صالون الرأي
دولة قوية
By amrمايو 20, 2024, 12:56 م
571
سعيد صلاح
“قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ”، هذا قول النبى يوسف عليه السلام كما أخبرنا القرآن الكريم، أين كانت إذن خزائن الأرض؟.. لقد كانت فى مصر.. الدولة الأولى التى عرفتها البشرية، والدولة التى كانت – بلا أى مبالغة أو تهويل – تطعم كل البشر، فقد كانت مصر تنتج والعالم يستهلك ويأكل.
أما مؤخرًا فأصبحنا نستورد ما يقرب من 70% من غذائنا، ماذا حدث، وكيف يمكن أن نعود إلى ما كنا عليه؟.
تراثنا الفكرى يحفظ لنا عن الشيخ الشعراوي مقولة تراثية عالمية مبسطة بكلمات ولهجة مصرية تلخص حقيقة الوضع، وأهمية البذل والجهد والإنتاج لتحسين ذلك الواقع، وخلق مستقبل أفضل.. كان الشيخ الشعراوي يقول “لو اللقمة من فاسك.. هيبقى القرار من راسك”.. هذه الجملة ترادفها المقولة الشهيرة” من لا يملك قوته لا يملك حريته”، وهى التى بنى عليها الدكتور مصطفى مدبولي حديثه الشهير فى مؤتمر “حكاية وطن” وهو يتحدث عن نهج مصر فى مسار تحقيق الأمن الغذائى والخروج من هذه المعضلة القديمة الجديدة، فقد قال الدكتور مدبولى وقتها: يقال دائمًا إن الدولة التى لا تملك غذائها لا تملك قرارها، لذلك الدولة المصرية كان كل شغلها الشاغل أن تحقق الأمن الغذائى فى هذه الفترة.
والحقيقة أن الدولة المصرية بالفعل استطاعت أن تبذل جهودًا جبارة لتحقيق اكتفاء ذاتى فى دولة تزيد سنويًا بحوالى مليونى نسمة، وجهودها فى هذا المسار مكنتها من مواجهة أزمات عالمية، خارت أمامها أعتى الدول وأغناها، فقد استطاعت مصر التعامل مع أزمة ارتفاع الحبوب والسلع الغذائية بمشروعات استصلاح زراعى ضخمة لتحقيق الاكتفاء الذاتى، وهذا السعى والنهج بدأ منذ عام 2015 عندما بدأت الحكومة فى المرحلة الأولى من مشروعات الاستصلاح الزراعى عن طريق زيادة الرقعة الزراعية باستخدام مياه النيل والمياه الجوفية فى مناطق توشكى وشرق العوينات والريف المصرى، ثم المرحلة الثانية وهى المرحلة الأصعب، والتى اعتمدت فيها الدولة على معالجة مياه الصرف الزراعى ورفعها ضد الانحدار الطبيعى للأماكن المراد زراعتها، وهذا الكلام لم يكن كلاما مرسلا ولا أحلاما بلا تخطيط، فقد كانت هناك مخططات دقيقة وعلمية ومدروسة لكل خطوة قبل أن تخطوها الدولة، وقد استهدفت هذه المخططات زيادة الرقعة الزراعية بحوالى
4 ملايين فدان، وقد تم بالفعل الانتهاء من 1.7 مليون فدان وهناك 2.5 مليون فدان سيتم إضافتها للرقعة الزراعية، وهذا بخلاف 100 ألف فدان صوب، وما تم إنجازه من صوامع تمكنها من تخزين كميات هائلة لم نكن نحلم بتخزين نصفها.
شاهد الحديث بهذه التفاصيل والأرقام التى هى قليل من كثير جدًا، يأخذنا نحو الانتباه إلى حقيقة مهمة تعيشها الدولة المصرية ويجب أن نفخر بها جميعا، وهى أن مصر قررت واستطاعت بتوفيق منقطع النظير من الله، وإخلاص من قيادتنا، أن تؤمن بشكل كبير غذاءها وتقوى من جبهتها الداخلية إلى حد بعيد جدًا، فأصبحت سيدة قرارها، تمتلك كامل حريتها وإرادتها، بل وتفرض موقفها ورؤيتها فى كل الأحداث والقضايا الكبرى، وما يحدث فى أزمة غزة خير شاهد وأصدق وأوضح دليل، فمصر مستندة إلى داخل قوى متماسك، يجعلها تتخذ من القرارات والمواقف كيفما شاءت ، وتجبر الجميع على احترامها وتقديرها وعمل ألف حساب وحساب لها.
إن حفظ وحماية الأمن القومي المصري فى منطقة ملتهبة مثل منطقتنا، والحفاظ على الحدود وحمايتها، وفرض السيادة للقرار الوطنى ما كان ليحدث لولا أن مصر أصبحت دولة قوية، وهذا ما كان ليحدث لولا أننا نملك قوتنا ولدينا ما يحمينا من الوعي الوطنى الكامل لتقدير ذلك وحمايته والإصرار على الحفاظ على ذلك فى ظل كل التحديات الداخلية والخارجية.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله الوطن.