https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

تونس..حكاية استرداد وطن مختطَف منذ عشر سنوات

الإعلام والحرب

154

في الحروب التقليدية، تبدأ العمليات العسكرية باستخدام القوات الجوية التي تعد بمثابة اليد الطولى للدول وفى توقيت متزامن تقوم باقي الأسلحة بالاستعداد حسب الخطة المرسومة للتحرك باتجاه العدو.

تقوم القوات الجوية بضرب المطارات والقواعد الجوية وكتائب الصواريخ والدفاعات الجوية للحيلولة دون قدرة العدو على الرد أو على الأقل تأخير الرد على الهجوم الجوى.

سيناريوهات المعركة يتم وضع خطتها داخل غرف العمليات، لتنتقل للتنفيذ على أرض الواقع.

تختلف طبيعة العمليات العسكرية من مكان لآخر طبقا لطبيعة مسرح العمليات، والعقيدة العسكرية، والهدف الاستراتيجي المحدد لها، والقدرات القتالية للقوات، والأوضاع الاقتصادية للدولة، والجبهة الداخلية، والأوضاع السياسية الدولية، كل تلك المحاور تكون أمام مخططي العمليات.

خلال الحروب التقليدية فى القرن العشرين، كانت الحرب النفسية إحدى أدوات المعركة، الأمر الذي دفع بالدول نحو تطويرها مع تطوير الأسلحة لتصبح أحد أهم أسلحة المعارك الحديثة فى القرن الحادي والعشرين؛ ويصبح الإعلام أحد أهم أسلحتها (الحرب النفسية) الأمر الذي يتطلب إدراك أهمية الإعلام كأحد أسلحة المعركة؛ خاصة فى ظل تحديات أخرى باتت تؤثر على سير المعارك، وقدرات الجيوش على تحقيق أهدافها.

(1)

أصبح التمهيد النيرانى فى العمليات العسكرية يجرى من خلال حملات حرب نفسية ممنهجة تستهدف الجبهة الداخلية للدول المستهدفة، يتبع ذلك عمليات تستخدم فيها الطائرات بدون طيار، فهي الأقل كلفة وتمتلك قدرة على الوصول للهدف، بعيدا عن الرادارات نظرا لضعف بصمتها الرادارية.

ومع التطور التكنولوجي كانت الحروب الإلكترونية ذات تأثير كبير فى نتائج المعارك.

ولأن تطور الحروب ارتبط بتطور الأسلحة فتطورت معه مسمياتها، لتصل إلى حروب الجيل السادس التي تطل علينا حاليا.

فحروب الجيل الأول (حروب الصفوف والخطوط) – القرن 17 إلى 19 اعتمدت على جنود بزي موحد، صفوف منظمة، مدافع وبنادق بدائية، وشملت المواجهة وجهًا لوجه فى ساحات القتال.

كما أن حروب الجيل الثاني كانت حروب (النيران الكثيفة) مثل الحرب العالمية الأولى، والتى شملت الاعتماد على المدفعية الكثيفة، والخنادق، والمواجهة الطويلة، بالإضافة إلى مبدأ “الإفراط فى القوة” لإرهاق العدو.

أما حروب الجيل الثالث فشهدت (المناورة السريعة) مثل الحرب العالمية الثانية وأطلق عليها حرب البرق (Blitzkrieg) عند الألمان.

كما تم الاعتماد على الدبابات، الطيران، سرعة الحركة لاختراق خطوط العدو بدل الاستنزاف.

أما حروب الجيل الرابع كانت (حروب العصابات والإرهاب) والتي بدأت من السبعينيات فصاعدًا.

فشملت أطرافا غير دول (منظمات، ميليشيات) لمواجهة جيوش نظامية بهدف إرهاق الدول.

تعتمد تكتيكات حرب العصابات على العمليات الانتحارية، والضربات المفاجئة بهدف إنهاك الدولة وإفقادها السيطرة.

أما حروب الجيل الخامس (الحروب الهجينة والمعلوماتية) والتي جاءت مع مطلع الألفية؛ لتشمل مزيجا من القوة الصلبة (عسكرية) والناعمة (إعلام، اقتصاد، سياسة).

فيتم استخدام الإعلام، التكنولوجيا، العقوبات الاقتصادية، الهجمات السيبرانية ضد الدول المستهدفة.

مثل “الربيع العربي” وما صاحبه من استغلال للسوشيال ميديا.

أما حروب الجيل السادس والتي تطل برأسها حاليا فتشمل (الذكاء الاصطناعي وحروب الإدراك).

السيطرة على وعي الناس قبل السيطرة على الأرض.

الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، الطائرات المسيّرة، والحرب السيبرانية الشاملة.

ليتم فيها ضرب البنية التحتية المعلوماتية والعقل الجمعي للمجتمعات.

(2)

الأسبوع الماضي، لفت انتباهي عدة ملاحظات خلال حضوري للمرحلة النهائية للتدريب العسكري المشترك “النجم الساطع 2025 ” والتي شملت ثلاث مهام قتالية.

المهمة الأولى: مهاجمة بؤرة إرهابية بمنطقة “تلة الكيف”.

المهمة الثانية: الرماية التكتيكية بالذخيرة الحية بمنطقة منقار الوحش.

المهمة الثالثة: الإبرار البحري بمنطقة شاطئ العُميد.

المهام الثلاث التي تم تنفيذها فى نهاية التدريب المشترك الأكبر فى الشرق الأوسط، وهي من التدريبات المخططة، وسيناريو العمليات فيها هو سيناريو عملياتي افتراضي لكنه مبنى على أحداث وتهديدات وتحديات تمت مجابهتها، تتم الاستفادة من خبرات العمليات بها؛ أو عمليات محتملة وفق تطورات الأوضاع والأحداث.

 احترافية القوات فى تنفيذ المهام القتالية، والاندماج السريع فى العمليات فتوحدت المفاهيم خلال مدة لم تتجاوز الخمسة عشر يوما؛ بين أكثر من 8000 مقاتل، رغم اختلاف العقائد العسكرية، واختلاف تكنولوجيا التسليح فاجتمعت أسلحة المعسكرين الشرقي والغربي فى ميدان عملياتي واحد، كما اجتمعت العقيدة الهجومية والدفاعية فى ميدان واحد، لتنصهر جميعها فى خطة واحدة لمواجهة أي عدائيات من أجل الحفاظ على أمن واستقرار الدول، وحفظ مقدرات الأوطان.

 استعراض الأسلحة المستخدمة فى العمليات خلال مراحل التدريب المختلفة من كافة الدول المشاركة، والتي أظهرت التطور الكبير فى تكنولوجيا التسليح.

  إضافة أنشطة جديدة فى التدريب هذا العام بالإضافة إلى الأنشطة التدريبة الرئيسية.

فقد تم تنفيذ رماية صاروخية بعدد 8 صواريخ ستينجر (FIM-92 Stinger) وهو أحد أسلحة الدفاع الجوى الأمريكية قصيرة المدى، وهو صاروخ محمول على الكتف مضاد للطائرات، وموجه بالأشعة تحت الحمراء (يلاحق الحرارة).

تبلغ سرعته (202 ماخ) أي ضعفي سرعة الصوت، ويستهدف الطائرات والمروحيات على ارتفاع منخفض والطائرات بدون طيار.

بعض الإصدارات الحديثة منه قادرة على التعامل مع صواريخ كروز.

كما تم التدريب على اكتشاف وقياس المصادر المشعة (المقلدات) باستخدام الأجهزة والمعدات الحديثة للحرب الكيماوية.

كما تم التخطيط للتدريب على مهام الاستجابة للكوارث وشملت (تقديم المساعدات الإنسانية وعمليات إجلاء المدنيين)

 هذا بالإضافة للأنشطة التدريبية الرئيسية ومنها مشروع مراكز القيادة والتدريب الميداني والرماية بالذخيرة الحية وتدريب الأمن السيبرانى وتنفيذ مشروع مراكز قيادة على مستوى قوة مشتركة يدار طبقا للعقيدة الغربية، وكذا التدريب على القتال فى المدن.

 التدريبات المشتركة تساهم بشكل كبير فى توحيد المفاهيم، بالإضافة إلى نقل الخبرات والتعرف على أسلحة جديدة لدى القوات المشاركة يتم العمل عليها مما يسهل التعرف عليها ويوفر المزيد من الوقت لدى القوات المشاركة فى التدريب.

 ما شهدته الحروب خلال العقدين الأخيرين من متغيرات فى العمليات العسكرية، جعل الجيوش النظامية أمام تحديات إضافية، على سبيل المثال الهجمات الموجهة بالطائرات بدون طيار والعمل على مواجهتها سواء من خلال الدفاعات الجوية أو من خلال إدارة الحرب الإلكترونية التي يتمتع رجالها باحترافية شديدة فى السيطرة على الطائرات بدون طيار أو أعمال الإعاقة للجانب المعادي خلال العمليات العسكرية.

 أثناء التدريبات المشتركة وبشكل خاص خلال تبادل الخبرات بشأن مواجهة تهديد معين تحرص قوات الدول المشاركة أن تستفيد من نموذج العمليات الذي استطاع تحقيق النصر فى المعركة.

هنا لابد أن أتوقف عند النموذج المصري فى مكافحة الإرهاب، ولست مبالغا إذا قلت إنه النموذج الوحيد على مستوى العالم الذي استطاع أن يحقق النصر فى حروب الجيل الرابع، فأصبح نموذجا تحرص العديد من الدول على تطبيقه، خاصة إذا كانت تلك المواجهة فى مناطق مأهولة بالسكان، وهنا لا بد أن نذكر أن مشروع مهاجمة بؤرة إرهابية بمنطقة ” تلة الكيف” وهي إحدى مناطق العمليات بقاعدة محمد نجيب العسكرية، تم تنفيذ المشروع التدريبي باحترافية شديدة وفق تسلسل عملياتي حرصت خلاله القوات منذ لحظة تلقى بلاغ بسيطرة مجموعة من العناصر الإرهابية على قرية حدودية وحتى القضاء على تلك المجموعة، أن تحافظ على حياة المدنيين مهما كلف تلك القوة من تضحيات.

فعقب تلقي البلاغ باقتحام العناصر الإرهابية للقرية، بدأت عملية جمع المعلومات، من خلال العناصر المتخصصة، وكذا استخدام طائرة موجهة بدون طيار، فى الوقت نفسه دفع دوريات استطلاع إلكتروني، ومجموعات للكشف عن العبوات الناسفة، وهو من الخبرات المكتسبة خلال مواجهة القوات المسلحة للإرهاب على مدى عشر سنوات.

ثم تم استعراض فكرة المداهمة وقطع طرق الإمداد على العناصر الإرهابية، لتبدأ عمليات المواجهة فى توقيتات محددة حرصا على أرواح المدنيين من أبناء القرية.

وتنجح القوات فى تدمير مخزن تكديس إداري للعناصر الإرهابية بالقرية، فى الوقت نفسه تقضى على العناصر الإرهابية وتؤمن الأهداف الحيوية بالقرية كمحطة الكهرباء، ويزداد تضييق الخناق على العناصر الإرهابية من خلال رجال العمليات الخاصة من الصاعقة والمظلات.

ويحاول أمير الجماعة الهرب من القرية لكن سرية القطع من القوات الخاصة كانت له بالمرصاد فقضت عليه.

وفى توقيت متزامن تم اقتحام القرية بواسطة عناصر القوات الخاصة مع اقتحام رأسي لتحرير الرهائن المحتجزين داخل أحد المباني.

ثم تطهير القرية بعد اكتشاف معمل كيميائي خاص بالعناصر الإرهابية، الأمر الذي قامت على إثره عناصر الحرب الكيميائية بفتح محطة تطهير كيميائي.

ثم عملية إعادة الحياة الى طبيعتها داخل القرية بعد القضاء على العناصر الإرهابية.

(3)

خلال العملية الخاصة بمهاجمة بؤرة إرهابية والقضاء عليها كان للإعلام دور فى تلك المعركة، بدءا من العمليات النفسية من خلال المنشورات التي تم إسقاطها وانتهاء بالمجموعات الإعلامية التي دخلت القرية عقب انتهاء المعركة للقاء المواطنين والتعرف منهم على تفاصيل ما قامت به العناصر الإرهابية من جرائم خلال سيطرتهم على القرية، وطمأنتهم، وهو ما استعرضته خلية إدارة الأزمة.

لكننى توقفت عند حديث بعض الإعلاميين عن تأخر دخول قوات الاقتحام للقرية، هو حديث فى غير موضعه، فالإعلام وقت الحرب ليس مُخططا للعمليات لكنه ناقل للأحداث، كما أن دقة التوقيت والتنفيذ يحددها من يحمل على عاتقه مسئولية المهمة ونجاحها.

كما أن الإعلام عليه القيام بدوره فى التوقيت المناسب ووفق مهمته لبناء الوعي، لا تحديد توقيتات عمليات.

وتذكرت ما حدث فى الأول من يوليو 2015 كيف أن الإعلام ذهب دون أن يدري وراء سبق زائف ليسقط فى الفخ، ويروج الأكاذيب ولم يع أنه أثناء العمليات العسكرية تنقطع وسائل الاتصال داخل منطقة العمليات ونعتمد على المعلومات الصادرة عن الجهات الرسمية فقط والمعلومات الموثقة والدقيقة دون غيرها.