الأسبوع الماضي خلال الندوة التثقيفية الأربعين التي نظمتها إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة بمناسبة الذكرى الحادية والخمسين لانتصارات أكتوبر، نجح منظمو الاحتفال (إدارة الشئون المعنوية) فى إبراز حجم المخاطر والتحديات والتهديدات التي تواجهها الدولة المصرية فى الفترة الحالية، خاصة محاولات تغييب العقول وترويج الأكاذيب ومحاولات تشويه النصر الذي سطره الأبطال بدماء الشهداء على أرض سيناء فى أكتوبر 1973.
الربط بين الماضي والحاضر كان غاية فى الإبهار، والرسالة كانت فى منتهى القوة، كشفت ضرورة الانتباه لخطر جديد؛ فالذكاء الاصطناعي، وما يقدمه من محتوى باللغة العربية غاية فى الخطورة، خاصة حول أحداث فاصلة، استطاعت أن تغير وجه المنطقة والتعامل معها من قبل القوى الكبرى، وفي مقدمتها نصر أكتوبر.
إن محاولات تزييف الواقع تم العمل عليها على مدى سنوات من خلال إعداد محتوى باللغة العربية مليء بالأكاذيب، وعدم الدقة أو التوثيق، ولم ننتبه لذلك، كما لم نقدم محتوى موثقًا فى مواجهة تلك الموجة، الأمر الذي يستوجب علينا جميعًا أن نعيد النظر وندقق فى كل ما يقدم إلينا من محتوى باللغة العربية على شبكة الإنترنت أو من خلال AI (الذكاء الاصطناعي).
فمحاولات التقليل من حجم النصر الذي تحقق فى أكتوبر 73 لن تتوقف، خاصة مع مرور الزمن، الأمر الذي يستوجب منا أن نوثق عن الأبطال تفاصيل النصر؛ ولا أذيع سرًّا أن إدارة الشئون المعنوية تمتلك تسجيلات للعديد من أبطال أكتوبر 73 من القادة والضباط وضباط الصف والجنود، عندما تلتقي بالأبطال كل عام خلال الاحتفالات بنصر أكتوبر.
خلال الندوة التثقيفية والتي جاء انعقادها متزامنًا مع معركة من أهم المعارك الجوية فى التاريخ العسكري معركة المنصورة، والتي اتخذتها القوات الجوية عيدًا لها، فهي أطول معركة جوية فى التاريخ الحديث (53 دقيقة)، سطر فيها الأبطال من رجال القوات الجوية أرقامًا قياسية فى عدد الطلعات الجوية، وأوقات التجهيز، والمواجهات، وأيضًا كيفية السيطرة على هذا الكم الهائل من الطائرات من قبل الموجهين، ومُنيت إسرائيل بهزيمة ساحقة فلم تستطع إخراج مطارات المنصورة أو طنطا كما كانت تستهدف من موجاتها الجوية الثلاث على مطارات الدلتا فى ذلك اليوم بـ 120 طائرة استطاعت قواتنا الجوية إسقاط 17 منها، وسطرت مصر أعظم نصر فى معركة جوية تدرسها كل الكليات والمعاهد العسكرية حتى اليوم.
(1)
الاحتفال هذا العام كشف ضرورة الانتباه لقضية من أهم القضايا وهي قضية الوعي لدى أبنائنا فى ظل تقاذفهم وسط أمواج عاتية من المعلومات المغلوطة، والتي قد يسقط البعض منهم فريسة لها دون أن ينتبه.
هنا لابد أن تدرك الأسرة والمدرسة ضرورة القيام بدور فاعل تجاه قضية بناء الوعي لدى هذا الجيل.
فالأسرة المصرية عليها دور مهم فى تصحيح المفاهيم وتقديم المعلومات، وتشجيع الأبناء على البحث والتدقيق، بعيدًا عن الانقياد خلف معلومات مضللة.
كما أن زيارة الأسر بصحبة أبنائها وكذا المدارس بزياراتها المدرسية للمتاحف العسكرية التي تقدم تفاصيل حول ما حدث عقب يونيو 67 وحتى أكتوبر 73 هو إحدى أدوات مواجهة موجة الكذب والتضليل.
لقد قدمت إدارة الشئون المعنوية خلال الاحتفال هذا العام عرضًا مسرحيًا بعنوان “الدرس” قدم رسالة مهمة فى قضية من أهم وأخطر القضايا، وهي المحتوى المنشور على السوشيال ميديا واستخدام التكنولوجيا فى استقدام المعلومات دون تدقيقها.
وكذا دور الشائعات فى التأثير على الجبهة الداخلية والتي تعد بمثابة حائط الصد القوى وأهم المرتكزات ذات التأثير الفاعل فى قدرات الجيوش على مواصلة مهامها.
لقد قدم العرض الفني كيف تم تنفيذ الخداع الاستراتيجي الذي استخدم قبل المعركة وكان له الدور المهم فى تضليل العدو وتحقيق النصر، والقيام بعمليات الإعداد للمعركة تحت سمع وبصر العدو وهو لا يدرك أن ما يجري هو إحدى خطوات الإعداد للحرب مثل إخلاء المستشفيات تحت دعوى أعمال التطهير نتيجة انتشار أحد الفيروسات، وهو فى حقيقة الأمر عملية إخلاء استعدادًا للمعركة.
وكذا دور المدرسة فى بناء الشخصية وكيفية مواجهة المعلومات المغلوطة لدى أبنائنا.
(2)
خلال تكريم الرئيس لعدد من أبطال النصر الذين شاركوا فى تلك المعجزة، جاء تكريم الكاتب الصحفي عبده مباشر، وهو الصحفي الوحيد الذي شارك فى أعمال الإغارة على مواقع العدو ضمن رجال المجموعة 39 قتال، بقيادة الشهيد البطل إبراهيم الرفاعي، ليكون بمثابة تكريم للصحافة والإعلام المصري على الدور الذي يقوم به فى معارك الوطن.
لقد جاء هذا التكريم المستحق لأستاذنا الكبير عبده مباشر تتويجًا لمسيرة حافلة له من العمل الوطني سبقت انضمامه إلى صفوف القوات المسلحة ضمن مقاتلي المجموعة التي كانت تثير الرعب والفزع فى نفوس قوات العدو فى سيناء.
فقد شارك مع مجموعات الفدائيين فى القناة، وحصل على نوط التعبئة من الطبقة الثالثة عام 1954 على الدور الذي قام به ضد الاحتلال.
في 5 يونيو 1967 كان فى بعثة للدراسة فى ألمانيا الشرقية ووجد على باب أحد المحلات “ادفع ماركا تقتل عربيًا” ذهب إلى مسئولين ألمان واحتج على الإعلان وقال لهم إنه يريد أن يقوم بحملة شعارها «ادفع ماركًا تنقذ عربيًا»، وجمع مع أصدقائه وزملائه مبلغًا كبيرًا.
لكنه قرر أن يجمع تبرعات من ألمانيا الغربية ليتمكن من جمع ٢ مليون مارك، وقال له المسئولون الألمان: بدل ما تعود بهذه الأموال إلى بلدك يمكن أن نعطيك بها معدات طبية.
عاد عبده مباشر من ألمانيا الشرقية يوم ١٥ يونيو بطائرة محملة بمعدات طبية.
ثم التقى إبراهيم الرفاعي وقدم طلبًا للتطوع بالقوات المسلحة بالصفة المدنية حتى تتاح له فرصة كتابة تفاصيل العمليات التي يقوم بها الأبطال خلف خطوط العدو كونه صحفيًا، ووافق الرئيس عبد الناصر على طلبه وانضم للمجموعة 39 قتال.
تفاصيل كثيرة فى حياته تحكي عن الدور الوطني العظيم الذي قام به وقدم نموذجًا للصحفي الذي يدرك أبعاد قضيته الوطنية ويدافع عنها فى كل الميادين.
(3)
عندما ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمته خلال الندوة التثقيفية، وقف عدد من الضباط من الأسلحة المختلفة من جيل الشباب الذين يحملون الرتب الصغيرة خلف الرئيس.
المشهد لم يكن مسبوقًا، وعقب انتهاء الرئيس من كلمته وجه حديثه إليهم قائلاً، “مصر أمانة فى رقبتكم، نحن بفضل من الله سنكون حريصين على بناء قدراتكم والحفاظ عليها وأنتم تبقوا دائما مستعدين للحفاظ على الدولة المصرية والذود عنها”.
ثم تحدث الرئيس عما يحدث بالمنطقة خلال الفترة الحالية منذ 7 أكتوبر2023 وحتى الآن، وأن الحل الوحيد هو بإعلان الدولة الفلسطينية وتحقيق السلام.
لتأتي رسالة الرئيس مؤكدة أن تماسك الشعب المصري هو أكبر قوة فى مواجهة أي تحديات.
فالحفاظ على أمن واستقرار الوطن يستوجب امتلاكه لقوة عسكرية قادرة على الذود عنه وجبهة داخلية متماسكة ومؤمنة بأن الحفاظ على قوة الدولة هو إحدى دعائم استقرارها فى ظل حالة التوتر الشديد التي تضرب المنطقة.
كما أن ما تموج به المنطقة يتطلب منا أن نكون أكثر وعيًا بالحفاظ على الوطن ومقدراته ومؤسساته المختلفة، فلولا الوعي الذي امتلكه المصريون رغم الأزمات خلال 6 سنوات ما بعد 67 وحتى 73 لما استطاع المصريون تحقيق النصر.
إن النصر الذي تحقق رغم التحديات لم يكن له أن يحدث دون إدراك الشعب لمهمته، وضرورة مساندته لقواته المسلحة وقيادته لاسترداد الأرض.
ومع تغير أشكال الحروب ومسارح عملياتها بمحاولات تفكيك الدول من الداخل واستهداف الشعوب، أصبح تفكيك وحدة الشعوب وتماسكها أحد أهم أهداف تلك المعارك الأمر الذي يستوجب على الجميع إدراك ذلك والالتفاف حول الدولة والثقة فى قيادتها.
هنا لابد أن نؤكد أننا جميعًا مع قيادتنا السياسية الواعية نقف صفًا واحدًا من أجل الوطن، لن تستطيع قوى الشر بما تمتلكه من أدوات أن تؤثر على وعي المصريين.
نحن ندرك حجم التحديات والتهديدات وسنظل على قلب رجل واحد نواصل التنمية ونثق فى قائد سفينة الوطن وحِكمته.