محمود درغام
قال عالم الفيزياء الإنجليزي الراحل «ستيفن هوكينج»: «إنها مضيعة للوقت أن أكون غاضبًا بشأن إعاقتي، فعلى الشخص أن يكمل حياته وهذا ما قمت به، وتذكر دائماً أن تنظر إلى أعلى حيث النجوم لا إلى أسفل قدميك».. ترددت تلك الكلمات في رأسي وأنا أحضر الاحتفال الذي أقامه متحف «جاير آندرسون» منذ أيام لعدة مناسبات، أهمها إصدار أول دليل متحفي على مستوى مصر والعالم بطريقة «برايل»، ليكون هو المتحف الأول من نوعه في مصر الذي يقدم خدماته بصورة متكاملة للأشخاص ذوي الإعاقة، وثانيها الاحتفال بمنتجات ذوي القدرات الخاصة ومنهم «كيرلس سامي» الذي أفردت لإبداعاته في فن «الأوريجامي» قاعة خاصة شهدت إقبالا وإعجاب الحاضرين حتى إن بعضهم شد على يديه قائلا «إيدك تتلف في حرير».
فى حديقة متحف «جاير آندرسون» وأمام منضدة متوسطة وضعت أعلاها نسخ من دليل المتحف بطريقة «برايل» قابلنا ميرفت عزت مدير عام المتحف والتى كانت تشرف على وضع اللمسات النهائية للاحتفالية وقالت إن مؤسسة «بصيرة» لذوى الاحتياجات البصرية هى التى تبرعت بطباعة الدليل على نفقتها الخاصة، وأهدتنا عددًا من النسخ التى سيتم توزيعها على مدارس المكفوفين المشاركة فى الاحتفالية وعددها سبع إلى جانب عدد من المؤسسات المختصة بالأشخاص ذوى الإعاقة مثل الإدارة العامة للتمكين الثقافى، ويتضمن الدليل شرحًا مختصرًا لكل قاعة من قاعات المتحف بطريقة «برايل» وهو عبارة عن ترجمة للدليل الذى يتم طباعته حاليا باللغة العربية، مشيرة إلى أن المتحف بالتعاون مع وزارة الآثار سيعملان على تسجيل المتحف فى موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية كأول متحف فى العالم يصدر دليلاً متحفيًا للمكفوفين بطريقة «برايل».
مسار المكفوفين
وأضافت أن مسار الأشخاص المكفوفين يغطى 80% من قاعات المتحف بعد استبعاد القاعات ضيقة المساحة كثيرة المعروضات وعددها قرابة الخمس قاعات، ويستطيع الشخص الكفيف السير داخل المسار وصعود الدرج وهبوطه بمرافقة شخص مبصر بنظام القطار أى أن يقف الشخص المبصر فى المقدمة والمكفوفون من خلفه يضعون أكفهم على أكتاف بعضهم البعض ويبدأون فى السير، متابعة: أما فيما يخص بطاقات الشرح بطريقة «برايل» فقد وضعت فى أماكن جيدة فى مداخل قاعات المسار وتحتوى على معلومات أكثر تفصيلا من الموجودة فى الدليل.
وأكدت ميرفت سعادة وفود جمعيات المكفوفين التى جاءت لزيارة المتحف خلال الأيام الماضية بتلك البطاقات والتى قرأوها دون أدنى مساعدة من أحد، موضحة أن المتحف تعاون مع وزارة الآثار بتوفير عدد من المستنسخات الأثرية التى تغطى عصور مصر المختلفة وتعرض فى إحدى القاعات ويسمح للمكفوفين بلمسها حتى يرونها بأناملهم.
إبداعات ذوى الإعاقة
وأشارت إلى أن المتحف يعمل من خلال إقامة الورش والمعارض على عرض إبداعات الأشخاص ذوى الإعاقة، موضحة أن الاحتفالية تتضمن إقامة معرضين الأول «تتلف فى حرير 3» الذى عمل منذ نسختيه السابقتين على عرض الفنون التشكيلية الخاصة بالفنانين من متحدى الإعاقة، مستطردة: وفى تلك النسخة منه نعرض قرابة الستة وخمسين قطعة ولوحة من فن «الأوريجامى» لفنان من الصم و البكم هو «كيرلس سامى القط» الذى يحتفل من خلالها بقرب حلول العام الميلادى الجديد وعيد الميلاد المجيد، وتتضمن المعروضات نماذج مختلفة الأحجام لبابا نويل والبجعة وشجرة الميلاد والزينات، إلى جانب بعض اللوحات المختلفة لنباتات وحيوانات وآلات موسيقية جميعها من فن طى الأوراق «الأوريجامى».
وتابعت: أما المعرض الثانى فهو لمنتجات الورش الفنية الخاصة بمتحدى الإعاقة والتى أقيمت خلال عامى 2018 – 2019 وتضم حلى ومشغولات الخشب والمسمار ومنتجات مصنوعة من الورق الملون والطباعة.
وذكرت ميرفت أن الورش تقام بمعدل ورشتين أسبوعيا فمثلا يقوم عدد من طلبة كلية التربية النوعية من ذوى الإعاقة السمعية بإقامة الورش والتدريب لأصحاب الإعاقات المختلفة تحت إشراف د. عادل بدر، أستاذ التصميم الداخلى بكلية التربية النوعية، موضحة أن تلك الورش تغطى العديد من المجالات مثل صناعة الحلى و«الأوريجامى» والأشغال الفنية مثل لوحات الحصى والرمل والزيت والطباعة ومنتجات الآركيت، مضيفة أنه ستقام خلال أيام ندوات عن اليوم العالمى لحقوق الإنسان والتربية وكيفية التعامل مع الأطفال وسيحاضر خلالهما اثنان من ذوى الإعاقة البصرية، منهية حديثها بأن المتحف يتعامل مع كل أشكال الإعاقات حتى الذهنية منها مثل متلازمة داون والتوحد والصم والبكم لأن متحف «جاير آندرسون» هو صديق ذوى الاحتياجات الخاصة.
موهوب علم نفسه
وداخل القاعة المخصصة لمعرض «تتلف فى حرير 3» رأيت الطيور وأشجار الميلاد ورجل الثلج واللوحات وغيرها من القطع الفنية المصنوعة من أوراق «الأوريجامى»، ورأيت الجموع الملتفة حول كيرلس سامى فنان «الأوريجامى» ووالدته المهندسة جيرمين مجدى التى قالت إن ابنها يعانى ضعفا شديدا فى السمع وتأخر لغوى لكنه موهوب فى الرسم والفوتوشوب الذى تعلمه بنفسه، وكانت بداية معرفته بفن «الأوريجامى» من خلال ورشة عمل قام خلالها أحد المدربين بعمل حمامة ورقية وأهداها له ففرح بها، بالإضافة إلى منح القائمين على الورشة له عددًا من الأوراق الخاصة بفن «الأوريجامى» ومجلة تتضمن نموذجين مرسومين بالرسم الهندسى خطوة بخطوة، وعندما عاد إلى المنزل نفذها كثيرا حتى تميز فيها، وأصبح يهادى أصدقاءه فى المدرسة فشعر منذ تلك اللحظة بتميزه بعد أن كان يشعر بأنه شخص مهمل يجلس فى المقاعد الخلفية نظرا لظروفه، مستطردة: كرمته المدرسة لأنه صمم زينة المكتبة من «الأوريجامى» وكانت شهادة التقدير سببا فى تغيير مسار حياته بالكامل حيث قرر الاعتكاف على ذلك الفن، وبدأ يتابع مقاطع الفيديو الخاصة به عبر الإنترنت وانتقل من النموذج البسيط مثل الحمامة والضفدع حتى وصل للتركيبات الصعبة مثل الديناصور والأسد والخروف والفيل، تلك التركيبات مصنوعة عن طريق نموذج الفن اليابانى التقليدى وهو فن الورقة الواحدة.
سقف الطموح
وأشارت والدة كيرلس إلى أن سقف طموح ابنها ارتفع وبدأ فى دراسة القسم الثانى من فن «الأوريجامى» وهو تصميم نماذج ثلاثية الأبعاد عن طريق المثلثات، مضيفة: أن تلك الخطوة دفعت والده لشراء مزيد من الأدوات والخامات له، وأصبحنا نشاركه فى تصميم تلك القطع الفنية حيث كنا نقوم بطى المثلثات ونتركه هو ليبدع بنفسه فمثلا تصميم الحجم الكبير لبابا نويل يحتاج إلى 1700 ورقة وغيرها من النماذج المتقدمة مثل الديناصور والتنين.
وأوضحت أن معرض «تتلف فى حرير 3» هو الأول الذى يشارك به «كيرلس» بمتحف «جاير آندرسون» من خلال 56 نموذجًا ما بين الحمامة والفراشة والضفدع والقلب وأشجار الميلاد ورجل الثلج وغيرها، مؤكدة أنه سبق وأقيمت له عدد من المعارض فى أماكن أخرى مثل السفارة الأمريكية ودار الأوبرا المصرية وعدد من الكنائس.
كيرلس المعلم
وأكدت والدة كيرلس أن نشاط ابنها، لا يتوقف على إقامة المعارض فقط بل أنه يقيم أيضا ورش عمل لفن «الأوريجامى» لتعليم الآخرين، مستطردة: وكانت البداية مع أصدقائه فى المدرسة ثم مدارس الأحد التابعة للكنيسة، كما أقام ورش عمل لطلبة المدارس الخاصة لأن الحكومية ترفض ذلك لأنه لا يملك لغة للتواصل، أما المدارس الخاصة فتتعامل معه كأجنبى لا يحتاج إلى الكلام لتعليم الطلبة هذا الفن بل يحتاج إلى التدريب العملى والبصرى وقليل من الكلمات، كما أن كيرلس مشارك حاليًا فى قسم الدراسات الحرة بكلية الفنون الجميلة قسم الجرافيك حتى ينمى موهبة الرسم ويمزج بينها وبين فن «الأوريجامى»، وفى النهاية صافحت كيرلس وسألته عن أمنيته فأجبنى بصعوبة أنه يتمنى أن يمثل مصر فى الخارج بمعرض لفن «الأوريجامى».