غالبًا ما تقتصر صفات التواضع والخلق الرفيع والعطاء بلا حدود على العلماء الذين لا يتشدقون بإنجازاتهم فى كل حين، حتى ولو كانت متواضعة، والذين لا تعرف نفوسهم تضخم الذات وحب الأنا، وهذا الداء الأخير لعنة، تخصم رصيدًا ضخمًا من أى عالِم، وتهبط بمنحنى تميزه وقدراته العلمية.
ويشاء القدر أن يجمعنى بأحد هؤلاء النابغين فى أكثر من لقاء، والحاصل على العديد من الجوائز الدولية، وقد فطره الله على تلك السمات، وهو العالِم الجليل الدكتور جمال أبو السرور عميد كلية طب الأزهر السابق، والحاصل على أكبر جائزة علمية فى عيد العِلم فى عام 2019، حيث كرّمه الرئيس السيسى ومنحه جائزة النيل فى العلوم، والدكتور جمال عرفه الكثيرون عالمًا شغوفًا بالبحث العلمى، ورائدًا فى طب النساء، ويؤمن بأن مجال البحث العلمى من أكثر الطرق لتحقيق طفرة حضارية فى مجالات التنمية.
ودائمًا ما يقول إن اهتمام الدولة بالبحث العلمى هو شأن الدول المتقدمة، وأن كثيرًا من هذه الدول تنفق أكثر من نصف دخلها القومى على البحث العلمى، وتعكس عباراته من خلال حواراته مدى صدق إيمانه بخالقه.
ونذكر أن الدكتور جمال أبو السرور له إسهامات ضخمة فى تنمية المركز الدولى الإسلامى للدراسات السكانية، الذى تم تأسيسه فى ديسمبر 1975، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للأنشطة السكانية، وأسس الدكتور جمال فى المركز وحدة للإخصاب الطبى لعلاج العقم، وتهدف بالاهتمام بالصحة الإنجابية، ويقوم المركز بتدريب طلبة الدراسات العليا والدكتوراه على عمليات الحقن المجهرى وأطفال الأنابيب، ولثقة الأزهر بكفاءته العلمية تم تكليفه بإدارة المركز، واستطاع أن يحقق حلمه بإنشاء وحدة لعلاج العقم وضعف الخصوبة لدى المرضى البسطاء، نتيجة التكلفة الباهظة للعلاج، وذلك بعد أن واجهته فى البداية صعوبات عديدة، وافتتحها فضيلة شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوى فى 2004 وحضر الافتتاح فضيلة الدكتور أحمد الطيب، وأصبحت حاليًا أكبر وحدة إخصاب طب على مستوى الجمهورية فى مصر.
ويأتى تحقيق حلمه بعد نجاحه الباهر فى ولادة الطفلة «هبة»، كأول تجربة أطفال أنابيب فى مصر عام 1986 مع الدكتور محمد أبو الغار والدكتورة رجاء منصور، وذلك بعد 8 سنوات من ولادة الطفلة «لويز» أول طفلة أنابيب فى العالم، ثم يتوج هذا الجهد العلمى بصدور قرار مجلس الوزراء وتحويل المركز إلى معهد دولى للدراسات السكانية ويتبع جامعة الأزهر، ومزيدًا من تقدير الدولة لهذا العالِم الجليل، يصدر الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء قرارًا بتعيين الدكتور أبو السرور عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية.
وما زالت قائمة أعمال الدكتور أبو السرور تنطوى على العديد من إنجازاته العلمية، ومنها كتابته لأكثر من 370 بحثًا علميًا دوليًا ومحليًا، وحرر 18 كتابًا طبيًا، وأدام الله نهر عطائه، وفى هذا السياق ندعو كل شبابنا قراءة سير أمثال هذا العالِم الجليل للاقتداء بهم، حتى تسرع عجلة التنمية فى الدوران.