ليس جديدًا، الحديث عن حقوق الإنسان.. وأن يتخذ هذا الأمر ذريعة للتدخل في شئون بلدان العالم الثالث بشكل عام، ودول منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص.
وما أثارته المنظمة الأمريكية (هيومن رايتس ووتش) من أكاذيب وتم الرد عليها في بيان النيابة العامة، يدلل بما لا يدع مجالاً للشك على اللعب بتلك الورقة في إحداث عدم استقرار وتوتر بالمنطقة.
وما تحدث به الرئيس الفرنسي، خلال زيارته للقاهرة، مع الوفد الإعلامي المرافق له، كشف الأهداف الحقيقية من إثارة تلك القضية في هذا التوقيت بالذات.
فما هو الدافع وراء ذلك؟ وما هى مواد الميثاق العالمى لحقوق الإنسان المنتهكة بحسب مزاعم تلك المنظمات؟ وهل الترويج للأكاذيب والتضليل ليس لهما علاقة بانتهاك حقوق الإنسان؟
فى باريس وبالتحديد فى العاشر من ديسمبر عام 1948 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، اعتمد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بوصفه المعيار المشترك الذى ينبغى أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم.
تألف الإعلان من ديباجة و30 مادة شملت عددًا من الضوابط والالتزامات للحفاظ على الإنسانية.. ورغم أن الإعلان العالمى لم يتجاوز عمرة 71 عامًا إلا أن الدولة المصرية كانت قد سبقته بإعلان مهم للحفاظ على حقوق الإنسان قبل خمسة آلاف سنة (قانون ماعت) والذى يعد أقدم وأقوى إعلان لحقوق الإنسان منذ فجر التاريخ.
احتوى الإعلان المصرى على مبدأ حق الإنسان فى الحياة، ومبدأ المساواة بين الجميع، ومبدأ الحق فى الرعاية الصحية والتعليم والعمل.
مجموعة من الحقوق والمبادئ وضعها المصرى القديم فى أقدم إعلان لحقوق الإنسان، فظلت مصر وستظل تقدم للبشرية النموذج فى الحفاظ على الإنسانية.. فلم يخرج الإعلان العالمى عن المبادئ الخمسة المصرية.
ولم يكن القانون المصرى القديم هو الحامى للحقوق والحريات فقط، بل إن دستور 2013 حرص فى الباب الثالث على «الحقوق والحريات والواجبات العامة» من خلال 42 مادة أن يرسخ لحقوق الإنسان ويحميها ويحافظ عليها ويصونها صيانة تامة.
كما جاءت القوانين المصرية متممة للدستور، فالتزمت الدولة بالقانون رغم ما تواجهه من تحديات ومشكلات فى ظروف بالغة الدقة تعطيها الحق فى اتخاذ إجراءات خاصة.
إلا أن دولة 30 يونيو منذ البداية انتهجت منهجا واضحا ومحددا لم تحيد عنه منذ اللحظة الأولى.. وهو منهج احترام القانون والدستور مهما كلف الوطن من تضحيات.
ورغم تجاوزات الجماعات الإرهابية واعتدائها على الحقوق والحريات للمواطنين واستخدامهم العنف سبيلا لفرض إرادتهم على الشعب.. فقدمت القوات المسلحة والشرطة المدنية (سلطة حماية المواطن والوطن) آلاف الشهداء والتضحيات للحفاظ على القانون.
أبت دولة 30 يونيو أن تتجاوز القانون مع الإرهابى «عادل حبارة»، وأصرت على أن يحصل على محاكمة عادلة بها كافة درجات التقاضى التى ظلت 4 سنوات رغم اعترافه بجريمته (قتل 25 جنديًا شهداء مذبحة رفح، قتل عدد من عناصر الأمن، جلب الأسلحة والمشاركة فى الاعتداء على عدد من أقسام الشرطة، و15 قضية إرهابية أخرى) ورغم إصدار 4 أحكام بالإعدام ضده إلا أنها لم تنفذ إلا بعد أن أصبحت أحكامًا نهائية وفى حضور هيئة الدفاع الموكلة عنه.
ولم تكن قضية حبارة فقط هى الدليل على أن دولة القانون هى المنهج الذى اتخذته مصر رغم ما تكبدته من دماء وأرواح سقطت دفاعا عن الوطن.
ليس فى مصر محتجزًا واحدًا دون إجراء تقاضى سليم، وفى حضور هيئة دفاع له وبأدلة ثبوت واضحة واعترافات للمتهمين.
أما ما تتحدث عنه المنظمة الأمريكية وغيرها من وسائل الإعلام الغربى وبعض المسئولين الغربيين، ليست سوى محاولات لتزييف الواقع وخلق صورة مكذوبة، تم رسم خطوطها بأيادى التنظيمات الإرهابية ومعاونيها من قنوات خلقتها الدول الداعمة لتلك المنظمات.
إن مصر30 يونيو هى استكمال مسيرة شعب خلق حضارة وصنع قانونا سبق به العالم للحفاظ على الحريات والحقوق، وصان المبادئ والكرامة الإنسانية.
فعملت مصر خلال السنوات الخمس الماضية على زيادة حجم الرعاية الاجتماعية للفئات الأولى بالرعاية.. وعملت على توفير الحق فى الصحة فأطلقت أكبر مبادرة على مستوى العالم لعلاج الفيروس الكبدى c ووفرت الرعاية الصحية (القضاء على قوائم الانتظار) والآن تلاحق الأمراض غير السارية وتعالج المصابين.
تطبيق الحق فى الصحة والحياة الكريمة والتعليم يأتى طبقا للبند الأول من المادة 25 و26 من الميثاق العالمى لحقوق الإنسان والمادة 68 و69 من الدستور المصرى.
حرصت مصر على تطبيق حقوق الإنسان بشكل واقعى إلا أن الغرب لا يعرف حقوق الإنسان إلا بعين «عوراء» مقتصرًا على حرية «المدونين» ومع ذلك كانت مصر أكثر حرصًا على الالتزام بحرية التعبير، فلم يحبس صاحب رأى ولم يقصف قلم طالما أنه يلتزم بالقانون الذى ينظم الحياة بين أبناء المجتمع، لكن عندما يعتدى من يدعى أنه صاحب رأى على أمن وسلامة الوطن، ويحرّض على تدميره فلابد أن يحاسب وفق القانون وهو ما تقوم به مصر، خاصة أن البند الأول من المادة (29) من الميثاق العالمى لحقوق الإنسان تنص على كل فرد واجبات إزاء الجماعة التى فيها، أى أن الحرية المكفولة ليست حرية مطلقة وإنما حرية مسئولة تستلزم الحفاظ على المجتمع لا تفتيته، توجب المساهمة فى بناء الأوطان لا هدمها، وتؤكد على ضرورة الحفاظ على حرية الآخرين لا انتهاكها.
أما من يخالف ذلك فبالطبع يقع تحت طائلة القانون والدستور الذى ينظم العلاقة بين الأفراد.
إذًا لماذا يتم طرح تلك الورقة بين الحين والآخر؟
فى الحقيقة، إنها إحدى الأدوات التى يتم استخدامها للنفاذ لعناصر محددة داخل الدول بهدف تفكيك المنطقة وإشعال التوتر والقلاقل.
وإذا كان الغرب يتحدث عن حقوق الإنسان التى يطالبنا بها.. فأين هى حقوق الإنسان من الشرطة البريطانية عندما داس رجالها وجوه المتظاهرين بأحذيتهم أمام عدسات المصورين، وتحدث رئيس الوزراء البريطانى أمام البرلمان قائلا «عندما يمس الأمر الأمن القومى لبريطانيا فلا تحدثنى عن حقوق الإنسان».
أين كانت الحريات عندما داست الخيول بأقدامها العمال المتظاهرين فى السويد؟!.. غابت كما تغيب أشياء أخرى لا يراها الغرب فى أنفسهم.
حتى فرنسا، التى تتغنى بأنها قلعة الحريات، عندما انتهكت حقوق الإنسان فى تظاهرات العمال عام 2017 وظهر رجال الشرطة «يسحلون» أحد المواطنين أمام عدسات المصورين، ثم تكرر الأمر مع أصحاب السترات الصفراء وظهر فيديو لقناة «euro news» تقوم فيه الشرطة الفرنسية بضرب عدد من المتظاهرين بشكل وحشى فى أحد الشوارع الجانبية.. لم يتحدث الغرب عن انتهاك حقوق الإنسان.
وأين تلك الحقوق من مقتل 9 فرنسيين فى مظاهرات السترات الصفراء؟! ليس ذلك فقط.. فصورة «ألكسندر بينالا» مساعد مدير مكتب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون وأحد المقربين منه وهو ينهال ضربا على أحد المتظاهرين فى ذكرى عيد العمل، مازالت تبحث عن رد من قبل الرئيس ماكرون.
إن حقوق الإنسان التى يتحدث عنها الغرب لم تشر يوما إلى حقوق أسر الشهداء وضحايا الإرهاب فى الحفاظ على حياة ذويهم.. ولم تتحدث عن الدول التى خربت بعد تدخل الغرب فيها بدعوى حماية الحقوق والحريات (ليبيا، سوريا، العراق وغيرها).
إذا كانت حرية التعبير يكفلها الدستور والقانون.. فالحق فى الحياة أول مبادئ حقوق الإنسان الذى تكفله كافة المواثيق الدولية.. فهل يخبرنا الغرب كيف يكون التعامل مع من يحرض على القتل والتخريب والتدمير؟
مع العلم أن مصر أصرت أن تسلك الطريق الصعب فى تلك المرحلة.. وهو سيادة دولة القانون.
والآن دعونى أتساءل معكم.. أليس إيجاد وتوفير مسكن آمن وفرصة عمل، وعلاج مريض، وتعليم مواطن، وأمن مجتمع وبناء وطن والحفاظ على مقدراته.. مبادئ نص عليها ميثاق حقوق الإنسان ويجب التمسك بها.. وهو ما قامت به مصر.
إن حقوق الإنسان التى يتجاهلها الغرب أكبر بكثير مما يتحدث عنها. إنما هى ذرائع يحاول أن ينفث من خلالها سمومه بمعلومات غير دقيقة وأظن أن بيان النيابة العامة ردا على تقرير «هيومن رايتس واتش» أكبر دليل على زيف تلك التقارير.