https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

رمضان يعلن عن دور الأمة

1860

يتعجب الكثير من أحوال المسلمين فى شهر رمضان، وأول ما يشد انتباههم ترقب المسلمين لقدومه بلهفة وبشغف، وفور رؤية هلاله تنطلق أفراحهم، ويكمن سر تعجب هؤلاء فى سعادة المسلمين بالشهر، الذى يمتنعون فيه عن الطعام والشراب، ويتجنبون فيه جميع الشهوات المباحة لهم، برغم أن وقت الصيام قد يصل إلى 14ساعة، وفى بعض البلدان يتجاوز ذلك بأوقات مختلفة، وتشتد حيرة هؤلاء من مشهد تسابق جمهور المسلمين على أداء شعائر الشهر الكريم، حتى دفع عددا من هؤلاء المتعجبين إلى الصيام والإفطار معهم، وعند سؤالهم عن مدى شعوركم بعد صيامكم لفترة طويلة؟ كانت إجابتهم قولهم: إن سعادة عجيبة تغمرهم ممزوجة بالهدوء النفسي، أما حال المسلمين يختلف لأنهم يذوقون سكينة ورضا لم يعرفوهما طيلة شهور العام.

والتفسير لهذه الحالة أن الله يرسل رحماته ونفحاته الإيمانية فى أوقات محددة، ويدعو عباده للتعرض لها، بمعنى مضاعفة الجهد فى الطاعات والبعد عما نهى عنه، أما رحمات رمضان لا تقتصر على فترة وجيزة بل تتنزل على مدار 30 يوما، والشعور بالسعادة ليس نتيجة الفوز بربح مادى أو بوظيفة مرموقة، وإنما نتيجة لاستقبال المسلم المنح النورانية بقلب سليم وبطاعة خالصة، ويتطابق نفس الشعور مع حالة أهل الجنة، كما وصفهم المولى تعالى فى قوله « ولا هم يحزنون»، وكذلك فى قوله « وتحيتهم فيها سلام»، ويتجلى هذا فى الحديث الشريف «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار»، وبالتبعية لا بد أن تهب نسمات الجنة ويحجب فحيح النار والغضب والكراهية، وتتذوق قلوب وأرواح أهل التقوى نفحات من نعيم أهل الجنة، وهم ينعمون بالحياة على الأرض.

وحين تشعر أن نفسك تحلق فى أجواء من الصفا، وترى كل الوجود حولك جميلا، أعلم أن الصيام هو ما خلص نفسك من المشاعر السلبية كالغضب والحقد، وجمح لجام شهواتها كى تهدأ، بعد أن كانت مثقلة بها وبهموم الدنيا بقية العام، وهذا الانسجام بين غالبية المسلمين، جعل العديد من سكان الأرض فى حيرة، ويرغبون فى مشاركة المسلمين متعتهم، فالمسلمون أجود ما يكونوا فى رمضان، فضلا عن أنهم يصبحون أرقى خلقا فى أيامه، وذلك تأسيا بسيرة سيد الخلق، وكانت السيدة عائشة رضى الله عنها تصفه بأنه جواد وأجود ما يكون فى رمضان، فيجزل فى إطعام الطعام للفقراء والمساكين، وكان يكثر من الصدقة حتى وصفه الصحابة بالريح المرسلة، وذلك لشدة مواساته للفقراء فى هذا الشهر الفضيل، وكان لا يأكل إلا قليلًا، ليعلم أمته أن رمضان ليس شهر أكل وشرب ولهو، كما هو عادة كثير من المسلمين الآن، وليعلمهم أنه شهر عبادة وطاعة.

ويوضح الإمام الشافعى طبيعة المسلم غير المتخم بالطعام، ويقول: « ما شبعت منذ ست عشرة سنة، لأن الشبع يثقل البدن، ويضعف صاحبه عن العبادة»، ويؤكد كلامه أبى سليمان الرارانى أحد السلف الصالح بقوله « إذا أردت حاجة من حوائج الدنيا والآخرة فلا تأكل حتى تقضيها، فإن كثرة الطعام يغير العقل»، وبصفة عامة كانت أحوال السلف الصالح فى رمضان ذات طابع خاص، فالإمام مالك بن أنس إذا هلّا رمضان يترك دروسه ومجالس العلم، ويقبل على تلاوة القرآن الكريم من المصحف، وكان هذا سلوك أغلب أهل السلف، حتى بلغ ختم بعضهم للقرآن ستين ختمة ويتملكهم خلالها الخشوع والإدراك التام، ويعلن عمر بن الخطاب سعادته برؤية رمضان ويقول: «مرحبا بمطهرنا من الذنوب»، ويضاعف من الذكر والصدقات وتلاوة القرآن وإقامة الليل، وهو من سن صلاة القيام فى جماعة.

وعلة حرص أهل السلف وأهل الإيمان على إتيان هذه الفضائل فى الشهر الكريم، لأنها من خصال أهل الجنة، كما ذكرها الحديث الشريف: « إن فى الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها، قالوا لمن هى يا رسول الله؟ قال: لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام»، ولذا يعد شهر رمضان منحة إلهية رفيعة الشأن، ومن يضيعها فقد خسر خسرانا مبينا، ومن يغتنمها بحق يجنى مكاسب عظيمة، لا يمكن له أن يحصدها فى أوقات أخرى من العام، وتأكيدا لوعد الله إن كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به، نتيجة لإخلاص العبد الصائم فى الالتزام بترك جميع شهواته من أجل الخالق، وقد يفوق عطاؤه عما أختص به من ثواب للعبادات الأخرى، والسبب الثانى لأن الصائم المخلص لا تعرف عبادته الرياء، يتمسك بالطاعات حين يخلو بنفسه.

وهذه سنة الله فى خلقه، إن لكل مجتهدا نصيبا، وهكذا علمتنا الحياة أن على قدر المشقة يأتى الجزاء، وبطبيعة الحال لا تقارن أرباح العامل الصابر الدءوب بجزاء الفاشل المخادع، فالمسلمون كانت معظم انتصاراتهم فى شهر رمضان، ونصر حرب أكتوبر أقرب مثال إلى هذا الأمر، ونلاحظ الكثير من الطلاب يحصلون على أعلى الدرجات بعد أداء امتحاناتهم فى الشهر الكريم، برغم الجوع والعطش فى الحر الشديد، ويعاد لعظمة أجر الصائم مع عظمة جهده البدنى وجهاده للنفس أثناء أيامه ولياليه، لأن فى رمضان نزل أفضل الهدى منذ أن خلق الله الكون إلى السماء الدنيا وهو القرآن الكريم، وفيه نزل من السماء إلى الأرض على صدر الحبيب، إعلانا للنبى على حمل عبأ مسئولية الرسالة لنشرها، وإعلانا لأمة الإسلام على حسن قيامها بدورها العظيم المنوط بها، التى لم تقدر عليه الجبال، وهو أن تكون أمة وسطا، تدعو إلى الحق وتدحض الباطل، وتؤسس دعائم العدل، وتنشر مكارم الأخلاق من خلال طيب خطابها ومعاملاتها، فكان القرآن ورسالته تشريفا لرمضان، ومن ثم تشريفا للرسول ولأمته.