رئيس التحرير
لماذا ليبيا وإثيوبيا الآن؟ الخيارات المتاحة
By mkamalيوليو 19, 2020, 12:52 م
2149
تزداد سخونة الأحداث على المحورين الاستراتيجي الغربي والجنوبي الشرقي، مع مواصلة تركيا الدفع بالمرتزقة على الجبهة الليبية؛ في الوقت الذي تواصل فيه إثيوبيا إطلاق التصريحات الاستفزازية، والقيام بمزيد من محاولات التلاعب لكسب الوقت.
في الوقت ذاته تتحرك الدولة وفق منهجية ثابتة، وهي لا تفريط في حق من حقوق الدولة المصرية، وأن أمن مصر القومي خط أحمر لا يمكن المساس به، ولا تنازل عن ما تم توقيعه من اتفاقيات وحقوق معترف بها دوليا. فالدولة المصرية تؤمن بالبناء والتنمية والاستقرار لكافة دول العالم، ولا تعتدى ولكنها تؤمن حدودها ومكتسباتها وحقوقها التاريخية فلديها القوة والقدرة على ذلك.
خلال الحلقات الخمس الماضية من تلك السلسلة استعرضنا كيف يتم إدارة ملف التهديد للدولة المصرية على المحورين فى الغرب (ليبيا)، والجنوب شرقى (إثيوبيا) وكيف تستغل قوى الشر المحورين لتهديد الدولة المصرية، ولكن هل مصر ستقف مكتوفة الأيدي، وما هى الخيارات المتاحة لديها؟ وهل تنجح؟.
بداية لا بد أن ندرك، أن أحد أهم أدوات إدارة تلك المعركة من قبل قوى الشر (تركيا، قطر، إسرائيل، التنظيمات الإرهابية، أجهزة مخابرات عدد من الدول صاحبة المصلحة الكبرى فى عدم استقرار المنطقة)، هو إحداث شرخ فى الثقة القوية بين الشعب والقيادة؛ الأمر الذى لم تنجح فيه قوى الشر حتى الآن، رغم محاولاتها المستمرة من خلال أبواقها الإعلامية (الكتائب الإليكترونية، صفحات السوشيال ميديا، القنوات الفضائية، الصحف الأجنبية التى تم شراؤها لتشويه وتزييف الواقع)؛ لذلك يحرص الرئيس عبد الفتاح السيسى دائمًا على ضرورة أن نظل صفاً واحداً وسندا لدولتنا، فى مواجهة تلك المخاطر والتهديدات. فثقة الشعب فى قرارات القيادة السياسية بشأن كافة الملفات، يجعل الدولة أكثر قدرة وقوة فى مواصلة التصدى لتلك التهديدات، مع الاستمرار فى عملية البناء والتنمية.
ومنذ يناير 2011 كانت الصورة أكثر وضوحا لدى متخذ القرار، بعد أن تكالبت قوى الشر على الدولة المصرية من أجل تقسيمها، وذلك عقب الدفع بالعناصر المعاونة لاستكمال الطريق من أجل إسقاطها؛ إلا أن الجيش المصرى سرعان ما أدرك وجمع كافة خيوط المؤامرة، وبدأت عملية وضع خارطة طريق للمواجهة. كما أدرك الشعب هو الآخر حجم ما يحاك بالوطن، وارتفعت درجة الوعى لديه، ووقف أمام مسئوليته، فاصطف خلف قيادته الوطنية وجيشه، واسترد الدولة المستهدفة بالتقسيم، على أيدى عبيد الدولار، والمتدثرين بعباءة الدين.
ولأن القيادة السياسية؛ الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ أن كان مديرا لإدارة المخابرات الحربية عام 2011 وخلال فترة توليه وزارة الدفاع 2012-2013 وهو يرى المشهد وحجم التهديدات والمخاطر التى تحيط بالدولة المصرية، فتم وضع خارطة طريق لحماية أمن واستقرار الدولة والنهوض بها، كى تصبح قادرة على مواجهة تلك التحديات.
(1)
تم العمل على أكبر عملية تحديث وتطوير القوات المسلحة؛ شملت تلك العملية كافة الأفرع والأسلحة، والتدريب، وتم تنويع مصادر السلاح، وفق احتياجات الدولة المصرية؛ لأن السلام الذى لا تحميه القوة، لا يمكن له أن يستمر؛ وكذا المقدرات التى لا تحميها قوة، فيمكن لقوى الشر الاعتداء عليها ونهبها. وقد قال الرئيس عبد الفتاح السيسى جملته: «العفى محدش يأكل لقمته»، معلقا على أزمة سد النهضة. ووضع الرئيس السيسى مجموعة من الثوابت خلال التحرك نحو تنفيذ خارطة الطريق، التى استهدفت إفاقة الدولة من عثرتها، وعودتها إلى المكانة اللائقة.
أولا: عدم التدخل فى شئون الغير إلا إذا طلب من مصر ذلك.. ويكون الطلب من المؤسسات الشرعية، ووفق ثوابت الدولة المصرية.
ثانيا: الحلول السياسية والدبلوماسية أفضل الحلول للخروج من أزمات المنطقة والحلول العسكرية لا تأتى إلا وفق تقدير الموقف لكل حالة على حدة.
ثالثا: الدبلوماسية المصرية تعمل على كافة الملفات الخارجية، من أجل التعاون مع الأشقاء العرب والأفارقة، وكذا توضع المنطقة العربية والقارة الإفريقية على رأس أولوياتها.
يتم التحرك لمواجهة التهديدات على كافة المحاور وفق خطوات محدده يكون فيها المسار السياسى والدبلوماسى أولوية والتعاون الاقتصادي، مع وضع المؤسسات والمنظمات الدولية والدول الكبرى أمام مسئوليتها، لحل القضايا الخلافية.
رابعا: ضرورة إيجاد حل لأزمة سد النهضة، خاصة أن تهديد الأمن المائى هو تهديد للأمن القومى المصرى ووضع مجموعة من الخيارات لمواجهة هذا التهديد، فى ظل وضع قانونى قوى تمتلكه مصر ودبلوماسية واعية، ومفاوض صلب.
خامسا: الاستمرار فى مواجهة الإرهاب فى ظل محاولات دول (تركيا ـ قطر، وأجهزة مخابرات عدد من الدول) تحويل منطقة شمال إفريقيا إلى منطقة تجميع للعناصر الإرهابية من أجل ضرب استقرار المنطقة واستغلال ثرواتها.
سادسا: ضرورة مواجهة التحديات وإيجاد حلول جذرية لها، مثل الطاقة والبنية التحتية، والعلاقات الخارجية، والتنمية الاقتصادية.
وقد تم التحرك على هذا الملف بقوة؛ لأنه الضمانة الثانية بعد قوة الجيش المصرى لحماية مقدرات ومكتسبات الدولة المصرية والحفاظ على أمنها القومى، والأمن القومى العربى؛ فتم إطلاق أكبر برنامج إصلاح اقتصادى فى تاريخ الدولة المصرية، مع نهاية عام 2016 وبالتحديد فى 3 نوفمبر 2016.
وبدأ الاقتصاد المصرى فى التعافى فى ظل أكبر عملية بناء للبنية التحتية فى مصر، وإطلاق عدد من المشروعات القومية الكبرى.
وعلى الصعيد الدبلوماسى استعادت مصر علاقتها ومكانتها الدولية وحازت على ثقة القوى الدولية والدول الكبرى والمنظمات الدولية والإقليمية.
إلا أن هذا لم يكن ليعجب قوى الشر.. فاستعادة الدولة المصرية لمكانتها يجعلها دائما قادرة على مواجهة أى محاولة للنيل من استقرار ووحدة المنطقة العربية، ويحول دون استكمال مشروع التقسيم الجديد.. فظلت عملية الاستهداف المتواصل خاصة بعد أن قامت مصر بإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، والذى يعد الخطوة الأولى فى تحول مصر إلى مركز إقليمى للطاقة.. بعد أن أصبحت مصر لديها اكتفاء ذاتى من الغاز الطبيعي، بعد أن كانت تعانى من عجز كبير فى الطاقة.
هنا بدء التحرك على المحور الاستراتيجى الغربى من قِبل قوى الشر ممثلا فى تركيا وبأموال قطرية بعملية نقل للمرتزقة والعناصر الإرهابية لتهديد الأمن القومى المصرى، ونهب الثروات الليبية.. وهو ما جعل مصر تقف له بالمرصاد وفق منهجها المعروف لدى العالم كله ومن منطلق إيمانها بأن الحل السياسى أكثر قدرة على أن يجعل الدول تسير فى الاتجاه الصحيح نحو الاستقرار.
(2)
وكان الخيار بشأن المحور الاستراتيجى الغربى مع هذا التطور على الساحة الليبية أولا: البدء بالتحرك السياسى ودعم كافة التحركات السياسة من أجل حفظ أمن واستقرار ليبيا والمنطقة، من خلال إعلان القاهرة الذى جاء فى بداية شهر يونيو 2020 وفق اللقاء الذى تم بين الرئيس السيسى والسلطة الشرعية فى ليبيا (البرلمان) والجيش الوطنى، وتم وضع خارطة طريق محددة لكى تخرج ليبيا من هذا المأزق، رحبت بها القوى الدولية ورحبت بها القبائل الليبية، إلا أن قوى الشر أبت أن تتوقف عن عملياتها الاستعمارية لنهب ثروات ليبيا، واستكمال الدفع بالعناصر الإرهابية والمرتزقة إلى ليبيا.
وما زالت مصر تصر على أن يكون الخيار السياسى أولوية لحل تلك الأزمة الليبية.
ثانيا: الخيار العسكرى، مع طلب البرلمان الليبى بقيادة عقيلة صالح لمصر بالتدخل حفاظا على أمن ليبيا واستقرارها فى مواجهة الغزو التركى وتفويض شيوخ القبائل والأعيان الليبيين للجيش المصرى بالتدخل لحماية ليبيا خلال المؤتمر الذى عقد بالقاهرة الخميس الماضى بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى تحت شعار «مصر وليبيا.. شعب واحد ومصير واحد» أصبح الخيار الثانى شرعيا.
فقد حصلت مصر على مظلة شرعية للتدخل العسكرى فى ليبيا (بعد موافقة البرلمان الليبى وتفويض شيوخ القبائل والأعيان الذى منحوه لمصر على الهواء مباشرة وأمام العالم)، حفاظا على الأمن القومى المصرى وأمن واستقرار ليبيا، وبذلك أصبحت كل الخيارات متاحة لمصر بشأن المحور الاستراتيجى الغربي.
وجاء حديث الرئيس خلال مؤتمر شيوخ القبائل وأعيان ليبيا ليؤكد أن حديثه عن الخط الأحمر «سرت ـ الجفرة»، كان يهدف إلى التزام كافة الأطراف الليبية بالحل السياسى، ولكن فى ظل استمرار الميليشيات التابعة لحكومة السراج، على الحشد للمرتزقة أصبحت هناك ضرورة لوقف ومواجهة هذا التهديد للأمن القومى المصرى والليبي. وقد حصلت مصر أيضًا على تأييد دولى من دول الاتحاد الأوروبى ورفضهم لتصرفات حكومة السراج بمعاونة أردوغان.
ومع قدرة مصر وجيشها على تغيير الوضع العسكرى على الأرض بات واضحًا أن الخيار العسكرى هو الأقرب للتنفيذ على أرض الواقع فى ظل عمليات الحشد للميليشيات والعناصر الإرهابية على حدود سرت.
وفى تلك المعركة ستكون الغلبة والنصر بإذن الله لمصر وجيشها ولليبيا وجيشها الوطنى وأبنائها المخلصين.
وسيتم تغيير الوضع عسكريا على الأرض، لما تمتلكه القوات المسلحة المصرية من قدرات قتالية (قوات بحرية، وجوية، ودفاع جوى، وقوات خاصة، وقوات برية) استطاعت على مدار سبع سنوات أن تكتسب قدرات قتالية عالية فى مواجهة العناصر الإرهابية والحروب غير النظامية، بالإضافة إلى قدراتها القتالية العالية.
(3)
أما المحور الاستراتيجى الجنوبى الشرقى والخاص بسد النهضة، فقد تعاملت معه القيادة السياسية باحترافية شديدة وحرصت على توقيع اتفاق المبادئ بين الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015، ليصبح بمثابة حجر الزاوية وأحد الركائز المهمة التى يرتكز عليها المفاوض المصرى إضافة الى الاتفاقيات الدولية السابقة التى تحدد الحقوق المصرية فى مياه النيل وتحافظ عليها. وقد اتخذت مصر لهذا المحور الخيار الدبلوماسى والسياسى، وفق ثوابتها السابق ذكرها دون تفريط فى الحقوق أو تنازل عن المكتسبات.
وما زال الخيار السياسى والدبلوماسى والقانونى فاعل فى تلك الأزمة، فما تمتلكه مصر من أدوات ووثائق يجعلها قادرة على إثبات حقوقها والحفاظ عليها.. فالدولة التى لم تتنازل عن كيلو متر واحد من أرضها (طابا)، وخاضت أكبر معركة قانونية لاستردادها، لن تفرط فى قطرة ماء واحدة من حصتها مهما كلفها الأمر.. فمصر تصبر ولا تفرط.. تصبر بحكمة ثم تقرر.. فإذا قررت فعلت.
فمصر ما زلت لديها القدرة على الحفاظ والدفاع عن حقوقها التاريخية فى مياه النيل والحفاظ على أمنها المائى، سواء من خلال الاتحاد الإفريقى حال قيامه بمسئولياته، أو مجلس الأمن أو المحكمة الدولية.
ومهما تفعل قوى الشر في هذا الملف من محاولات.. إلا أن القيادة السياسية المصرية لديها العديد من الخيارات المتاحة، بالإضافة إلى ما سبق.
وسيظل خيار مصر أن الأمن المائي والمساس به يدفع إلى زعزعة أمن واستقرار المنطقة.