https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

المعركة التي تأخرت 20 عامًا (2)

1721

الإثنين الماضي وخلال المؤتمر الصحفي المشترك بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الياباني، «شينزو آبي» قال ترامب: «إن الشعب الإيراني شعب عظيم، ولن نسعى إلى تغيير النظام، وسنبرم اتفاقًا مع طهران، فإيران يمكن أن تكون دولة عظمى مع نفس القيادة». جاءت التصريحات الأمريكية في الوقت الذي كانت بوارج الأسطول الخامس تستعد لاستقبال حاملة الطائرات «أبراهام لنكولن» المقتربة من مضيق هرمز لدخول الخليج العربي.

ذكرت القيادة المركزية الأمريكية في بيان لها: إن الهدف من إرسال حاملة الطائرات الأمريكية «أبراهام لنكولن» والقوة الضاربة المرافقة لها، إضافة إلى وجود قاذفات «بي 52» الأمريكية في قاعدة العديد في قطر، هو حماية المصالح الأمريكية ومصالح حلفاء أمريكا في المنطقة.

لم تخرج التصريحات الأمريكية عن سياق المباراة الحربية التى رسم محاورها وزير الدفاع الأمريكى الأسبق (كاسبر واينبرجر) فى كتابه «الحرب التالية الأمريكية» وحدد لها عام 1999.

عرضتُ فى الحلقة الماضية السيناريو الأول للمعركة، وبحسب «كاسبر» فإن تسارع الأحداث فى الخليج العربى قد يوحى للبعض أن الحرب قادمة لا محالة، والولايات المتحدة سيكون لها دور فيها ولكن بعد فترة.

انتهى السيناريو الأول على تأكيد الرئيس الأمريكى على عدم تعرض أى منشآت أمريكية أو أفراد أمريكيين فى

للاعتداءات من جانب طهران، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

يواصل وزير الدفاع الأمريكى الأسبق واينبرجر بقية مراحل المباراة الحربية على النحو الآتى:

يعقد الرئيس الإيرانى اجتماعًا عاجلًا لمجلس الدفاع الوطنى، يقول فيه: «لا بد أن نسيطر على نفط الخليج العربى، ويمكننا أن نكون سادة الخليج، يجب أن نكون مستعدين للعمل خلال ثلاثة أيام».

كان التوجيه الاستراتيجى الذى تم خلال الاجتماع  وفق سيناريو واينبرجر للمعركة بمثابة سيناريو المرحلة الثانية من المباراة الحربية.

طلبت إيران من الولايات المتحدة مغادرة الخليج العربى.

وجه قائد الحرس الثورى الإيرانى بضرورة إخضاع الفرقة الثانية والرابعة لتدريبات مكثَّفة وأن تكون جاهزة للانتقال بحرًا بمجرد تلقى الأوامر وفق الخطة الموضوعة لها (أنهت إيران مناورات استمرت 3 أيام فى مياه الخليج الشهر قبل الماضى، وذلك باختبار صواريخ كروز مضادة للسفن أطلقتها للمرة الأولى من (غواصات) إلى الساحل الغربى للخليج.

 

بدأت عناصر الحرس الثورى المسئولة عن العمل السياسى داخل دول المنطقة فى التحرك مستغلة بعض الأزمات لإحداث ثورات واضطرابات تؤثر على أمن دول الخليج وصرف الانتباه عما يدور خارج حدودها، بينما تستعد القوات الإيرانية لعمل عسكرى يستهدف إغلاق مضيق هرمز، كما هددت من قبل.

بمجرد الإعلان عن التحركات الإيرانية وحالة التوتر فى الخليج العربى، يشتعل سوق النفط العالمى وتتضاعف الأسعار ثلاث أضعاف.

تتحرك القطع البحرية الإيرانية باتجاه الساحل الغربى للخليج (تحتل البحرية الإيرانية المرتبة الرابعة على مستوى العالم فى الوقت الذى تحتل البحرية لدى دول الخليج العربى مرتبة متأخرة فى موقع التصنيف العسكرى Global Fire Power.

تبدأ القوات الجوية السعودية التحرك لمواجهة التحركات الإيرانية والتصدى لأى اختراق لمياهها الإقليمية، تحتل القوات الجوية السعودية المرتبة الثانية عشرة  عالميًا وتأتى إيران فى المرتبة 24 فى تصنيف Global Fire Power.

بحلول ظهر يوم 13 يونيو – على حسب السيناريو المحدد له عام 1999 – ترتفع مرة أخرى أسعار النفط العالمية وينخفض مؤشر بورصة نيويورك 1000 نقطة ومؤشر NIKKEI فى اليابان 15%، كما تتعرض بورصتا لندن وفرانكفورت للانخفاض.

فى 20 يونيو حسب تاريخ المباراة الحربية والسيناريو المرسوم لها، تبدأ إيران أول محاولة لعملية إبرار على الشاطئ الغربى للخليج، ولكنها تتكبد خسائر بشرية فى قوات الحرس الثورى والفرقة الرابعة حيث يُصاب أكثر من 2100 إيرانى وتتعرض خمس طائرات «ميج» إيرانية للسقوط.

بحسب سيناريو المعركة المرسوم تتحرك السفن الأمريكية إلى خارج الخليج العربى للتمركز فى قاعدة «دييجو جارسيا» بالمحيط الهندى (القاعدة السرية للولايات المتحدة وموطنًا لأكثر من 1000 جندى وموظف أمريكى، وقد استخدمتها البحرية الأمريكية والقوات الجوية الأمريكية وحتى وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» من قبل، وكان المدرج الهائل بالجزيرة موقعًا مخصصًا للهبوط فى حالات الطوارئ لمكوك الفضاء، من هذه القاعدة، تم غزو العراق مرتين، وكانت بمثابة نقطة إنزال حيوية للقاذفات التى تعبر قارة آسيا، بما فى ذلك على بحر الصين الجنوبى)، إلا أن إيران تواصل تحريك قطعها البحرية فى الخليج، وترفع درجة الاستعداد القصوى فى قواعدها بجزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى.

عندها يعلن مدير الفيفاك (المخابرات الإيرانية) أن بلاده قادرة على إغلاق مضيق هرمز، والذى يعد النقطة الحاكمة لعبور40% من النفط العالمى المنقول بحرًا (يبلغ عرض الممر المائى للمضيق 29 ميلًا ومتوسط عمق 229 قدمًا).

يواصل وزير الدفاع الأمريكى عرض السيناريو عبر صفحات  كتابه قائلًا: فى 22 يونيو يطلق قارب هجوم مسلح تابع للحرس الثورى نيرانه باتجاه ناقلة بترول كويتية ويجبرها على التوقف وأن تدفع الكويت رسومًا للعبور عبر مضيق هرمز بعد أن أعلنت إيران أنه ليس ممرًا دوليًا وإنما جزء من مياهها الإقليمية.

يطلب الرئيس الإيرانى من وزير الدفاع إعداد خطة لعرضها على مجلس الدفاع الوطنى تحمل عنوان «غلق المضيق» وتتضمن الخطة الاستيلاء على ناقلة نفط كويتية وفرض رسوم مرور عليها، وتحريك المدمرات وسفن الهجوم الصغيرة؛ تحظى الخطة بموافقة المجلس ويبدأ التنفيذ.

بمجرد أن تبدأ الأزمة يطلب الرئيس الأمريكى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن القومى لدراسة الموقف، وتبدأ وكالة المخابرات العسكرية والمخابرات المركزية (CIA) بالتعاون مع مجلس الأمن القومى (NCS) العمل على كشف معلومات حول برنامج إيران الصاروخى، كما تتعاون الإدارة الأمريكية مع الموساد الإسرائيلى فى هذا المجال.

وفق السيناريو المرسوم للمعركة، يعلن وزير الخارجية الأمريكى السعى للحصول على قرار من مجلس الأمن ضد التصرفات الإيرانية.

انتهى الرأى داخل الإدارة الأمريكية على أهمية الحصول على معلومات أكثر دقة عن طهران قبل الدخول فى عمل عسكرى .

مع استمرار التصعيد الإيرانى تفشل الولايات المتحدة الأمريكية فى كبح جماح الأعمال العدوانية الإيرانية، ورغم نجاح واشنطن بحسب المباراة الحربية فى  الحصول على قرار من مجلس الأمن فى الأول من يوليو يدين إيران ويتهمها بالقرصنة.

فى الوقت ذاته تواصل قوات الحرس الثورى أعمال القرصنة على السفن التى تعبر مضيق هرمز.

فى 12 يوليو تطلق مدمرة فرنسية النار على لنش إيرانى مسلح فى الخليج مما يتسبب فى مقتل 12 إيرانيًا وتعلن فرنسا أن الحادث كان دفاعًا عن النفس.

لم تقتنع إيران برد فرنسا، وبعد يومين من الحادث تطلق فرنسا النيران على ناقلة بترول فرنسية وتستولى عليها وتحبس القبطان الفرنسى ليشتعل سوق النفط العالمى وتتضاعف أسعار النفط.

مع تفاقم الأوضاع فى الخليج يضع البنتاجون خطط طوارئ لتدمير المواقع النووية الإيرانية، ويعرضها على الرئيس الأمريكى، يتم تحويل الأقمار الصناعية الأمريكية إلى المنطقة لتوفير تغطية أكثر دقة.

فى أواخر يوم 14 يوليو تتسلل غواصة أمريكية عبر مضيق هرمز رغم صعوبة الوضع، وما أن تنجح فى العبور حتى تتبعها غواصتان أخريان.

فى الوقت ذاته تهبط مجموعة من الطائرات الأمريكية فى عدة مطارات تركية (F 117 , F15 , F16 , A10 , B2) ويتم  تزويد الطائرات بالوقود والتسليح ويتسلم الطيارون قائمة المهام؛ (تستخدم القوات الجوية الأمريكية حاليًا والتركية قاعدة «إنجرليك» فى إطار اتفاقية التعاون العسكرى والاقتصادى بين الدولتين، كما يوجد بالكويت أكبر عدد من الجنود الأمريكيين فى الخليج حيث يتجاوز 16 ألف جندى، يتمركزون فى قاعدتين، هما معسكر «الدوحة» شمال غرب مدينة الكويت، على بعد 60 كم من الحدود مع العراق وقاعدة «على السالم» الجوية وتضم الفرقة الجوية رقم 386 إضافةً إلى معسكر «عريفجان» ومعسكر التدريب فرجينيا).

يعتمد الرئيس الأمريكى الخطة مبديًا رغبته فى إشراك السعودية فى العملية إلا أن سرية العملية تحول دون ذلك.

قبل الضربة الجوية بساعتين يتصل وزير الدفاع الأمريكى بنظيره السعودى يبلغه أن هناك ضربة ستتم خلال ساعتين ليستعد الطيارون السعوديون ورفع درجة الجهازية.

يطلب وزير الدفاع الأمريكى من نظيره السعودى تمركز طائرات أمريكية فى قواعد جوية ومطارات  المملكة، ويوافق وزير الدفاع السعودى.

تصدر الأوامر إلى قادة الغواصات الأمريكية الثلاث المتمركزة فى الخليج العربى بالاستعداد لتنفيذ العمليات.

تبدأ أطقم الغواصات تجهيز الصواريخ (كروز توما هوك) استعدادًا للإطلاق وتُرسَل بيانات الأهداف إلى ضابط إدارة النيران، حيث يتوقع الأمريكى أن تنجح الصواريخ فى تدمير أهداف مهمة ومحددة من بينها مركز قيادة الصواريخ الإيرانى غرب مدينة «قُم».

يتمثل الهدف من تدمير مركز القيادة والاتصال فى الحيلولة دون إطلاق أية صواريخ برؤوس نووية.

قبل أول ضوء وفى الساعة 330 صباحًا، تنطلق أول رشقة من الصواريخ البالستية الأمريكية مكونة من 12 صاروخًا أخذت تطير تجاه أهدافها (يوجد فى هذه الصواريخ نظام بحث ومراقبة رقمى يقارن بين ما يراه على الأرض مع البيانات المخزنة فى الصور الرقمية الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية بحيث يتم تصحيح مسار الصاروخ بصفة مستمرة إلى أن يصل الهدف، وبمجرد اقتراب الصاروخ من الهدف بعد ساعة من الإطلاق يعمل جهاز فى مقدمة الصاروخ على إضاءة المنظر ـ الهدف ـ أمام جهاز التوجيه على ضبط ميدان رؤية الكاميرا للهدف وفى الثوانى الأخيرة من خط المرور، يتم تدقيق خط مرور الصاروخ ليصيب الهدف بدقة عالية ويدمره).

بالتزامن مع ذلك، تخترق طائرات F117 الشبح الأجواء الإيرانية باتجاه مدينة «قُم» دون أن يكتشفها الرادار مستخدمة نظام الملاحة المتطورة وأجهزة الأشعة دون الحمراء التى تحدث بصمة حرارية لصورة الأهداف على شاشة العرض بكابينة الطيار، وبمجرد أن يرى الطيار هذه البصمات يقوم بإسقاط قنبلتين ألف رطل ذكيتين GB4 – 24  مزودتين بباحث ليزر وإلكترونيات توجيه وزعانف متحركة لتسقط باتجاه ضوء الليزر المنعكس من النقطة المضاءة فى موقع الهدف.

تحاول بعض بطاريات الصواريخ الإيرانية إطلاق صواريخها، إلا أن الطائرات الأمريكية تكون مزودة بتقنيات الإعاقة الإلكترونية لإخفاء صورة الطائرات الرادارية؛ وبعد نجاح الطائرات الأمريكية فى تأمين ممر حول طهران، تنقض الطائرات من القواعد التركية وقاعدة دييجو جارسيا فى المحيط الهندى وتنطلق الطائرات السعودية تضرب الأهداف الإيرانية فى الخليج ومنشآت بالقرب من بندر بشير وبندر عباس فى الوقت ذاته رصدت الأقمار الصناعية الأمريكية التى وجهت للمنطقة  إطلاق هدف من صحراء إيران كما شاهد ذلك بعض الطيارين .

نتوقف هنا لنكمل فى العدد القادم بقية تفاصيل المعركة لتبدأ مرحلة جديدة فى السيناريو المرسوم للمباراة الحربية الذى وضعه كاسبر واينبرجر وزير الدفاع الأمريكى الأسبق منذ أكثر من عشرين عامًا وحدد لها عام 1999، وتندفع الأحداث فى المنطقة باتجاهها.