رئيس التحرير
الجيش المصري.. قوة رشيدة تحمي ولا تعتدي
By mkamalأكتوبر 30, 2023, 15:25 م
675
تبني الشعوب حضارتها عندما تنعم بالاستقرار والأمن؛ وقد توالت الحضارات تاركة آثارها على الأرض، فكلما كانت تمتلك القوة الرشيدة لحمايتها كانت أكثر عطاءً وتأثيرًا، فالأمن والاستقرار لا بد لهما من قوة تحميهما؛ قوة أكثر حكمةً ورشادةً وأكثر قدرةً على اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب.
لقد انهارت حضارات عديدة عندما ضعفت قوة حمايتها، وتشرذمت شعوبها وتفرّقت، فكانت غير قادرة على مواجهة التهديدات والتحديات، أو الوقوف فى وجه الطامعين.
هكذا الدول التي اتخذت لنفسها مشروعًا وطنيًا تجد نفسها دائمًا فى مواجهة الطامعين، ما بين منافسٍ أو غادرٍ أو خائنٍ، يحاولون الانقضاض عليها فى التوقيت المناسب؛ فكان لزامًا عليها أن تمتلك القوة لحماية مشروعها الوطني، لكن أيضًا عليها أن تضع أمام عينيها أن القوة غير الرشيدة هو أولى خطوات هدم ذلك المشروع الوطني.
لقد استطاع الشعب المصري أن يبني حضارة ستظل على مدى التاريخ وحتى يرث الله الأرض ومَن عليها منارة الباحثين عن المعرفة والعلم، وتظل شامخة نفخر بها، فرغم مرور أكثر من 7 آلاف عام عليها إلا أنها لا تزال تحتفظ بالعديد من أسرارها ما يجعها هدفًا لدراسات الباحثين عن العلم والمعرفة.
هنا أسجل وأكرر ما ثبت فى يقيني أن تلك الحضارة وهذا الوطن العظيم كان نتاج شعب أبي ظل على مر التاريخ، وسيواصل كفاحه حفاظًا على دولته الراسخة رسوخ الجبال الرواسي؛ الشامخة فى عزٍّ مرفوعة الرايات، فليست مصر هبة النيل كما قال «هيرودوت» إنما هي هبة المصريين الذين شيّدوا تلك الحضارة العظيمة وعملوا على البناء والتنمية من أجل الإنسانية وحرصوا على نشر العلم والنور فى وقت عم الظلام العالم.
(1)
لم يكن لتلك الحضارة أن تبنى فى العصر القديم أو للمشروع الوطني للدولة المصرية أن يستقر ويزدهر وينمو فى العصر الحديث ما لم تكن هناك قوة تحمي ما يسطّره الشعب ويعكف عليه من بناء وتنمية، ولم يكن للأخير أن يحدث ما لم تنعم الدولة بالاستقرار والأمن.
وسيظل المشروع الوطني المصري كلما نهض هدفًا لكل قوى الشر، خوفًا من انتقاله عن طريق التأثر به إلى مناطق ودول أخرى وهو ما يهدد أطماع قوى الشر ومعاونيهم من دعاة الخراب، ممن يحاولون دائمًا الصعود على جثث القتلى والظهور على أطلال الأوطان ورُكام الخراب.
فالأمر ليس بمستغربٍ فأدواتهم لا تختلف كثيرًا مهما تغيرت السنون وتبدّلت الشخوص، فالمسار والهدف واحد فهم يقتاتون من دماء الأوطان؛ لكن تظل هناك قوى قادرة دائمًا على حماية المشروع الوطني على مر العصور، ولطالما كانت متماسكة مع جيشها مصطفة خلف قيادتها استحال على قوى الشر المساس بالمشروع الوطني للدولة.
ولأن دروس التاريخ دائمًا ما نتوقف عندها لنتعلم منها ونتدبر ونتجاوز أخطاءها، فإن الدولة المصرية على مدى تاريخها كانت دائمًا ما تتدارس الماضي لكي تبني المستقبل، ورغم ما تتعرض له من كبوات إلا أنها سرعان ما تنهض وتواصل البناء.
ودعونا نتوقف بعض الوقفات مع بداية القرن التاسع عشر وكيف أن المشروع الوطني المصري استطاع أن ينهض ويحقق نهضة كبيرة، عندما التف الشعب خلف مشروعه ذاك وتم بناء جيش قوي لحماية هذا المشروع، فشيّدت الصناعات وبنيت المدن وأرسلت البعثات التعليمية وشقت الترع وأنشأت القناطر لتحويل الزراعة من ري الحياض إلى الري الدائم، وطورت التجارة وأصبحت البحرية المصرية ثاني أقوى قوات بحرية على مستوى العالم بعد البحرية البريطانية، وكانت قوة الجيش المصري ملء السمع والبصر، وهنا رفض العالم أن تنهض هذه القوة، فتكتل الجميع على ضرورة التخلص من ذلك المشروع الوطني.
فعملت على مسارين الأول المواجهة المباشرة، والثاني المواجهة غير المباشرة، وبعد معركة «نوارين البحرية» كان لا بد من التخلص من هذه القوة الناهضة التي أدركت القوى الدولية فى ذلك الوقت خطورتها.
بدأ العمل على إضعاف الدولة وحصارها، للانقضاض عليها فى اللحظة المناسبة وهذا هو المنهج دائمًا.
وما إن تحررت الدولة المصرية وبدأت مشروعًا وطنيًا جديدًا فى عام ١٩٥٤ امتدت آثاره إلى العديد من دول العالم، وانطلقت ثورة التحرر فى القارة السمراء وأصبح المشروع الوطني المصري نموذجًا يحتذى به وبدأت أكبر عملية بناء اقتصادي واجتماعي شملت كل القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية والتعليمية والصحية، كما تم إعادة بناء الجيش وقويت العلاقات السياسية بين مصر والعديد من دول العالم.
واستطاعت مصر أن تواجه قوى الشر بإعلانها بناء السد العالي فكان الرد بعدوان 1956، وانتصر المصريون على العدوان وواصلوا بناء مشروعهم الوطني الذي ظهرت آثاره بشراكات كبرى، فكان مشروع الصناعات الثقيلة والكبرى مثل صناعة السيارات وصناعة الغزل والنسيج، كما تم العمل فى مشروع صناعة الطائرات والذي استطاعت مصر أن تنتج المقاتلة النفاثة القاهرة 200 والقاهرة 300، وهنا بدأت عملية المواجهة لإيقاف ذلك المشروع الوطني الناهض الذي بدأه الرئيس جمال عبد الناصر، فكانت 5 يونيو 1967 لكن سرعان ما استعادت الدولة المصرية عافيتها واستطاع الجيش المصري خلال 6 سنوات أن يستعد لاسترداد الأرض، وفى أكتوبر 1973 حقق الجيش المصري أعظم انتصار فى التاريخ الحديث، نصر كان المقاتل المصري فيه هو كلمة السر، عندما سطر معجزة عسكرية ونصرًا استعاد به كامل التراب الوطني، لتبدأ مصر عملية التحرك نحو استكمال مشروعها الوطني لبناء دولة قوية يحميها جيش قوي قادر على الزود عن ترابها ومقدراتها، فتحركت باتجاه السلام وهي مرفوعة الرأس شامخة منتصرة.
(2)
ولأن حرب أكتوبر 1973 غيّرت العديد من النظريات العسكرية فقد غيّرت أيضًا العديد من الاستراتيجيات التي كانت تستهدف المنطقة، وبدأت عمليات الاستهداف غير المباشر للدولة المصرية بعد أن غزت قوى الشر وساندت الجماعات التكفيرية؛ وأطلقت عليها فى ذلك الوقت تعبير الجماعات الأصولية.. والتي استهدفت الرئيس الشهيد البطل محمد أنور السادات فى يوم الاحتفال بذكرى النصر، وخلال العرض العسكري الذي كان الرئيس السادات يحرص على حضوره بزيه العسكري، لكن على ما يبدو أن هذا المشهد كان أكثر إيلامًا لهم، كما أن العروض العسكرية ذات وقع مؤلم عليهم لأنها تريهم القدرات القتالية للمقاتل المصري.
لكن المشروع الوطني المصري عقب استلام كامل التراب الوطني بدأ فى التحرك لكن ببطء أثر على سرعة إنجازه.. فى الوقت ذاته كانت عملية هندسة إشعال الفوضى من الداخل لإغراق الدولة المصرية فيها قد حققت إنجازًا بعد أن صنعت عناصرها ودرّبت البعض منهم على ذلك فى الداخل والخارج.
حتى حانت ساعة الصفر مستهدفة إسقاط الدولة لكن صناع المخطط يبدو أن معلوماتهم لم تكن صحيحة؛ فقد ظنوا أنه بإسقاط الأمن الداخلي (وزارة الداخلية) ستسقط الدولة المصرية فى الفوضى، لكنهم يبدو أنهم وقعوا فريسة أكبر عملية خداع استراتيجي عندما ظنوا أن القوات المسلحة المصرية قد انشغلت فى القطاع المدني (مشروعات جهاز الخدمة الوطنية – تأسس بالقرار الجمهوري رقم 23 لسنة 1979، واستهدف تأمين احتياجات القوات المسلحة لتخفيف أعباء تدبيرها عن كاهل الدولة مع طرح فائض الطاقات الإنتاجية بالسوق المحلي).
لتحفظ القوات المسلحة الاستقرار والأمن للوطن وتحافظ على مقدراته وبناء مؤسساته.
وعندما استطاعت القوات المسلحة المصرية فى 2011 إيصال الرسالة لقوى الشر بتصديها لمخطط إعادة تقسيم المنطقة، عادت قوى الشر تغذّي عناصرها لتدفع بها إلى صدارة المشهد ظنًا منها أنها بذلك تستطيع المناورة وتصل إلى مبتغاها بتقسيم الدولة، لكن وفى فترة لم تتجاوز الـ 12 شهرًا كان الزلزال المدمر لذلك المخطط ووقف الشعب وقواته المسلحة لاستراد الوطن والبدء فى بناء مشروع وطني مصري تأخر كثيرًا، وكانت المقولة الشهيرة للمشير عبد الفتاح السيسي فى ذلك الوقت: «إحنا محتاجين نقفز من أجل تعويض ما فات».
ولأن البناء والتنمية يحتاج إلى قوة تحميه وتحافظ على مقدرات الوطن.. قوة قادرة على فرض الأمن والاستقرار، تؤمن ولا تعتدي، فقد شهدت القوات المسلحة أكبر عملية تطوير وتحديث لكل الأسلحة، كما تم تحديث المناهج الدراسية فى كل الكليات والمعاهد العسكرية، وكذا التدريب، ما جعل القوات المسلحة المصرية قادرة على مواجهة أخطر الحروب الحديثة (حرب الإرهاب) واستطاعت أن تحقق النصر فيها بعد أن ظنت قوى الشر أنها بتلك الحرب ستُغرق الدولة المصرية فى مواجهة لن تنتهي.
(3)
إن ما شهدناه خلال تفتيش الحرب للفرقة الرابعة المدرعة بالجيش الثالث الميداني من استعراض للقوات والأسلحة والقدرات القتالية للمقاتل، واستعراض جزء من الأسلحة التي قاتل بها الجندي المصري خلال حرب أكتوبر 1973، لهي رسالة بليغة لكل ذي عقل، تتطلب أن يدرك أن هذا الجيش يمتلك من القوة والقدرة على حفظ أمن واستقرار هذا الوطن وتأمين حدوده وفق محددات الأمن القومي المصري وتنفيذ المهام التي يكلّف بها وفق تقديرات الموقف.
لقد جاءت كلمة قائد الجيش الثالث الميداني اللواء أركان حرب شريف جودة العرايشي، تؤكد على جهازية القوات واستعدادها القتالي العالي لتنفيذ المهام، قائلاً: «إن القوي لا يستطيع أحد أن يهدد مصالحه أو يعتدي على مقدراته، إننا اليوم فى أعلى درجات الكفاءة القتالية والاستعداد القتالي جاهزون لطي الأرض فى نطاق مسئوليتنا أو فى أي مكان آخر يتم تكليفنا بالانطلاق إليه، واضعين نصب أعيننا المصلحة العليا للبلاد، محافظين على أمنها وأمانها واهبين أنفسنا وأرواحنا فداءً لترابها الغالي».
إنها رسالة الأبطال للمصريين والعالم، إنها رسالة قوة تحمي الأمن والسلام والاستقرار لمن يبحث عن السلام والأمن وهي نار محرقة لمن يقترب أو يحاول أو يفكر أن يعتدي على مقدرات هذا الوطن.
إن ما حققته مصر خلال العقد الأخير من نجاح فى بناء مشروعها الوطني رغم التحديات والمشكلات، لم يكن ليتحقق ما لم تكن هناك قوة تحميه.
إن محاولات استهداف الدولة المصرية لن تنتهي خاصة فى ظل مواصلتها البناء والتنمية والتغلب على التحديات وحل المشكلات.
لكن امتلاك القوة دائمًا ما يحتاج إلى الحكمة وهو ما تمتلكه القيادة المصرية الحكيمة.
فالجيش المصري يمتلك قوة رشيدة تبني وتصون وتحمي ولا تعتدي، فنحن نمتلك القوة الحقيقية، القادرة علي الرد فى الوقت المناسب.
أن الجيش المصري من يحاول اللعب معه كمن يلعب بالنار التى ستحرقه.
كما أنا محاولات استفزاز مصر وجرها لمواجهة قد تكون عواقب تلك المواجهة وخيمة على المنطقة بل والعالم باثره.
الأمر الذى يجعل قواتنا المسلحة وقائدها الأعلى الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية يمتلك من القوة والقدرة والحكمة القدرة على اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب.
أن محاولات الاستفزاز الأخيرة تؤكد أن العمل لتنفيذ المخطط الشيطانى لم ينتهى ولكن على الجميع أن يدرك أن مصر لا تتهاون فى الحفاظ على أمنها القومى أو حفظ أمن وسلامة مواطنيها وحدودها.
ما شهدناه الأسبوع الماضي ليس سوى استعرض لتشكيل من تشكيلات أحد الجيوش الميدانية فى القوات المسلحة المصرية.
أن ما حدث فى مدينة نويبع صباح أمس الجمعة من سقوط جسم غريب بالقرب من محطة الكهرباء هناك، وما حدث فى طابا من سقوط طائرة بدون طيار بجوار أحد المنازل بالقرب من مستشفى طابا ووقوع عدد من الأصابات جميعها خرجت من المستشفى قبل مثول المجلة للطبع وقد حرصت جهات التحقيق على إطلاع المصريين على التفاصيل من خلال بيان صدر عن المتحدث العسكري يدل بما لا يدع مجالا للشك أن محاولات توسيع دائرة الحرب لن تتوقف، كما أنها تتطلب منا جميعا الحفاظ على وحدة الصف والثقة فى إدارة الدولة المصرية للأزمة.
وهنا يبقى على الشعب المصري الأبي أن يواصل اصطفافه خلف قيادته الحكيمة لاستكمال عملية التنمية والبناء من أجل إتمام المشروع الوطني المصري الذي باتت تلوح فى الأفق ثماره.
علينا أن نواصل تسلّحنا بالثقة والإيمان فى قدراتنا على تخطي الصعاب والعبور لغدٍ أفضل، طالما كنا صفًا واحدًا ويدًا واحدة، لا نعرف للانقسام مسلكًا ولا نؤمن سوى بالوطن، فكما عبر هذا الشعب باصطفافه خلف قواته المسلحة وقيادته من قبل من اليأس إلى الأمل ومن الهزيمة إلى النصر.
نستطيع أن نواصل تحقيق المعجزات ونُحطم كل الأوهام ونُفشل كل المخططات الشيطانية التي تُحاك للدولة المصرية والمنطقة العربية، لتظل مصر سدًا منيعًا فى وجه قوى الشر.