رئيس التحرير
انزل شارك.. شعب عظيم ووطن يستحق
By amrمارس 28, 2018, 15:06 م
2343
للشعوب خريطة سيكولوجية ترسم ملامح محددة لهم تجعل مراكز البحث والدراسة قادرة على قراءة ما يمكن أن تقوم به تلك الشعوب، وتتعرف على ردود أفعالها، ومواقفها من القضايا المختلفة، ولأن الشعب المصري له طبيعة خاصة ومحدد ومرتكز لا يتغير خاصة في مواقف معينة، إلا أن مراكز البحث والدراسات الاجتماعية مازالت غير قادرة على قراءة المشهد المصري أو التوقع الصحيح لرد فعل المصريين، لأن العديد من الدراسات والنظريات الاجتماعية لم تضع الوطن كأحد المحددات المهمة في الدراسة، وهذا هو سر عدم قدرة تلك المراكز على قراءة المشهد المصرى. ففي الوقت الذي اعتقدت مراكز الأبحاث الأمريكية والبريطانية أن المصريين سوف يستكينون لنظام حكم الإخوان، خاصة بعد أن استطاعت الجماعة الإرهابية أن تنشر عناصرها وكوادرها في بعض الوزارات والهيئات المختلفة بهدف السيطرة على مفاصل الدولة.. كان رد فعل المصريين أكثر قوة على تلك الدراسات بخروجهم يومي 30 يونيو 2013 و3 يوليو من نفس العام.
وخرج المصريون للحفاظ على الوطن فى مواجهة الحكم الفاشى ويثبتون للعالم أنهم صناع مستقبلهم ولا يملك أحد غيرهم ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.
بعد 48 ساعة من الآن سيكون هناك 59 مليونا و78 ألفا و138 ناخبا أمام تحد عظيم فى تاريخ الدولة المصرية، وأمام مهمة وطنية ينظر إليها العالم من خلال حجم المشاركة فى الانتخابات الرئاسية، ليقفوا أمام 13 ألفا و706 لجان فرعية على مستوى الجمهورية خلال 3 أيام، بإشراف 18 ألف قاض، ليثبتوا للعالم أن المصريين يلتفون حول وطنهم.
قديما وحسب ما روى فى الأثر أن الحجاج بن يوسف الثقفى وصف المصريين بين من كان يصفهم من الشعوب لطارق بن عمرو، فقال: لو ولاك أمير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل، فهم قتلة الظلمة وهادمو الأمم وما أتى عليهم قادم بخير إلا التقموه كما تلتقم الأم رضيعها، وما أتى عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب، وهم أهل قوة وصبر وجلد وحمل، ولا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه، فاتق غضبهم ولا تشعل ناراً لا يطفئها إلا خالقهم، فانتصر بهم فهم خير أجناد الأرض واتق فيهم ثلاثًا:
1 – نساءهم فلا تقرب لهم بسوء وإلا أكلوك كما تأكل الأسود فرائسها.
2 – أرضهم وإلا حاربتك صخور جبالهم.
3 – دينهم وإلا أحرقوا عليك دنياك.
وهم صخرة فى جبل كبرياء الله تتحطم عليها أحلام أعدائهم وأعداء الله، هنا انتهى وصف الحجاج بن يوسف للشعب المصرى، ومع كلماته القليلة إلا أنها حملت الكثير من الدلالات والقراءة الحصيفة لطبيعة الشعب المصرى.
لقد صدق فى المصريين وصف الحجاج فهم صناع المعجزات، وحافظو الأوطان ودعاة السلام، وبناة الحضارة، ومؤسسو النظام والدول.
فى الوقت الذى حاولت فيه أبواق الإرهابية تشويه الصورة، لكى تضلل المصريين، وتبعدهم عن وصول رسالتهم للعالم، بأنهم هم من يختارون مستقبلهم بأنفسهم.. عولت الجماعة على قدرتها فى الخارج، وكانت مفاجأة المصريين التى أبهرت العالم، وقلبت موازين المعادلة وأصابت قنوات الإرهاب بالشلل التام، الأمر الذى جعل قناة «الحظيرة» لا تذكر خبرًا واحدًا عن الانتخابات الرئاسية المصرية، ولكنها أغلقت مكاتبها فى جميع البلدان، أو قد صمت آذان مراسليها عن سماع هتافات الناخبين المصريين، وترديدهم للأغانى الوطنية فى الشوارع وكأن نشيد الصاعقة الذى بات نشيدًا للمصريين لم يحمله الأثير الى آذانهم. وكأن طوابير الناخبين التى امتدت لأكثر من كيلو متر لم تبصرها أعينهم على مدى ثلاثة أيام.
سطر المصريون فى الخارج ملحمة وطنية بكل المقاييس، أثبتوا للعالم أن قرار المصريين ينبع من ثوابت محددة أساسها الحفاظ على وطنهم ومقدراته.
يلتفون حول الوطن بقوة.. لا يفرطون فيه حتى وإن كانوا يعانون من بعض المشكلات (ارتفاع الأسعار أو ضعف بعض الخدمات) لأنهم يقدسون الوطن.
لأن السنوات الأربعة الماضية كانت سنوات بناء استهدفت البنية الأساسية، ووضع الدولة المصرية على الطريق الصحيح فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومرحلة استعادة الدولة التى كانت قد ترهلت، فاستعادت عافيتها ومكانتها، وتحولت بعض القطاعات التى تعانى من المشكلات والعجز (الكهرباء، البنزين، البوتاجاز، السولار) إلى حالة من الوفرة، فقد كان حجم إنتاج مصر من الكهرباء 24 ميجاوات عام 2013 وحجم الاستهلاك 28 ميجاوات بحجم عجز بلغ 4 ميجاوات، والآن بلغ حجم إنتاج الكهرباء 33 ميجاوات ومن المقرر أن يصل نهاية العام الجارى إلى 51 ميجاوات بفائض يصل 23 ميجاوات أى ضعف حجم إنتاج 2013، وكذا المواد البترولية بعد أن دخل حقل ظهر الخدمة وتقترب مصر من الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى نهاية العام ويصبح لديها فائض للتصدير العام القادم، بالإضافة إلى أكبر شبكة للطرق بلغت 7 آلاف كيلو متر لتصل إلى أكثر من ضعف حجم الشبكة التى أنشئت على مدار 40 عامًا، وكذا عدد المدارس والمستشفيات ومشروعات التنمية الزراعية (المليون ونصف المليون فدان).
كل ما سبق كان لتثبيت أركان الدولة المصرية وعلى رأسها القضاء على الإرهاب وهو الوعد الذى اتخذته القوات المسلحة والشرطة على أنفسهم لاستعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع مصر والحفاظ على حدود الدولة ومقدراتها وأمنها القومى مهما كلفهم من تضحيات، وارتضى أبناء القوات المسلحة والشرطة أن يتلقوا فى صدورهم رصاصات الغدر من قبل جماعة إرهابية لا تعرف سوى الغدر والخسة والخراب والدمار، لكى يأمن هذا الوطن ومواطنوه، إنها عقيدة لا تتغير وإيمان لا يتزعزع بالوطن.
إن التضحيات التى يقدمها رجال القوات المسلحة والشرطة من أجل تثبيت أركان الدولة وتطهير الأرض من دنس الإرهاب والتصدى للمؤامرات لهى ملحمة بطولية سيسطرها التاريخ بأحرف من نور، ولأن الشعب المصرى شعب لا يعرف الخيانة ولا الخديعة، يدرك قيمة الوفاء والواجب وأهمية الحفاظ على الوطن، فكانت طوابير الناخبين المصريين فى الخارج هى مؤشر مهم على أن المصريين لا يفرطون فى وطنهم أبدًا.
إن نجاح المصريين فى التحدى الأول دليل على أنهم قادرون على مواصلة التحدى، وأن كافة المؤامرات التى تستهدف الوطن تتكسر دائمًا على إرادة المصريين التى لا تعرف سوى العزة والفخر.
إن المصريين دائمًا ما يقدمون للعالم نموذجا يضرب به المثل، فهم من حطموا نظرية الجيش الذى لا يقهر، وهم من لم تؤثر فيهم ثقافة الإمبراطورية التى كانت لا تغيب عنها الشمس وظل المصريون يحتفظون بثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم وموروثهم الشعبى الثرى، كما حطموا العديد من النظريات وأعادوا صياغتها من جديد، إننى على ثقة أن المصريين سينتصرون لإرادتهم ولوطنهم ولن يتخلوا يوما عن الوفاء لدماء الشهداء فإن كان الأبطال قد ضحوا بدمائهم وأرواحهم فداء للوطن فسيخرج المصريون خلال أيام 26 و27 و28 مارس الجارى ليوجهوا رسالة إلى العالم أنهم يرسمون مستقبل وطنهم بإرادتهم.
كلمتى الأخيرة لك عزيزى القارئ «صوتك ليس مجرد ورقة.. لكنه رسالة إلى العالم ولبنة فى بناء وطن، فأحسن الاختيار وكن وفيا للشهداء وليكن هذا اليوم عرسا للوفاء للشهداء والوطن».
أوراق الذهب
الشهيد محمد عبده
ستظل شجرة الوطن وافرة الظلال طالما أن الشعب المصرى ما زال مرابضا على أرضه، تتوارث الأجيال جينات البطولة والفداء من الآباء والأجداد ويظل المصريون جيلا بعد جيل يرسمون على وجه الوطن نخيلا ونيلا وشعبا أصيلًا.
ونقف فى تلك الزاوية لنروى بعض قصص البطولة لرجال لا يعرفون عن حب الوطن والتضحية من أجله بديلًا.
كان يتمنى أن ينضم إلى صفوف القوات المسلحة، وعقب حصوله على الثانوية العامة حرص على سحب أوراق الالتحاق بالكلية الحربية اجتاز كافة الاختبارات لينضم إلى صفوف الأبطال فى مصنع الرجال إنه الشهيد النقيب البطل محمد أحمد عبده، تخرج فى الكلية الحربية لينتقل إلى الميدان عقب عودته من الكونغو، حيث كان ضمن قوات حفظ السلام بعد أن قضى 9 أشهر هناك، وطلب أن يخدم فى سيناء، استجيب لطلبه، وانتقل إلى سيناء خدم بها ثلاثة أشهر حتى استشهاده، وقبل استشهاده فى حوار له مع أحد زملائه قال إنه موجود فى الشيخ زويد، وعلى درجة عالية من اليقظة، وذكر لزميله مصطفى نبيل أنه سوف يفطر معه يوما خلال الإجازة، ثم كتب البطل على صفحته على الفيس بوك «صاحى أحسن ما يغفلونى وأنا نايم» وفى يوم 1 يوليو 2015 استهدفت مجموعة من العناصر الإرهابية عددًا من الكمائن فى توقيت متزامن وخلال الاشتباكات التى استشهد خلالها النقيب محمد عبده قتل 39 إرهابيا ودمرت 3 عربات دفع رباعى كانت إحداها تحمل مدفعًا مضادًا للطائرات.
كانت آخر كلمات الشهيد لأمه قبل استشهاده خلال اتصال هاتفى «نفسى أموت شهيد وادعيلى.. أنا نازل إجازة اليوم».
لينال الشهادة التى تمناها وهو صائم.
تحية له ولشهداء هذا الوطن الذين ضحوا بأرواحهم فداء له.