رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

أكتوبر .. داخل مصنع 45 الحربي .. أبطال على خط الإنتاج

2793

 

متابعة : سعيد صلاح – عمر البدرى

تعد مصانع الإنتاج الحربي قلاع إنتاج قوية لما لها من تاريخ عريق وشريك فاعل فى معظم المشروعات القومية حيث تشارك بكل قوتها في هذه المشروعات. فكان لزامًا علينا أن نزور هذه القلاع التي اخترنا منها قلعة صناعية عملاقة أنشئت في حلوان وتحديدًا في منطقة ” المعصرة ” عام 1954 علي مساحة 100 فدان وهي مصنع 45 الحربي أو شركة المعصرة للصناعات الهندسية.

 

فبعد أن كانت مهمة هذه القلعة إنتاج الصناعات العسكرية مثل الذخائر المتوسطة وطبات الأعيرة الثقيلة للجيش إلا أن عوامل التطور والزحف العمراني دفعته لأن يقتصر إنتاجه على الصناعات المدنية كعدادات المياه والكهرباء ومسامير فلنكات السكة الحديد .

” أكتوبر ” تجولت في كافة خطوط إنتاج هذه القلعة الصناعية العملاقة ورافقنا في الجولة المهندس رفيق محمود مصطفى، نائب رئيس مجلس الإدارة، وما أن وطأت أقدامنا المحطة الأولي في هذه الجولة وبعد أن رأت أعيننا بعض المكينات التى لم يتوقف عن العمل منذ عام 1954 جالت في خواطرنا أغنية “يا حلاوة الإيد الشغالة ورونا الهمة يا رجالة .. المكن داير من شوقه بيقول أحلى قواله.. ياحلاوة الإيد الشغالة.. قسم يا مكن قول سمعنا كلامك حلو وله معنى … يا ولاد بلدنا من جنوبها لشرقها.. يا مشمرين عن السواعد كلها.. النور حضن بلادنا وضمّها.. والشمس هلّت بالأمل عالشقيانين.. يسعد صباحكم كلكم يا شغالين”..
عداد الكهرباء الذكي

البداية، كانت من خط تجميع وإنتاج العدادات الكهربائية الذكية ومدفوعة الأجر مسبقا بمختلف أنواعها سواء آحادية أو ثلاثية . شرح لنا المهندس رفيق خطوات مراحل تجميع وإنتاج العدادات الكهربائية التي تبدأ أولي خطواتها بوصول المواد الخام من المخازن بعد خضوعها لاختبارات الجودة والتأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية الدولية ثم يبدأ جهاز الطباعة في طبع البيانات الأساسية للعداد علي الهيكل الرئيسي مثل رقم العداد واسم الشركة المنفذة ثم يمر إلى مرحلة ثانية وهي تجميع المكونات والتي تتم بالاعتماد علي 40% من المنتج المحلي الصنع لتبدأ المرحلة الثالثة وهي تركيب البطارية والتي تعمل بشكل أوتوماتيكي في حالة انقطاع التيار الكهربائي حتى تحفظ بيانات الاستخدام بعد أن يمر العداد الكهربائي من مرحلة تركيب البطارية ومنها لمرحلة أخرى مهمة وهي نقطة مراقبة الجودة للتأكد من صحة الخطوات الأولى السابقة ومطابقة البيانات.

ثم يدخل العداد إلى مرحلة أخرى وهي تثبيت “السوفت وير” التابع للشركة المصنعة وتستغرق تلك المرحلة ثلاث دقائق من خلال توصيل العداد بجهاز الكمبيوتر ثم يمر العداد إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة الاختبار عن طريق تغذية العداد الكهربي بأحمال كهربائية مختلفة للتأكد من جاهزيته للتعامل مع كافة أنواع التيارات الكهربائية سواء كانت مرتفعة أو منخفضة ويتم الاختبار من خلال معامل معتمدة طبقا لأحدث المواصفات العالمية.
ثم انتقلنا إلى مرحلة الاختبار الأخير والذي تتم فيها أخذ عينات عشوائية من العدادات وعند التأكد من عملها بشكل تام يتم إرسالها إلي المرحلة الأخيرة والنهائية وهي الترصيص والتغليف.

وبعد أن انتهينا من الاطلاع على خطوات تجميع العداد الذكي، اصطحبنا المهندس رفيق محمود مصطفى، نائب رئيس مجلس الإدارة، إلى غرفة في آخر الصالة يقسم فيها العمل إلى صفين على اليسار يبدأ الصف الأول في عملية ” الترصيص” وتهدف هذه الخطوة لتأمين العداد ضد أي محاولة للتلاعب أو سرقة التيار الكهربائي وفي حالة قيام العميل بمحاولة فك الغطاء الخارجي أو تغيير الخطوط يرسل العداد إشارة إلى الشبكة الرئيسية يشير إلي وجود تلاعب بالعداد فتتم معرفة الرقم الكودي للعداد الذي يقوم بسرقة التيار الكهربائي ويتم قطع التيار عنه وتحرير محضر بسرقة الكهرباء، وأوضح المهندس رفيق أن ذلك يعد تطبيقا عمليا ناجحا للتصدي لظاهرة سرقة التيار الكهربائي . وعلي اليمين تتم مرحلة التغليف الأخيرة من خلال وضع العداد داخل كارتونة خاصة به ليصبح جاهزا للبيع .
عدادات المياه


واصطحبنا المهندس رفيق إلى قطاع آخر وهو خط إنتاج عدادات المياه بأنواعها المختلفة سواء الميكانيكي أو مسبوق الدفع بتكنولوجيا متقدمة وجودة عالية من طراز ” mtr- kn ” .

وأوضح المهندس رفيق أن هذا النوع من العدادات يتميز بأنه محمي تماما ضد الرواسب والأتربة والأجزاء التي تمر بها المياه وتتحمل الضغط العالي وغير قابلة للتآكل وغير سامة ويتحمل درجة حرارة تصل إلي 50 درجة مئوية .. في البداية توقفنا أمام صالة تجميع واختبار أجزاء العداد حيث يتم تركيب قلب العداد ومنظم المعايرة كل ذلك يتم بأياد ماهرة تم تدريبها لهذا الغرض ثم يتم وضع المنظم والقلب داخل جسم العداد ويتم التأكد من وضعها بشكل صحيح .ثم تبدأ مرحلة أخري وهي اختبار المسامية وهي المرحلة التي يتم فيها اختبار صلاحية الجسم لمنع تسريب المياه. ويمر العداد بمرحلة الجودة ثم تبدأ مرحلة وضع الكود الرقمي علي العداد وأوضح المهندس رفيق أن عدادات المياه تتنوع ما بين ¾ بوصة وربع ونصف بوصة وهي للاستخدامات المنزلية .
مسامير السكة الحديد

بعد انتهاء جولتنا داخل قطاع العدادات، اصطحبنا المهندس رفيق محمود، نائب رئيس مجلس الإدارة، إلى قطاع آخر وهو خط إنتاج مهمات الرباط لإنتاج المسامير والصواميل الخاصة بالسكة الحديد. وأوضح المهندس رفيق أن هذا المصنع تم إنشاؤه في عام 1967 كأول مصنع في الشرق الأوسط لصناعة المسامير ومر بمراحل تحديث وتطوير حتي وصل إلي إنتاج المسمارskأوfosloبعد اجتيازه اختبارات المواصفات العالمية.

وأضاف المهندس رفيق أن العمل داخل المصنع يبدأ في السابعة صباحا وينتهي في الثالثة عصرا وأحيانا يمتد إلي العاشرة مساء في حالة وجود طلبات لابد من الانتهاء منها وأشار إلي أن المصنع ينتج 5 آلاف مسمار يوميا بنظام الإنتاج الساخن و3 أطنان بنظام الإنتاج البارد.
وأشار المهندس رفيق إلي وجود خطة تطوير لمصنع إنتاج المسامير بمواصفات وأساليب فنية تقلل الوقت والجهد مؤكدا أن هذه الخطة الهدف منها مواكبة التطور ومنافسة الأسواق العالمية خاصة وأن مصر لها سمعة عالمية في هذه الصناعة تحديدا.

مكامير الفحم
ثم توجهنا بعد ذلك إلي قطاع تصنيع مكامير الفحم، حيث أوضح المهندس رفيق أن المصنع استجاب لمبادرة وزارة البيئة علي أهمية الحفاظ على الهواء النقى والحد من التلوث الناجم عن انبعاث مكامير حرق الفحم البلدي وبالتالى اتجه المصنع إلي إنتاج مكامير لحرق الفحم تتناسب مع المواصفات العالمية تتميز بسيطرتها علي الانبعاثات التي تخرج عنها من خلال مواسير تقوم بتنقية هذه الانبعاثات وبخار المياه الناتج عن احتراق الأخشاب وتصاعد الماء منه ليتحول إلي طاقة مرة أخرى يمكن الاستفادة منها وأوضح أنها تحول 3 أطنان أخشاب إلى طن فحم يكون صالحا للتصدير الخارجي وليس فقط للاستهلاك المحلي.
أفران المنتجات الفخارية

أخيرا وصلنا إلى آخر محطات الجولة داخل هذا الصرح العملاق حيث مجمع إنتاج المحارق والأفران ويتم فيها إنتاج 152 فرن خزف سنوياً بموجب بروتوكول التعاون بين وزارة الإنتاج الحربي ومحافظة القاهرة حيث يقوم المصنع بإنتاج أفران تسوية المواد والمنتجات الفخارية وتم تصنيع 155 فرناً في إطار التعاقد الأول لمنطقة الفواخرية بالفسطاط وأكد المهندس رفيق أن الإمكانيات الموجودة بالمصنع تجعله ينتج أفرانا بجودة عالية ومتميزة محل ثقة الجميع.
موفر المياه الذكي

المهندس رفيق محمود رفض أن ينهي جولتنا دون أن يطلعنا على أحدث المنتجات الوليدة بالشركة وهو الموفر الذكي للمياه وهي قطعة تستخدم لتوفير المياه يتم تركيبها على كل مخارج المياه في المنزل دون أي تغيير علي الحنفيات الموجودة، مشيرا إلى أن هذا المنتج صمم بأشكال وأحجام مختلفة لتتلائم مع كافة الأدوات الصحية المركبة في المنازل والمدارس والجامعات بهدف توفير استخدام المياه بنسبة تصل إلى 75٪ بتقليل كمية الماء المتدفقة وإعطاء نفس قوة الضغط دون أي تقليل لقوة المياه. وأوضح أن موفر المياه أو “مرشد المياه ” يعمل على ضخ المياه بالحنفية بواقع 3 لترات في الدقيقة مهما كان ضخ المياه قويا أو ضعيفاً بخلاف الضخ الطبيعي الذي يقدر ما بين 14-16 لتر مياه في الدقيقة مما يعني أن استخدام مرشد المياه يوفر ثلاثة أرباع الكمية المستهلكة. وعن سر التوفير في هذه القطعة أشار المهندس رفيق إلى وجود حلقة برتقالية تضيق وتتسع وفقا لحجم ضغط ضخ المياه حيث تجعل الكمية التي يتم ضخها لا تزيد علي 3 لترات بالدقيقة والجزء الداخلي هو صناعة ألمانية ويقوم المصنع بإنتاج الأجزاء الأخرى.

عمال الأفران :
نعمل في الحديد والنار من أجل مصر

الحياة داخل خط إنتاج المسامير بمصنع 45 الحربي لها شكل تاني حيث لا يعرف من يعمل فيها سوى النار والحديد رجال صامدون لا يكلون ولا يملون ولا يعرفون التعب يواجهون حرارة النار الملتهبة منذ 51 عاما هدفهم الوحيد إنجاز مهامهم هؤلاء هم كتيبة خط إنتاج المسامير أو كما يطلق عليها البعض “مهمات الرباط ” وهي المسامير المستخدمة في ربط فلنكات السكك الحديدية.
وتتم عملية الإنتاج بدخول المنتج الخام والتأكد من مطابقته للمواصفات القياسية ثم مرحلة التشكيل المبدئي من خلال وضع المادة الخام في الفرن تصل درجة حرارته إلي 650 درجة مئوية بأقطار مختلفة تبدأ من 2 ملي وحتي 500 ملي ثم تبدأ مرحلة أخري وهي شطف وقص الزوائد من مقدمة المسمار.
دفعني قوة تحمل العمال وهم يعملون في هذه الأجواء أن أقترب وأقف حيث يقفون عم حسن جمعة، عامل فرن، يقول: أنا هنا منذ 32 عاما لم أكل أو أمل يوما، وأضاف: أعمل في اليوم 4 ساعات ونصف ويوجد بينهما ساعتان راحة عم حسن أكد أنه اعتاد على العمل أمام الفرن وأصبح بينهما عشرة عمر علي حد تعبيره، مضيفا أن الإدارة توفر لهم كافة سبل الراحة والرعاية وأنهم يقومون بطلاء الجدران كلما تأثرت بأدخنة الأفران مشيرا إلى أن ذلك كله يبعث فيهم حب العمل وحرصهم علي زيادة الإنتاج والإتقان في جودة المنتج . اقتربت أيضا من عادل عبد الحميد 55 عاما الذي يعمل علي أحد الأفران أكد أن هذا المكان يعد جنته التي اعتاد أن ينعم في خيرها مشيرا إلى أنه اعتاد وزملاؤه على العمل تحت الحرارة المرتفعة التي تصل إلى 650 درجة مئوية في الأفران وألسنة نيران الأفران من أجل العمل علي الإنتاج وأضاف عم عادل أنه أعتاد أن يأتي في الصباح تحديدا 5 صباحا لأشعل نيران الأفران بنفسي وعلق قائلا ” أصل أنا بعمل كل حاجة في هذا الخط وهذا نابع من حبي للعمل في هذا القسم، عم عادل أكد أنه يعمل في موقعه هذا منذ 35 عاما وتحديدا من عام 84 وأصبح بينه وبين خط انتاج المسامير علي الساخن يوميات وذكريات جميعها تسطر بأحرف من نور، قصة منتج مصري تفخر به مصر عالميا وأنهي عم عادل حديثه معنا قائلا: “تحيا مصر ويحيا العمل ويحيا الإنتاج”.