https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

«أنفاق حزب الله» هل تحسم مصير المعركة مع تل أبيب؟

1222

فى ظل الأزمة المشتعلة بين حزب الله وجيش الاحتلال الصهيوني، واعتداءاته على جنوب لبنان، برزت «شبكة الأنفاق» أو ما يعرف بـ «مترو حزب الله»، ودورها فى قلب المعركة الدائرة حاليًا فى تحجيم النفوذ الإسرائيلى وعرقلة تنفيذ مشروعه الاستيطانى التوسعي، وتمرير سيناريوهات التقسيم سعيًا لتمزيق المنطقة العربية إلى مجموعة من الدويلات على أسس طائفية ومذهبية، لتبقى فيها دولة الاحتلال بمثابة القوى الإقليمية المتحكمة فى المشهد السياسى والعسكري.

ورغم أن «حزب الله» يمثل عقبة أمام المشروع الصهيوني، فإنه على مدار السنوات القليلة الماضية حظى بعشرات الإدانات التى نالت منه نتيجة تعديه على الخطوط الحمراء للأمن القومى اللبنانى وتسببه فى تدهور الأوضاع الداخلية، وصناعة ما يعرف بالدولة الطائفية”، فضلًا عن تحوله إلى دولة داخل الدولة بالمفهوم الكامل، فى إطار تفوقه العسكرى والاستراتيجى على مقدرات “الجيش اللبناني”، فى ظل امتلاكه لترسانة من الأسلحة المتطورة والصواريخ البالستية، والطائرات المسيرة، التى تحصل عليها من النظام الإيراني، فضلًا عن الدب الروسى بحكم العلاقة القائمة والمتشعبة بين  موسكو وطهران على مدار التاريخ المعاصر.

كتب : عمرو فاروق

فى إطار المعركة النفسية التى يخوضها «حزب الله» ضد مؤسسات الكيان الصهيونى نشرت حساباته الرسمية إصدارًا مرائيًا تحت عنون «جبالنا مخازننا» والذى أظهر صورًا لمنصة إطلاق صواريخ تحت مسمى «عماد 4»، والشبكة السرية لعدد من الأنفاق التى يمتلكها وعمل على صناعتها على مدار الثلاثين عاما الماضية تمهيدًا للمعركة الكبرى المنتظرة مع الجانب الإسرائيلي، والتى حملت عددًا من الرسائل المباشرة، أهمها امتلاك الحزب قوة صاروخية كبيرة تتمتع بنوع من التحصين والحماية والسرية المطلقة، فضلًا عن أن ترقيمها برقم (4)، يعنى أنها مجرد منشأة عسكرية ضمن سلسلة من الكيانات العسكرية السرية التى يمتلكها الحزب فى إطار موجهته القائمة مع جيش الاحتلال.

وبحسب الإصدار المرئي، فإن «شبكة أنفاق حزب الله»، تتسع لمرور قوافل الشاحنات والدراجات النارية، كما تتضمن مخازن أسلحة ومنصات لإطلاق صواريخ من نوع «عماد 4»، وتظهر كعالم مواز تحت الأرض، حيث تتميز بالإضاءة والتهوية، ووصفتها وكالة «مهر» الرسمية الإيرانية بـ «مدينة الصواريخ» فى الجنوب، بينما شبهها تقرير لشبكة “فوكس نيوز” الأمريكية بـ «مترو الأنفاق».

وأبرزت وسائل الإعلام اللبنانية، حجم الشبكة السرية من الأنفاق التى يحتمى خلفها قيادات «حزب الله»، والتى تحوى فى عمقها غرفًا للقيادة والتحكم الميدانى، وعددًا من مستودعات الذخيرة والإمدادات العسكرية، وعددًا من العيادات الميدانية، وشريط من السكك الحديدية لنقل السلاح، ومواقع مخصصة لإطلاق الصواريخ بكافة أنواعها، وفتحات من صواريخ أرض – أرض، وصواريخ مضادة للدبابات، وأخرى مضادة للطائرات.

وأشارت تقارير إعلامية إلى أن شبكة الأنفاق تمتد لأكثر من 100 ميل فى الطول التراكمى فى جميع أنحاء جنوب لبنان، وتربط العاصمة بيروت، حيث يقع المقر الرئيسى لحزب الله وقاعدته اللوجستية فى وادى البقاع بالقرب من الحدود السورية، بجنوب لبنان، وأن إسرائيل تدرك أنها صممت دون تعليمات من الدولة اللبنانية، وقد تم تطوير قدراتها وتضم أربعة أنواع من الأنفاق، النوع الأول هو «أنفاق الاقتراب» التى يصل من خلالها مقاتلو «الرضوان» من القرى المجاورة إلى السياج الحدودي.

نوع آخر من الأنفاق هو «أنفاق التفجير»، التى يتمثل دورها فى استهداف مقاتلى جيش الاحتلال الذين سيحاولون المناورة داخل لبنان، و«الأنفاق التكتيكية» فى جنوب البلاد، والتى تشكل شريطًا وقائيًا لمقاتلى «حزب الله» حيث يقيمون ومن هناك يخرجون للقتال وإطلاق النار من مسافة قصيرة، النوع الأخير من الأنفاق هو «الأنفاق الاستراتيجية»، التى تم حفرها على مسافة تقدر بمئات الكيلومترات، لنقل المقاتلين والأسلحة من مناطق مختلفة فى لبنان وتستخدم كمقر قتالى.

وأشار تقرير لمركز «ألما» للأبحاث والتعليم، الصادر عام 2021، إلى أن الحزب أنشأ بمساعدة الكوريين الشماليين والإيرانيين، مشروعًا لتشكيل شبكة أنفاق إقليمية بلبنان، وأن نظام الأنفاق أشبه بـ «مترو الأنفاق» وليس نفقًا طويلًا واحدًا، ويطلق عليها كذلك «أرض أنفاق حزب الله»، وهى أكبر من «مترو حماس».

وبحسب التقرير يعتقد أن حزب الله بدأ فى حفر أنفاقه بعد حرب لبنان الثانية فى عام 2006 بالتنسيق الوثيق بين إيران وكوريا الشمالية بعد أن استمدت طهران «الإلهام» من بيونج يانج والأنفاق التى طورتها فى أعقاب الحرب الكورية، باعتبارها أنها خبيرة فى حفر «الأنفاق» بعد حفرها الأنفاق للاستخدام العسكرى عبر المنطقة المنزوعة السلاح الكورية فى محاولة لغزو المناطق الواقعة شمال سيول عاصمة كوريا الجنوبية عسكريًا.

وعطفًا على المخاوف الإسرائيلية من شبكة أنفاق «حزب الله»، فقد أوضحت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، فى تقرير لها أن «حزب الله» يمتلك شبكة أنفاق سرية أكثر تطورًا من تلك التى لدى «حماس» فى غزة، ويبلغ طولها مئات الكيلومترات، ولها تشعبات تصل إلى إسرائيل، وربما أبعد من ذلك، وصولًا إلى سوريا، فى وقت وصفها خبراء بأنها ستتحول إلى مستنقع للجيش الإسرائيلى إذا ما قرر اجتياح جنوب لبنان.

وذكر التقرير أن المقاومة الفلسطينية التى لجأت إلى لبنان فى وقت مبكر من الستينيات، بدأت فى الحفر عندما كانت تنفذ هجمات صاروخية وتوغلات فى شمال إسرائيل، وأن حزب الله تولى المهمة من بعدها، حسب الجنرال “أوليفيه باسو” الباحث المساعد فى معهد البحوث الاستراتيجية التابع للمدرسة العسكرية ورئيس الاتصال السابق لقوة الأمم المتحدة المؤقتة فى لبنان.

وأوضح الجنرال «باسو» أن الحفر فى جنوب لبنان ليس مثل الحفر فى الرمال ووضع الخرسانة كما فعلت حماس لإنشاء «مترو غزة»، الذى يقارب ألف كيلومتر من الأنفاق، بل إن الحفر فى جنوب لبنان هو حفر الصخور يدويًا بآلات ثقب أو آلات هيدروليكية، وتشير التقديرات إلى أن كل عامل يستطيع فى المتوسط حوالى حفر 15 مترًا شهريًا.

ويرى الخبير العسكرى والاستراتيجي، العميد د. حسن جونى، الذى كان يشغل منصب قائد كليّة القيادة والأركان فى الجيش اللبناني، أن استراتيجية الأنفاق تعدّ من أهم أوراق القوة التى يحتفظ بها حزب الله وتضمن له حرية المناورة تحت الأرض، معتبرًا أن شبكات الأنفاق الأخطبوطية تم حفرها بشكل يجعلها تتكامل مع العمليات العسكرية فوق الأرض، خصوصًا لجهة نقل المقاتلين والأسلحة والصواريخ إلى نقاط أخرى تشكل مفاجآت صادمة فى الميدان.

ويشير بحث يتناول “تحييد مشروع أنفاق حزب الله، إلى أن هدف الأنفاق هو تمكين خلايا وحدة الكوماندوز التابعة لحزب الله “الرضوان” من التسلل إلى إسرائيل ومساعدتها على تحقيق “صورة النصر” من خلال احتلال (ولو مؤقتًا) مجمع أو قاعدة للجيش الإسرائيلى أو طريق رئيسي. وبالتالي، تركز أى خطة إسرائيلية على كشف وتدمير الأنفاق وتحسين قدرات الاستخبارات والكشف.

وبالتوازي، تتوخى إسرائيل حسب البحث، إيصال رسالة إلى إيران من خلال كشف الأنفاق ودعوتها للتحرك لكبح جماح «حزب الله»، وعدم التدخل فى أى صدام عسكرى يندلع بين إسرائيل و«حزب الله”، فضلًا عن اعتمادها على القنبلة الثقيلة الموجهة الخارقة للتحصينات GBU-28 ، والتى تزن نحو ألفى رطل (نحو 900 كيلوجرام)، وتتميز بنظام توجيه دقيق يعتمد على نظام الملاحة بالقصور الذاتى وأجهزة توجيه تعتمد على الليزر، مما يزيد من دقتها فى إصابة الأهداف، وتم تطويرها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية خلال الثمانينيات، وتستخدم بصورة رئيسة لتدمير الأهداف المحصنة مثل المخابئ تحت الأرض، وذلك بفضل تصميمها الذى يتيح لها اختراق التحصينات قبل الانفجار، وقد استخدمت لأول مرة فى حرب الخليج عام 1991 وأثبتت فعاليتها فى تدمير الأهداف الصعبة.

وكان جيش الاحتلال أعلن عن “إحباط محاولة حزب الله إطلاق صواريخ كروز من منزل فى جنوب لبنان”، وأنه كشف طريقة “حزب الله” فى إخفاء صاروخ “كروز” داخل منزل، إذ يقوم بإنشاء فتحة مخصصة لإطلاق الصاروخ، وقال جيش الاحتلال فى رسم بياني، إن صاروخ “كروز” المستخدم “DR-3” يصل مداه إلى 200 كيلومتر، ويحمل رأسًا حربيًا يصل وزنه إلى 300 كيلوجرام.

ويشهد لبنان خلال الفترة الماضية هجومًا جويًا استثنائيًا إذ تشن أسراب الطائرات الحربية الإسرائيلية هجمات واسعة النطاق على البلدات والقرى فى الجنوب وكذلك فى البقاع، طالت بصورة كبيرة منازل ومنشآت صناعية ومراكز دينية، ويقول جيش الاحتلال، إن “حزب الله” يستخدمها فى أنشطته العسكرية وإنه يخزن فى بيوت المدنيين صواريخ من ضمنها صواريخ “كروز” الاستراتيجية، إضافة إلى مسيرات تحمل رؤوسًا متفجرة ومجهزة للانطلاق باتجاه شمال إسرائيل.

ووفق تقرير عسكرية لبنانية، فقد شنت قوات الاحتلال خلال أسبوع واحد قرابة 1000 غارة جوية معظمها خارج نطاق القرى والبلدات فى جنوب لبنان، استهدفت منصات إطلاق صواريخ وفتحات أنفاق وبنى تحتية عسكرية تابعة لـ”حزب الله”، وهى تشكل خطوط الدفاع الأمامية للحزب، الأمر الذى برأيها يضعف قدرات الحزب الدفاعية والهجومية بصورة كبيرة، فى حين لم يصدر أى بيان من “حزب الله” يوضح طبيعة تلك الاستهدافات ومدى تأثيرها فى قدراته.

وفى إطار حالة التصعيد بين حزب الله وجيش الاحتلال، والتوسع فى استراتيجية “قطع الرؤوس” التى نفذتها القوات الإسرائيلية ضد قيادات الصف الأول لـ”حزب الله”، فقد كشف الحزب عن قدراته العسكرية من خلال نشر الإصدارات المرئية المعنية بالكيانات والأنفاق العسكرية السرية وراجمات الصواريخ، فضلًا عن مقاطع مرئية لطائرات استطلاعية توثّق مسحًا لمواقع إسرائيلية حيوية، مدنية وعسكرية واقتصادية فى مناطق عدة بينها مدينة حيفا، وتم تنفيذ عدد منها مثل استهداف قاعدة “بنيامينا” العسكرية الساعات الماضية.

وتساءلت مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأمريكية، فى تقرير لها:” هل استراتيجية أنفاق حزب الله هى مستقبل الحرب؟، والإجابة نعم، من الممكن أن يكون كذلك إذا تم استيفاء شروط معينة، فبالنسبة للمبتدئين فى مثل هذه الأمور كحزب الله، قد تحتاج الجماعة إلى منظمة غير حكومية أقوى من جيش الدولة التى تقيم فيها (مثل لبنان)، وستكون هناك عوامل قوية للغاية بسبب المساعدات العسكرية والمالية السخية من دولة أجنبية (مثل إيران)، بما فى ذلك الوصول إلى أسلحة متطورة مثل الصواريخ الباليستية”.

وتابعت المجلة الأمريكية بقولها: وسيحتاج حزب الله أيضًا إلى السيطرة على منطقة حدودية (مثل جنوب لبنان)، بحيث يكون من السهل إنشاء أنفاق مع أقل تدخل ممكن من حكومة مركزية، أو قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، وإذا وجدت هذه الشروط، فإن أى حرب عصابات أو ميليشيا يستطيع حزب الله أن يشعلها، معتبرة أن أنفاق حزب الله فكرة ذكية بسبب الظروف المواتية على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية.

عمليًا استفاد “حزب الله” من طبيعة الصخور فى لبنان لحفر الأنفاق داخل الجبال والوديان، وذلك للاحتماء من سلاح الجو الإسرائيلي، وشن هجمات مكثفة من أماكن جغرافية متعددة يُفترض أنها آمنة، بجانب توفير بديل عن القتال المكشوف تحت الطائرات الإسرائيلية، واستدرج إسرائيل إلى قتال «الأنفاق»، أو «حروب الميليشيات» أو «حروب الشوارع»، الذى يعد فعليًا أصعب من قتال “الجيوش النظامية”، فى ظل قيام “شبكة الأنفاق” بتعطيل فاعلية “سلاح الجو” بالدرجة الأولى، إلى جانب منعه من المناورة.