https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

يا مسحراتي.. دقلنا تحت الشباك

3515

محمود درغام

في شرفة منزلنا كنت دائم الوقوف في ليالي رمضان أنتظر مروره، تطربني أزجاله وطرقات اليد الحديدية على طبلته، يبهجني مروره والأطفال من حوله في الشوارع والحواري الساهرة، ينادي على الناس بأسمائهم فتتعالى الضحكات، ومع مرور الأيام واتساع العمل بالتقنيات الحديثة، تضائل ظهوره وانحصر في مناطق معينة، أسمه المسحراتي، يعمل في هذه الوظيفة منذ قرابة ألف عام، وتأبى الذاكرة عن إعلان وفاته .
وإذا ذكر المسحراتي يتبادر إلى أذهاننا الراحلان الموسيقار والمطرب سيد مكاوي والشاعر فؤاد حداد وهما يطلان عبر الإذاعة والتليفزيون، ينبهان الناس بأجمل الكلمات والألحان لموعد السحور مثل:
مسحراتي صاحب نـدا منقراتــي كــده كــده كده
في إيـدي طبلة مجـودة أمشـي علـى ريحــة النـدا
والنسمة في الجو منشدة اصحى يا نايم وحد الرزاق
رمضان كريم
ويقول المؤرخون إن المؤذنون كانوا يذكرون النيام بالسحور من فوقالمآذن في فترات من الليل بأشعار وأهازيج لطيفة مثل:
معشر الصوام يا بشراكم
ربكم بالصوم قد هناكم
وجوار البيت قد أعطاكم
فافعلوا أفعال أرباب الصلاح
أشربوا عجلى فقد جاء الصباح
ومن أزجال المسحراتي أيضا:
يا غفلان وحد ربك وبالتقى عمر قلبك
ما يوم تقلق على رزقك دا ربنا عالم بالحال
يا رب قدرنا على الصوم واحفظ إيماننا بين القوم
حتي إذا قارب الشهر من الفراغ، وحشّ المسحراتي الشهر بقوله «لا أوحش الله منك يا شهر الصيام، لا أوحش الله منك يا شهر القيام» وقد أنكر عدد من العلماء هذا الفعل ومنهم الشيخ جمال الدين القاسمي حيث طالب الناس بوداع الشهر بكثرة الاستغفار والعزم على الاستمرار في الطاعات .
والمسحراتي لم يظهر بصورته المعروفة إلا في العهد العباسي عندما خرج والي مصر «عتبة بن إسحاق» حاملا طبلة صغيرة يدق عليها بقطعة من جلد أو خشب بصحبة طفل صغير يحمل شمعة أو مصباح يدور في شوارع الفسطاط لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور، ولم تكن وظيفة المسحراتي حكرا علي الرجال ففى العصر الطولونى كانت المرأة تقوم بإنشاد الأناشيد من وراء النافذة فى وقت السحور لتوقظ أهالى البيوت المجاورة، وفى العصر الفاطمىكان الجنود يمرون على البيوت يدقون الأبواب ليوقظوا النائمين، ومع مرور الأيام عين أولو الأمر رجلا للقيام بمهمة المسحراتىفكان ينادى «يا أهل الله قوموا تسحروا» ويدق على أبواب البيوت بعصا كان يحملها فى يده تطورت مع الأيام إلى طبلة يدق عليها دقات منتظمة .
ويطالب الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات والنشر العلمي لمناطق آثار جنوب سيناء بالحفاظ على هذه المهنة وتطويرها واستغلالها ثقافيًا وسياحيًا وتسجيلها كموروث شعبى بالأشعار والأغانى الخاصة بها عبر العصور،إلى جانب الاحتفالية المصاحبة لها من حمل الأطفال للفوانيس وإلقاء الضوء عليها إعلاميًا وتضمينها فى العروض المسرحية والسينمائية وعرضها سياحيًا فى رمضان وطوال شهور العام بقصور الثقافة ومنطقة سيدنا الحسين ومواقع الآثار الإسلامية كمظهر تراثى عريق.