صالون الرأينجوم وفنون
نجوم فى ذاكرة رمضان (1) شيريهان
By amrمارس 05, 2025, 12:26 م
556
لم تخترع شيريهان فوازير رمضان، ولكنها كانت واحدة من نجوم ونجمات نجحوا فى تحويل ألغاز ما بعد الإفطار، الى أعمال استعراضية مميزة، رغم أنها كانت تتم بالإمكانيات المتاحة، وهى ليست كبيرة على أى حال، رغم إبهار الملابس والإضاءة، ليست شيئا ضخما حتى بمعيار المنافسة مع الأعمال الاستعراضية التليفزيونية العالمية، ولكننا كنا نمتلك موهبة مخرج كبير اسمه فهمى عبد الحميد، لديه خيال ورؤية، وموهبة كتاب مثل عبد السلام أمين وسيد حجاب، حاولوا تقديم الجديد والمختلف، وكانت لدينا مواهب استعراضية كبيرة مثل نيللى وشيريهان.
أول مرة شاهدت فيها طفلة اسمها شيريهان كانت فى مسلسل متواضع فنيا بكل معنى الكلمة اسمه “المعجزة” أذيع فى السبعينيات. كنت تقريبا فى مثل سنها، ولكنى لم أحبها، ولم أحب الحلقات التى لعبت فيها دور طفلة اسمها “عبير”. كنت أحب أى مسلسل يقوم ببطولته صبى أو طفل كما حدث مع ممدوح عبد العليم فى حلقات “وليد وراندا فى الفضاء”، ولكن لم يبق فى ذاكرتى من مسلسل “المعجزة” سوى أغنية المقدمة الساذجة: “عبير .. عبير .. عبير.. إنتى مين يا عبير ؟!! أنا اختكم عبير .. أو بنتكم عبير .. أو صاحبتكم عبير”، ومشهد هزلى لصلاح السعدنى ويونس شلبى من أسخف ما شاهدت.
كان العمل من إنتاج والدة شيريهان، وبدعم من شقيقها عازف الجيتار الأشهر عمرخورشيد، وعندما عدت إلى بيانات المسلسل اكتشفت أنه من إخراج أحمد طنطاوي، الذى اشتهر بإخراج مسلسلات دينية ناجحة.
ظل هذا الانطباع السلبى عن شيريهان فى ذهنى طويلا: مجرد بنوتة تغنى وترقص وتمثل ، لذلك مررت سريعا على دور تليفزيونى آخر شاهدته لها فى مسلسل بعنوان “الليل والقمر”، كانت تلعب فيه دور نعيمة ، وكان المغنى الراحل عمر فتحى يلعب دور حسن، بينما ظلت فى أدوارها الأولى فى السينما، التى شاهدتها فيما بعد، مجرد مراهقة تحاول أن تتخلص من طفولتها بلا جدوى، فلا هى امرأة ولا هى بنوتة، هكذا كانت مثلا فى “الخبز المر” و”قطة فوق صفيح ساخن”و”العذراء والشعر الأبيض”.
فى المسرح لم تكن قد نضجت بعد وهى تقف أمام محمد صبحى فى”المهزوز” و”إنت حر”، وهى نصوص قوية، ولكنها كانت تتفوق فقط فى المشاهد التى تناسب سنها، وفى تجربة فؤاد المهندس الناجحة “سك على بناتك” كانت هناك لمسة افتعال واضحة، رغم مناسبة الشخصية لسنها.
ولكن نظرتى لشيريهان اختلفت تماما بعد ذلك بسبب دوريها الكبيرين فى “الطوق والإسورة” و”عرق البلح”، والعملان من أفضل أفلام السينما المصرية، ومن أفضل أعمال مخرجيها.
يرجع الفضل إلى خيرى بشارة أولا فى أن يرى فى شيريهان ملامح صعيدية، كأنك أمام ممثلة أخرى غير التى عرفناها، ثم قدمها رضوان الكاشف فى مرحلة أنضح لتحمل فيلم “عرق البلح” على كتفيها، بل إنه استغل موهبتها الاستعراضية فى تقديم أغنية بيبة التى أصبحت من أفضل الأغنيات السينمائية.
من ناحية أخرى، توقفت طويلا أمام موهبة شيريهان فى عالم الاستعراض، بعد أن قدمها فهمى عبد الحميد فى الفوازير، بل وأصبحت الوحيدة التى يمكن مقارنتها بموهبة نيللى كفنانة استعراضية، كما تفوقت بحلقات “ألف ليلة وليلة”، وشخصياتها الأسطورية عروس البحور والأميرة ورد شان وماندو والبنات الثلاث فاطيما وحليمة وكريمة.
يمكن القول إن استمرار شيرهان فى تقديم الفوازير بعد نيللى وسمير غانم، أطال عمر هذا الشكل الاستعراضى الوحيد تقريبا على شاشة التليفزيون، والذى كان يذاع فى أعلى أوقات المشاهدة، كما أن بطولة شيريهان لحكايات من عالم ألف ليلة وليلة، فتح الباب أمام تكرار التجربة مع نجمات أخريات، ويجب أن نذكر هنا أن هذه الحلقات اشتركت فيها أسماء كبيرة وأخرى شابة، فكانت مزيجا فريدا من كل الأجيال، من عماد رشاد ومحمود مسعود مثلا الى محمد الدفراوى وزوزو نبيل وجمال إسماعيل وعمر الحريري، مثلما كانت فوزاير عروس البحور فرصة لتقديم مطربين من الشباب الجديد وقتها مثل عمر فتحى وعمرو دياب ومدحت صالح ومحمد الحلو، كما أتاحت فوازير قدمتها شيريهان فى العام 1993، تقديم ممثلين شباب وقتها فى عالم الكوميديا هم الثلاثى محمد هنيدى وعهدى صادق وعلاء مرسي.
حاولت شيريهان أن تضع بصمة فى مجال الفيلم الاستعراضي، فقامت ببطولة فيلم اسمه “كريستال” من تأليف سمير الجمل وإخراج عادل عوض، كان عبارة عن استعراضات تبحث عن دراما متماسكة، ولذلك نتذكر حتى اليوم بعض الاستعراضات فى الفيلم التى صممها عاطف عوض، والتى تنبيء ببراعة شيريهان وقدرتها، وخصوصا بعد حادث سيارة مروع، مثلما فاجأتنا بلياقتها وبراعتها الاستعراضية مؤخرا فى إعلان رمضانى شهير، كان يمهد لعمل استعراضى بعنوان “كوكو شانيل” عادت به من جديد الى عالم الإستعراض، ولكنه بالتأكيد أمر غير كاف لكى تحقق كل أحلامها.
رغم السن والمرض ومعاناته والزواج والإبتعاد، فإن هذه الممثلة ما زالت تملك القدرة والموهبة والجماهيرية، وأعتقد أنها اليوم فى مرحلة تتيح لها أن تختار، وأن تمتلك الوقت لكى يخرج العمل فى صورة أفضل، وبإمكانيات أكبر وأضخم من إمكانيات الفوازير، هنا يمكن أن تتألق من جديد، طالما أنها ما زالت تحافظ على وزنها، وعلى لياقتها البدنية.
ولدت الفوازير كشكل فنى أولا فى الإذاعة المصرية، على يد الشاعر العظيم بيرم التونسي، الذى كان ينظم الأشعار لتلقيها الراحلة آمال فهمي، ومع نجاح الفوازير فى الإذاعة، انتقلت إلى التليفزيون عبر المخرج محمد سالم، مكتشف ثلاثى أضواء المسرح، وكانت الصيغة الأولى تميل بالأساس إلى الكوميديا، مع محاولات لتقديم مقدمة استعراضية لفوازير الثلاثي، ولكن مرحلة فهمى عبد الحميد عى التى رسخت نهائيا هذا الشكل الاستعراضي، وبالذات مع نيللي، وبدرجة أقل مع سمير غانم، الذى قدم مزيجا من الاستعراض والكوميديا، ثم أضافت شيريهان بصمتها على الفوازير، ومنحت عالم ألف ليلة وليلة استمرارا ملازما لهذا القالب.
يظل تحقق شيرهان استعراضيا من خلال التليفزيون أولا، ثم مسرحيا فى تجارب قليلة ونادرة جدا مثل “شارع محمد علي” و”علشان خاطر عيونك”و”كوكو شانيل”.
ومن هنا كان ارتباطها الدائم بذاكرة رمضان كنجمة للفوازير، التى تبقى وتدوم رغم مرور الأيام والسنوات، ورغم ابتعاد أبطالها ونجماتها عن الاستديوهات.