تم بمباركة ودعم أمريكى مستتر؛ ودعم تركى علنى من توفير اللوجستيات والأسلحة والدعم المالي، فى الوقت الذى كانت واشنطن تدعم فيه قوات سوريا الديمقراطية أيضًا.
تصريحات الخارجية الأمريكية عقب تصريحات “الشرع” حول حل القوات الأمنية التابعة للنظام السورى السابق، وأنه سيعمل مع منظمات دولية لتأمين مواقع الأسلحة الكيماوية المحتملة، كشفت التعاون الدائم والمسبوق بين واشنطن وهيئة تحرير الشام.
فقد رحبت وزارة الدفاع الأمريكية بتصريحات الجولاني، وقالت إنه «نعمل من خلال مجموعات للحيلولة دون وقوع الأسلحة الكيميائية فى سوريا فى أيدى أطراف سيئة».
وتابع: «نرحب بتصريحات الجولانى حول تأمين الأسلحة الكيميائية فى سوريا، ولدينا وسائل لنقل الرسائل لهيئة تحرير الشام عبر قنوات خلفية وأولويتنا حماية قواتنا ودحر تنظيم الدولة».

(3)

القرار الذى اتخذه الجولانى بحل الأجهزة الأمنية وانهيار الجيش السورى وتدمير معداته وأسلحته على الأرض، هو نتيجة طبيعة، فالعناصر المسلحة ومنها ما يُعرف باسم هيئة تحرير الشام لا تعترف فى حقيقة الأمر بالوطن الموحد، لكنها تبحث عن أمر آخر وهو تدمير الدول الوطنية لصالح إسرائيل.
علينا ألا نتعجب من ذلك فإذا استرجعنا الأحداث عام 2014، لشاهدنا المستشفى الميدانى الإسرائيلى فى الجولان يزوره نتنياهو ويلتقى المصابين من عناصر جبهة النصرة الذين يتلقون العلاج به.
وهو ما يبرر صمت إدارة العمليات العسكرية، أو هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة سابقًا، (جميع ما سبق هو مسمى لشيء واحد) عما قامت به إسرائيل ضد الدولة السورية.
لقد تحولت سوريا إلى منطقة منزوعة السلاح بالكامل، وهو ما يحافظ على أمن إسرائيل، أما ما تمتلكه الفصائل المسلحة من سلاح فلن يوجه إلى دولة الاحتلال بل سيوجه للحصول على مكتسبات من الدولة السورية.
كما أن حديث الولايات المتحدة الأمريكية الإعلامى عن انتقال سلمى للسلطة فى سوريا ليس له مكان على الأرض أو مؤشرات تدل على أى مدى زمنى يمكن الجزم به.
إن تطورات الأوضاع فى سوريا تتطلب أن يكون الشعب أكثر إدراكًا لحجم المخطط المستهدف لدولته الوطنية، وألا تأخذه نشوة إسقاط النظام ويقذف بالدولة فى أحضان تنظيمات مسلحة وقوى خارجية طامعة فى الأراضى والمقدرات السورية.
فسيناريوهات مستقبل سوريا وفق المعطيات الواقعة على الأرض جميعها متشابهة والنهاية واحدة لكن تبقى إرادة الشعوب هى ما تحدد مصائر الأوطان.
فإذا لم ينتبه الأشقاء فى سوريا لضرورة الوحدة والحفاظ على الوطن وبناء مؤسساته ونبذ الفُرقة والعمل على ضرورة عدم إهدار الوقت والمقدرات فى تصفية الحساب مع أنصار النظام السابق، وأن يكون الدستور والقانون هو الحاكم للدولة والحامى للحقوق، فسوف تسقط سوريا وتكون نموذجًا لتنفيذ خريطة حدود الدم على أرض الواقع.
فالتنظيمات المسلحة لم تنشئ دولة، وخير دليل ما تشهده عدد من دول المنطقة منذ 13 عامًا سقطت خلالها فى أيدى تنظيمات مسلحة ولم تعد حتى الآن.
كما أن الأطماع فى سوريا من قِبل القوى الخارجية يجعلها غير مهيأة للاستقرار ما لم يقرر الشعب ذلك.
ففى ظل تنامى التنظيمات المسلحة والحديث عن عودة التنظيم الإرهابى “داعش” للمنطقة، يجب على السوريين استغلال الفرصة والعمل معًا للحفاظ على الدولة الوطنية وعدم السماح لأى فصيل بأن يختطفها فتصبح العودة مستحيلة فى ظل غياب وضعف شديد لمؤسسات الدولة.

2/2/1983 President Reagan meeting with Afghan Freedom Fighters in the Oval Office to discuss Soviet atrocities in Afghanistan

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحفاظ على الدولة الوطنية

الشعوب هى مَن تقرر بناء الأوطان أو تسقطها فى أتون الفوضى، وهو ما يرتكز على مدى إدراك ووعى المواطن بأهمية الحفاظ على الدولة الوطنية، وعدم السماح باختطافها، والعمل على حماية مقدرات الوطن والحفاظ على مؤسساته.
إن ما تشهده المنطقة وما ينتظرها خلال الفترة المقبلة من متغيرات يستلزم وحدة الصف، فى ظل مخاطر وتحديات وتهديدات متزايدة.
إن قوة مؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسة العسكرية ووحدة الشعب وحكمة القيادة ستظل درعًا منيعًا فى مواجهة المخاطر والتهديدات والتحديات.