سياسةشئون دولية
سيناريوهات المفاجأة فى الحرب الروسية الأوكرانية
By amrسبتمبر 19, 2023, 16:06 م
806
بعد كثير من التحضير والاستعدادات، وقبل نحو ثلاثة أشهر من الآن، شنت أوكرانيا هجومها المضاد، بهدف استعادة الأراضى التى دخلتها القوات الروسية فى وقت سابق، واستقبلت كييف خلال هذا الهجوم كمًّا هائلاً من الأسلحة الغربية المتطورة من دبابات وأنظمة صواريخ وطائرات مسيّرة وغيرها، ورغم ذلك لم تحقق القوات الأوكرانية اختراقات تذكر للتحصينات الروسية على طول خط المواجهة الممتد لأكثر من 1200 كم.
هذا الفشل الأوكرانى، أدى لتصاعد الانتقادات الغربية لكييف بسبب عدم تحقيق التقدم المنشود على خط المواجهة، أو تحرير مدن كبرى تقع تحت سيطرة القوات الروسية، لكن خلال الأيام الماضية، أعلنت مصادر عسكرية أوكرانية عن اختراق خط الدفاع الروسى الأول، على مقربة من منطقة زابوريجيا جنوب شرق أوكرانيا، ضمن الهجوم الأوكرانى المضاد.
روضة فؤاد
– بعد الحديث عن تزويد كييف بذخائر اليورانيوم
وقال العميد «ألكسندر تارنافسكى»، قائد الهجوم الأوكرانى الجنوبى المضاد لصحيفة «الجارديان» البريطانية، إن قواته أصبحت تتمركز بين خطى الدفاع الأول والثانى، وتعتزم توسيع الثغرة التى أحدثتها، وإحكام سيطرتها على الأراضى المستعادة خلال الهجوم المضاد.
وعلى مدار قرابة ثلاثة أشهر، استعادت أوكرانيا السيطرة على نحو 12 بلدة خلال الهجوم المضاد، من دون تمكنها من إحكام القبضة على أى مدينة أو منطقة استراتيجية رئيسية، بسبب خطوط الدفاع الثلاثة التى أقامها الجيش الروسى فى المنطقة الجنوبية.
وقد أقرّ قائد الهجوم الأوكرانى المضاد «تارنافسكى» بوجود بطء فى تحقيق تقدم ميدانى، بعد إطلاق الهجوم المضاد شهر يونيو الماضى، وقال فى تصريحات صحفية: «أمضينا وقتًا أطول من المتوقع فى إزالة الألغام من المنطقة، وتعرضنا لصعوبات فى إجلاء الجرحى، ما زاد التعقيد أمام تقدمنا»، وفى الوقت نفسه، أبدى الجنرال الأوكرانى تفاؤله بإحراز تقدم أسرع بعد اختراق خط الدفاع الأول، الذى كان يعتقد الروس أن اختراقه سيستغرق عامًا، على حد وصفه.
وأضاف: «بدأت القوات الروسية بالتراجع إلى خط الدفاع الثانى الأقل تحصينًا»، مؤكدًا أن قوات كييف تعمل على العودة بأوكرانيا إلى حدود عام 1991، فى حين أكد الجيش الأوكرانى أنه سيواصل التقدم باتجاه ميلتوبول، أحد المراكز الرئيسية فى منطقة زابوريجيا، والمطلة على بحر آزوف.
وبعيدًا عن التصريحات، يبقى السؤال عن مدى صحتها، وتداعيات هذا الاختراق – إن حدث بالفعل- على مسار الحرب الروسية الأوكرانية، فى هذا الإطار، نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية تقريرًا حاول الإجابة عن هذه الأسئلة، ونقلت عن «مارك جالوتى» الخبير بالجامعية البريطانية قوله إن نجاح أوكرانيا فى هجومها المضاد على القوات الروسية سيكون كالصاعقة على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فالروس كانوا قد اطمأنوا وصاروا «راضيين» عن استعدادهم، ويرون أن جبهة دفاعهم أكثر إحكامًا من أن تنهار أمام التقدم البطىء الذى أحرزته كييف.
وأوضح جالوتى أن انتصار أوكرانيا فى هجومها المضاد يكشف عن أمور ثلاثة تُخيف القيادة الروسية أكثر من غيرها، أولها فى ساحة المعركة ذاتها، وهو أن تقدم القوات الأوكرانية يُظهر أن استراتيجيتها البطيئة والمنهجية ناجحة فى الواقع، وأن لديها فرصة فى التمكن من اختراق الخط الثانى من الدفاعات الروسية.
أما الأمر الثانى، فهو سياسى، وخلاصته أن التقدم الأوكرانى فيه رد حاسم على المنتقدين الغربيين الذين بدأوا يقولون إن الوقت قد حان لكى تتفاوض أوكرانيا، لأنها عاجزة عن إحراز أى تقدم.
ويرى جالوتى أن الأمر الثالث يتعلق بالروس، «إنهم ركنوا إلى شىء من الرضا عن أنفسهم مع اقتراب هطول الأمطار الخريفية، وظنوا أنهم أحكموا الدفاع عن خطوطهم أمام الأوكرانيين، لذا سيكون الأمر (الاختراق الأوكرانى) كالصاعقة عليهم، وإن كنا قد رأينا عمومًا أن الروس يبلون بلاء حسنًا فى الدفاع، لذلك أرى أنهم سيبذلون كل ما فى وسعهم لتدعيم الخط الثانى».
وذكرت «الإندبندنت» فى سياق تقريرها أن العميد «تارنافيسكى» قال إن القوات الروسية خصصت 60% من مجهودها لتدعيم خط الدفاع الأول، و20% فقط لكل من خطى الدفاع الثانى والثالث، وادعى أن روسيا لن يبق لها أحد من «خيرة» جنودها عما قريب، وهو ما يمنح أوكرانيا أفضلية الهجوم بقوة أكبر وأسرع.
لكن ردًا على تلك التصريحات المتفائلة، قال «كير جايلز»، الباحث البريطانى فى مركز «تشاتام هاوس»، إنه لا دليل على «انهيار وشيك» بين القوات الروسية، على الرغم من الاختراق الأخير الذى حققته كييف.
وأضاف لـ «الإندبندنت»: «هناك مزيد من الاستبشار فى أوكرانيا الآن، وقناعة بأنهم قادرون على التقدم بخطى أسرع قليلاً فى الهجوم المضاد، لأنهم اخترقوا أول خطوط الدفاع الروسية وأقواها، لكن هذا لا يعنى بالطبع أن الدفاعات الروسية توشك على الانهيار، كما زعم بعضهم»، إذ لا يزال من الصعب علينا أن نقيس قدرة روسيا وقواتها على الصمود، ولا دليل على انهيار وشيك للاقتصاد أو المجتمع الروسى، بل إن هناك دلائل على أن روسيا ترى أنها فى وضع يتيح لها «تمديد الصراع إلى الخارج، وانتظار وقوع التفكك فى التحالف الغربى».
على الجانب الآخر، بدا الموقف مختلفًا من وجهة النظر الروسية، إذ تؤكد موسكو أن محاولات القوات الأوكرانية التقدم على طول خط المواجهة باءت بالفشل، وأن القوات الروسية متمركزة فى مواقعها، وتلحق خسائر ضخمة بالقوات الأوكرانية، وذلك على الرغم من التدفق غير المسبوق للأسلحة الغربية، التى أكد بوتين أكثر من مرة أنها «لن تغير شيئًا على أرض المعركة، وأنها ستؤدى فقط إلى إطالة أمد الصراع».
الأمر نفسه أكده الخبير العسكرى الروسى «كيرل سيمنوف» الذى قلل من أهمية إعلان الجيش الأوكرانى اختراقه لخط الدفاع الأول، مشيرًا إلى أنه مجرد تقدم بطىء تلاه وصول تعزيزات روسية إلى المنطقة، إذ عملت على تأسيس خطوط دفاع مساعدة لمنع المزيد من تقدم القوات الأوكرانية.
وأكد «سيمنوف» أن «الاستراتيجية الدفاعية الروسية فى وجه الهجوم الأوكرانى المضاد تجبر القوات المهاجمة على تغيير اتجاه هجومها فى كل مرة، ما يمنع تحول العمليات إلى نمط فعال، ويزيد من استنزاف الجيش الأوكرانى، ويمنعه من تحقيق مكاسب استراتيجية».
يذكر أن روسيا عملت منذ سبتمبر 2022 على إنشاء ثلاثة خطوط دفاعية، وباتت تعرف باسم «خط سوروفيكين»، نسبة إلى الجنرال سيرجى سوروفيكين الذى أسس خطوط الدفاع عندما كان قائدًا للقوات الروسية فى أوكرانيا وقتها، ويتمثل الهدف الأساسى من تأسيس خطوط الدفاع فى توفير عقبة بوجه تقدم المدرعات والمقاتلين الأوكرانيين فى المناطق الجنوبية، إذ كان يدور الحديث وقتها عن هجوم أوكرانى مضاد يُجهز له.
وإذا كان الحديث عن اختراق أوكرانيا لدفاعات روسيا قد يكون عاملًا حاسمًا فى مسار الحرب، فهناك أمر آخر تمت إثارته خلال الأيام الماضية، وقد يغير مجرى الحرب أيضًا، ويتعلق بإعلان واشنطن تزويد كييف للمرة الأولى بذخائر تحتوى على يورانيوم منضَّب من عيار 120 مليمترًا مخصصة لدبابات «أبرامز M1A2» الأمريكية التى وعدت واشنطن بإرسالها إلى أوكرانيا قبل نهاية العام، والبالغ عددها 31 دبابة.
لم تكن واشنطن الأولى بإعلان تزويد كييف بذخائر اليورانيوم المنضّب، إذ سبق للندن أن أرسلت النوع نفسه من الذخيرة قبل عدة أشهر، وأثار إعلان بريطانيا عزمها على تقديم ذخائر يورانيوم منضّب لكييف خلال شهر مارس الماضى غضب روسيا التى أعلن رئيسها فلاديمير بوتين أنها سترد على إرسال ذخائر اليورانيوم المنضّب إلى كييف، على اعتبار أن الغرب سيبدأ باستخدام أسلحة تتضمن «مكونات نووية».
وبالفعل، سلمت بريطانيا أسلحة اليورانيوم المنضّب إلى أوكرانيا، فقامت روسيا، كرد فعل على الخطوة البريطانية، بإرسال أسلحة نووية تكتيكية إلى بيلاروسيا، وذهب بوتين أبعد من ذلك، إذ صرح بأن لدى روسيا كمية كبيرة من ذخائر اليورانيوم المنضّب، وإذا استخدمتها القوات الأوكرانية، فإن روسيا تحتفظ بالحق فى استخدام الذخيرة نفسها.
وبعد إعلان واشنطن تسليم كييف ذخائر اليورانيوم المنضّب، ندد الكرملين بالقرار الذى اعتبره «نبأ سيئًا جدًا» ووصفته السفارة الروسية لدى واشنطن بأنه «دليل واضح على عدم الإنسانية»، مضيفة فى منشور لها فى تليجرام: «إن واشنطن مهووسة بفكرة إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا ومستعدة للقتال، ليس فقط حتى آخر أوكرانى، بل حتى تعريض مصير أجيال بأكملها للخطر»، وأشارت السفارة إلى «أن استخدام هذه الذخائر يؤدى إلى انبعاث الغبار المشع الذى يسبب الأورام الخبيثة».
وانتقدت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية فى منشور لها فى تطبيق تليجرام القرار الأمريكى، وكتبت: «ما هذا؟ كذبة أم غباء؟»، وأوردت المتحدثة الروسية أنه لوحظ زيادة فى حالات السرطان فى الأماكن التى استخدمت فيها ذخيرة تحتوى على ذخائر اليورانيوم المنضّب.
من جهتها، ردت «سابرينا سينج» المتحدثة باسم البنتاجون بأن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها فى الولايات المتحدة ذكرت بأنه لا يوجد دليل على أن ذخائر اليورانيوم المنضّب تسبب السرطان، وأضافت أن منظمة الصحة العالمية أفادت بأنه لم تكن هناك زيادة فى حالات السرطان بعد التعرض لليورانيوم المنضّب.
يذكر أن اليورانيوم المنضّب هو بقايا الوقود النووى الذى لم يعد مجديًا –عمليًا- فى المفاعلات النووية، ومن أجل تحضير الوقود الخاص بالمفاعلات النووية، يتم إخضاع خام اليورانيوم لعمليات معقدة فى مصانع التخصيب، بهدف زيادة تركيز النظير «U-235» عن بقية نظائر اليورانيوم، أى إنتاج اليورانيوم المخصّب الذى يستعمل كوقود نووى للأغراض التجارية، وما يتخلف عن عملية التخصيب من فضلات يسمى اليورانيوم المنضّب الذى هو مادة مشعة وسامة.
وبالنظر إلى الخصائص التى يتمتع بها اليورانيوم المنضّب، ولا سيما كثافته العالية وامتلاكه خاصية الاشتعال وتوفره بكثرة، فضلاً عن أنه غير مكلف، فقد تم استخدامه فى صناعة الذخائر والعتاد الحربى.
وترى دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا أن اليورانيوم المنضّب يستخدم بشكل فعال فى الذخيرة؛ لأن كثافته العالية تعطى المقذوفات القدرة على اختراق الدروع بسهولة، ما يمكنه من تدمير الدبابات الحديثة.
وعن تأثير اليورانيوم المنضّب على مسار الحرب، ترى روسيا أن تزويد أوكرانيا بذخائر اليورانيوم المنضّب لن يغير مسار العملية العسكرية، وسيواصل الجيش الروسى تدمير الأسلحة الغربية، إذ إنه تمكن من تدمير دبابة «تشالنجر 2» البريطانية التى يمكن أن تحتوى قذائف اليورانيوم المنضّب فى قرية روبوتين فى إقليم زابوريجيا، ولكن بصرف النظر عن مدى تأثير قذائف اليورانيوم فى مسار الحرب، فمن المرجح أن تصبح مناطق النزاع موبوءة بالإشعاعات، وسيصاب الجنود الأوكرانيون والروس بهذه الإشعاعات الخطرة.