اقتصادسياسة
الأسباب الحقيقية وراء الأزمة الاقتصادية الأمريكية
By amrيناير 23, 2023, 16:03 م
714
– «وزارة الخزانة» تحذر من فشل واشنطن في مواجهة عجز الموازنة
صفاء مصطفى
تتوالى التحذيرات من وزيرة الخزانة الأمريكية، والبيت الأبيض وأعضاء برلمانيين من مجلسى الشيوخ والنواب الأمريكيين، من مخاطر وصول الولايات المتحدة الأمريكية إلى حد الاقتراض الأقصى، فى ضوء المؤشرات التى تؤكد تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها والوفاء بالتزامات الحكومة للمرة الأولى على مدار التاريخ، ما لم يتم موافقة عاجلة من الكونجرس الأمريكى على رفع سقف الديون الأمريكية، وهو المطلب الذى يلقى رفضًا قاطعا من «كيفين مكارثى» رئيس مجلس النواب الأمريكى (الجمهورى) الذى أكد أن الإنفاق الحكومة الأمريكية خارج عن السيطرة ولا يخضع للرقابة ولا يمكن أن يستمر على هذا النحو.
وتعقيبًا على هذه التطورات أكدت صحف ووكالات أنباء أمريكية وعالمية أن الولايات المتحدة الأمريكية تشهد فى الوقت الراهن حالة من الاستقطاب السياسى الكبير بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى، تجاوزت السجال السياسى وتبادل الاتهامات إلى الدفع بالاقتصاد الأمريكى نحو الدخول فى تعثر كارثى يمكن أن يغرق البلاد فى ركود عميق ويؤدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة لجموع الشعب الأمريكى بدءًا من الرهون العقارية وقروض السيارات إلى أسعار الفائدة على بطاقات الائتمان، ومن ثم ينعكس سلبيًا على استقرار النظام المالى العالمى.
وجدير بالذكر أن إجمالى الدين الفيدرالى يتجاوز 31 تريليون دولار، وهو الدين الذى يحمله الدين العام، بالإضافة إلى الديون التى تحتفظ بها الصناديق الائتمانية الفيدرالية والحسابات الحكومية الأخرى، بمعنى أنه يمكن اعتبار أنه دين تدين به الحكومة للآخرين، بالإضافة إلى الديون التى تدين بها لنفسها.
وبحسب تقارير رسمية أوردتها وسائل إعلام أمريكية ليست هذه المرة الأولى التى يثير فيها الملف جدلا، بين الديمقراطيين والجمهوريين، حيث رفع المشرّعون أو علقوا الحد الأقصى للمديونية 78 مرة منذ عام 1960 من دون صعوبة فى غالبية الأحيان، إلا أن المرة 79 فى ديسمبر 2021 تسببت فى توترات خطرة بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى.
وقد اعتبرت الأقلية الجمهورية آنذاك أن رفع السقف سيكون بمثابة إعطاء صكّ على بياض للرئيس الأمريكى، واتهموه بالمساهمة فى مزيد من التضخّم. واعتبر الديمقراطيون أن رفع الحد غرضه سداد الأموال المقترضة، بما فى ذلك مليارات أنفقت فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
ووافق حينها الكونجرس على رفع الحد الأقصى إلى 31,381 مليار دولار فى منتصف ليل اليوم الذى تم فيه الوصول إلى السقف السابق.
وتشير رؤى وسائل الإعلام الأمريكية وتحذيرات المحللين الاقتصاديين إلى أن الأمر هذه المرة أكثر تعقيدًا من المرات السابقة ومن المتوقع أن يخلق أزمة فى الاقتصاد الأمريكى أكثر خطورة من تلك التى حدث فى 2011 بسبب الخلافات بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى حول سقف الدين وهو ما أدى إلى إجراء هو الأول من نوعه فى تاريخ الولايات المتحدة، حيث قررت وكالة «ستاندرد اند بورز» تخفيض التصنيف الائتمانى لعلامة الدين العام الأمريكى بمقدار درجة واحدة، بسبب فشل واشنطن فى مواجهة عجز الموازنة الفيدرالية، السطور التالية تكفل كافة تفاصيل الأزمة.
تحذيرات
حذّرت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، من أن الحكومة الأمريكية قد تضطر لاتخاذ «إجراءات استثنائية» لتجنب التخلف عن سداد الديون الذى قد تواجهه البلاد للمرة الأولى فى تاريخها.
وبحسب صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية وزيرة الخزانة الأمريكية أخطرت قادة الكونجرس «مجلس النواب الأمريكى» رسميًا أنه من المتوقع أن تصل الولايات المتحدة إلى حد الاقتراض الأقصى خلال أيام، مما يجبر الحكومة الأمريكية على البدء فى استخدام «إجراءات استثنائية» لمنع التخلف عن سداد ديونها، لافتة إلى أن وزارة الخزانة لديها فترة زمنية محدودة لتجنب التخلف عن السداد بالاعتماد على تدابير استثنائية، وأنه فى هذه الحالة، يتم تعليق الاستثمارات فى بعض صناديق التقاعد الحكومية، وتشير التقديرات إلى أن ذلك الوضع يمكن الوصول إليه فى منتصف هذا العام تقريبًا، كما أنه من غير المرجح أن يتم استنفاد الأموال والإجراءات الاستثنائية قبل أوائل يونيو المقبل.
ووفقًا لصحيفة «بوليتيكو» وعدد من الصحف الأمريكية قالت جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية فى رسالة إلى رئيس مجلس النواب الجديد كيفن مكارثى، «الجمهورى»، إن وزارة الخزانة تتوقع هذا الشهر تعليق استثمارات جديدة فى صندوقين حكوميين للتقاعد والرعاية الصحية، وكذلك تعليق إعادة الاستثمار فى صندوق الاستثمار فى الأوراق المالية الحكومية، وهو جزء من خطة ادخار لموظفى الحكومة. وكتبت وزيرة الخزانة إلى مكارثى وزعماء آخرين فى الكونجرس: «إن استخدام الإجراءات الاستثنائية يمكّن الحكومة من الوفاء بالتزاماتها لفترة محدودة فقط».
وشددت جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية فى رسالتها على أن رفع أو تعليق الحد الأقصى «لا يعنى السماح بإنفاق جديد» ولكن ببساطة يعنى «السماح للحكومة بتمويل الالتزامات القانونية التى تعهد بها الكونجرس ورئيس كلا الحزبين فى وقت سابق».
وبحسب صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية وعدد من الصحف ووكالات الأنباء العالمية، أكدت وزيرة الخزانة الأمريكية أن عدم قدرة الحكومة الأمريكية على الوفاء بالتزاماتها يهدد الاقتصاد الأمريكى بأضرار جسيمة لا يمكن إصلاحها، وتنعكس سلبيا على جميع الأمريكيين وتضر بالاستقرار المالى العالمي، وعبرت عن هذه المخاطر قائلة: «الفشل فى الوفاء بالتزامات الحكومة من شأنه أن يتسبب فى ضرر لا يمكن إصلاحه للاقتصاد الأمريكى، وسبل عيش جميع الأمريكيين، والاستقرار المالى العالمى».
تحليلات صحيفة «بوليتكيو» الأمريكية لتطورات المشهد، أشارت الصحيفة إلى أن هذه الخطوة التى اتخذتها وزيرة الخزانة بإطلاق التحذيرات تقود إلى تسريع النقاش فى الكونجرس حول كيفية تمرير زيادة حد الديون، لافتة إلى أنه على النقيض من رغبات إدارة بايدن برفع سقف الدين، أعرب الجمهوريون المحافظون فى مجلس النواب عن خطتهم للحد من الإنفاق الحكومى، وهو ما يجعل أى تشريع من هذا القبيل الآن بعد أن أصبح الحزب الجمهورى يمثل الأغلبية أمرًا غاية فى الصعوبة.
تحذيرات وزير الخزانة الأمريكية تزيد التوتر بين الجمهوريين والديمقراطيين، وبحسب صحيفة «بوليتكيو» ووسائل إعلام عالمية فإن التحذيرات التى أطلقتها وزيرة الخزانة الأمريكية زادت من حدة التوتر بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن القضية المثيرة للجدل وهى رفع سقف الدين الأمريكى لمنع تخلف الولايات المتحدة عن التخلف عن سداد الديون، وبحسب ما أوردته وسائل الإعلام الأمريكية جاء فى الرسالة التى وجهتها الوزيرة إلى رئيس مجلس النواب الجمهورى الجديد كيفين مكارثي، أن الحكومة الأمريكية تستعد اعتبارا من يناير الجارى لاتخاذ الإجراءات الأولى بخصوص عدة صناديق تقاعد لموظفى الدولة.
ورغم أن هذه الإجراءات يفترض أن تكون مؤقتة، إلا أن وزيرة الخزانة الأمريكية حذرت من أنه فى ظل عدم وجود سقف جديد، يمكن أن تجد الولايات المتحدة نفسها فى وضع التخلف عن السداد للمرة الأولى فى تاريخها.ويعنى ذلك أن واشنطن لن تستطيع أن تسدد فى الآجال أقساط الديون أو فوائدها، إلا أنه فى المقابل الغالبية الجمهورية فى مجلس النواب يمكن أن تستغل عامل الوقت لمحاولة إجبار الديمقراطيين على التخلى عن بعض النفقات التى أقروها عندما كانت لهم غالبية مقاعد المجلس.
إنفاق بعيدا عن الرقابة
وعلى خط التصعيد ردًا على تحذيرات وزيرة الخزانة الأمريكية من مخاطر عدم موافقة الكونجرس على رفع سقف الدين الحكومى الأمريكى، أوضح رئيس مجلس النواب الأمريكى كيفين مكارثى فى تصريحات صحفية أوردتها شبكة «سى إن بى سى CNBC» الإعلامية الأمريكية وصحف ووكالات أنباء عالمية، أن إنفاق الحكومة الأمريكية خارج السيطرة وبعيدًا عن الرقابة وأنه من الضرورى ترشيد الإنفاق الحكومى، قائلًا: «الإنفاق خارج عن السيطرة وليس هناك رقابة ولا يمكن أن يستمر على هذا النحو». وأضاف: «نحتاج إلى تغيير الطريقة التى ننفق بها الأموال بتهور فى هذا البلد وسنحرص على أن ذلك ما سيحدث».
وبحسب ما أوردته وسائل إعلام أمريكية، فإنه بالعودة إلى النواب الديمقراطيين، اعتبر عضو لجنة الميزانية «الديمقراطى» فى مجلس النواب الأمريكى «بريندان بويل» أن تصريحات جانيت يلين «مقلق للغاية»، واتهم الجمهوريين «بالاعتقاد بأنه من الطبيعى أخذ الاقتصاد الأمريكى كرهينة لفرض إصلاحات متطرفة وغير شعبية.
رصدت شبكة «سى إن بى سى CNBC» الأمريكية وعدد من وسائل الإعلام العالمية موقف البيت الأبيض من هذه القضية، مشيرة إلى أن البيت الأبيض دعا الكونجرس إلى رفع سقف ديون البلاد وأنه ليس لديه نية للتفاوض مع الغالبية الجمهورية حول الموضوع.
وبحسب شبكة الإعلام الأمريكية، فإدارة بايدن ترفض أى شروط من هذا القبيل، وذكرت المتحدثة باسم الرئاسة الأميركية «كارين جان بيار» للصحفيين أن المشرّعين الجمهوريين والديمقراطيين يتعاونون عادة بشأن الموضوع «وذلك هو المطلوب»، مؤكدة أنه لا ينبغى تسييس مسألة الديون، وعبرت عن موقف البيت الأبيض، قائلة: «لن تكون هناك مفاوضات بشأن ذلك، هذا شىء يجب القيام به».
وقال مساعدها أندرو بيتس إن «الجمهوريين فى مجلس النواب يقولون للأمريكيين حرفياً إنهم مستعدون لإحداث أفظع انهيار فى التاريخ الحديث إذا لم يتمكنوا من خفض الإنفاق على البرامج الأكثر شعبية».
وبحسب وسائل إعلام أمريكية، فإن من بين النفقات التى ذكر الديمقراطيون أن الجمهوريين يريدون إلغاءها تلك المتعلقة بالتأمين الصحى خصوصا للمتقاعدين، وكذلك المساعدات الغذائية للفقراء.
تعثر كارثي
وبحسب شبكة «سى إن بى سى CNBC» أكد كل من زعيم الأغلبية الديمقراطى فى مجلس الشيوخ تشاك شومر، والنائب الديمقراطى فى مجلس النواب حكيم جيفريز، فى بيان مشترك، أنه «يجب على الكونجرس العمل على تشريع لمنع التعثر الكارثى، والوفاء بالتزامات الحكومة للحفاظ إلى السلم المجتمعى وحماية الائتمان للولايات المتحدة».
وأضاف البيان «أن التخلف عن السداد الذى فرضه الجمهوريون المتطرفون من حركة «MAGA» (وهى الحركة التى أطلقها الجمهوريون وتعنى جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) يمكن أن يغرق البلاد فى ركود عميق ويؤدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة لجموع الشعب الأمريكى بدءًا من الرهون العقارية وقروض السيارات إلى أسعار الفائدة على بطاقات الائتمان».
أزمات جديدة للاقتصاد العالمي
وبحسب ما أكدته وسائل إعلام عالمية فى إطار الرؤية التحليلية يحذر بعض المحللين بــ «وول ستريت» من أن اضطرابات السوق قد تحدث حتى لو لم تتخلف الولايات المتحدة عن السداد من الناحية الفنية، واضطرت إلى الاعتماد على مناورات غير مسبوقة لتجنب فقدان المدفوعات، وهو ما يلحق أضرارا جسيمة بالاقتصاد العالمى.
وفى هذا الصدد قال إليوت هينتوف، رئيس قسم أبحاث السياسات بـ «وول ستريت»: «فى جميع حلقات الحد الأقصى للديون السابقة، أدركت الحاجة إلى العروض المسرحية فى نهاية اليوم، نظرا لأنه كان يمكننى رؤية منطقة هبوط لكيفية حلها». فى شركة State Street Global Advisors. «هنا، لا أرى ذلك بعد، وهذا يجعلنى أشعر بعدم الارتياح».