https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

التشجيع «أخلاق» وليس «تحفيل»

2943

عادت الجماهير إلى الملاعب والدولة «عملت اللى عليها فى التنظيم»، وترتيب بيع التذاكر، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتوفير المناخ المناسب لتحقيق أقصى متعة للجماهير الغفيرة من مشجعى كرة القدم، لكن أخشى ما أخشاه من تعكير صفو هذا المناخ الكروى الذى وفرته الدولة بالتعصب الكروى.
ورغم أنها معشوقة الجماهير والرياضة الأولى على مستوى العالم، ومصدر المتعة لمليارات البشر، على اختلاف ألوانهم وعقائدهم وجنسهم وجنسياتهم، إلا أن آفة كرة القدم هى التعصب، وللأسف فبدلاً من أن تكون هذه اللعبة العالمية مصدرًا لنشر الروح الرياضية بين الجماهير إلا أن التعصب يمكن أن يحولها إلى نقمة على المشجعين، وبدلاً من أن تنتهى المباراة محققة للبهجة والمتعة ورسم الابتسامة على وجوه المشجعين، يمكن أن تؤدى إلى دموع ودماء وكوارث.. ومن أشهر الكوارث التى نتجت عن التعصب ما حدث فى ستاد إندونيسيا عام ٢٠٢٢ حيث لقى ١٢٥ شخصًا مصرعهم وأصيب ٣٢٠.
ومن قبلها كانت كارثة ملعب هيسل فى بروكسيل التى حدثت فى 29 مايو 1985 وراح ضحيتها ٣٩ وأصيب ٦٠٠، فقبل ساعة واحدة من الميعاد المحدد لانطلاق نهائى ليفربول – يوفنتوس، قامت مجموعة كبيرة من مشجعى ليفربول بكسر السياج الفاصل بينهم وبين جماهير منافسهم يوفنتوس، فركضت جماهير يوفنتوس إلى الجدار الصلب، بينما كانت هناك جماهير جالسة بالفعل وحصل التدافع؛ فى النهاية انهار الجدار.. وأقيمت المباراة على الرغم من الكارثة، وقد أدت هذه الكارثة المأساوية إلى حظر جميع الأندية الإنجليزية من اللعب فى المسابقات الأوروبية (رفع الحظر فى 1990 – 1991)، واستبعد ليفربول سنة إضافية وتم الحكم على عدد من جماهير ليفربول بتهمة القتل غير المتعمّد.
والحمد لله أن التعصب فى مصر لم ينتج عنه مثل هذه الكوارث، لكن للأسف أشم رائحة تسرّب عدوى التعصب لمشجعينا، أشمها فيما يطلق عليه الشباب حاليًا «التحفيل» على الفريق المنافس خاصة إذا كان مهزومًا، ولا يتم هذا «التحفيل» فقط عندما يلتقى الفريقان بل يمتد أيضًا إذا كان الفريق المنافس يلتقى فريقًا أجنبيًا (عربيًا أو أوروبيًا أو إفريقيًا)، وهذه ظاهرة ليست من شيم ولا من الأخلاق الرياضية وأخلاق المصريين.
التعصب يخلق الفُرقة بين الأخ وأخيه وبين الجار وجاره وبين الصديق وصديقه، ويُحدث حالة من عدم الارتياح فى المجتمع، وظنى أن هذه الظاهرة الخطيرة جديرة بالتوقف عندها، ودراستها وعلاجها لأنها تتجاوز التشجيع إلى العداء، وهنا مكمن الخطر.. فمن الجميل أن تكون منتميًا لنادٍ أو لفريق وتشجعه على الحلوة والمرة، لكن يجب ألا يتحول هذا الانتماء إلى كراهية الفريق المنافس.
أيها المشجعون لا تفعلوا مثلما كان يفعل الصينيون القدماء فى عام ٢٥٠٠ قبل الميلاد، عندما كانوا يقيمون الولائم للفريق المنتصر فى كرة القدم ويجلدون الفريق المهزوم، كما أخبرتنا كتب التاريخ عن نشأة كرة القدم.
على الأندية الكبيرة خاصة الأهلى والزمالك وفرق مدن القناة، أن تعقد ندوات تثقيفية لمشجعيها لتوعيتهم بضرورة التحلى بالروح الرياضية عند التشجيع، وتقبل الهزيمة بروح رياضية واستقبال الفوز بأخلاق رياضية.. وأن يقوم اتحاد الكرة بعقد جلسات مشتركة لمسئولين فى هذه الأندية وحثهم ومساعدتهم على إقامة هذه الندوات.
ما أراه على مواقع التواصل الاجتماعى من تعصب وتمنى الهزيمة لنادٍ مصرى فى مباراة مع فريق أجنبى يحزنني، ولك أن تتمنى الفوز لمن تشجعه كما تشاء لكن ليس من الأخلاق تمنى الهزيمة لفريق يحمل جنسية بلدك لمجرد أنه ليس فريقك، وهذا ما يدفعنى إلى دق ناقوس الخطر.
ولنرفع جميعًا شعار التشجيع أخلاق وليس هتافًا وتعصبًا.