رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

تونس..حكاية استرداد وطن مختطَف منذ عشر سنوات

منظومة إعادة بناء الإنسان

589

الأسبوع الماضي تلقيت دعوة من وزارة الداخلية، لحضور افتتاح 3 مراكز للتأهيل والإصلاح بالعاشر من رمضان، ومدينة 15 مايو، وأخميم، ضمن المرحلة الثانية لمشروع من أهم مشروعات قطاع الحماية المجتمعية بوزارة الداخلية، والذي استهدف تعديلاً كاملاً في منظومة السجون، لتتحول إلى مراكز لتأهيل السجناء حتى إذا أنهوا فترة العقوبة خرجوا للمجتمع قادرين على المشاركة في البناء.

إنها فلسفة جديدة في منظومة إعادة بناء الإنسان.. فالمجتمعات تنمو وتزدهر بأبنائها..

ولأن الدولة المصرية، تقدمت بخطى ثابتة على طريق البناء والتنمية، لتوفير حياة كريمة لأبنائها، تعزيزًا لمسيرة العمل الوطني التي تستهدف بناء الإنسان المصري وتنمية قدراته، وتحسين مؤشرات التنمية البشرية، وتعزيز وحماية حقوق الإنسان، بما يدفع مسيرة الدولة في التطوير والتحديث لبناء الجمهورية الجديدة.

فقد حرصت الدولة على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ووضعتها موضع التنفيذ وإدماجها فى السياسات العامة للدولة.

ولأن مرتكب الجريمة قد يكون قد ضلَّ طريقه فى لحظة ضعف، جعلته يخالف القانون ويتعرض لإنفاذه عليه.. هنا تكون البداية، إما أن يسلك نفس الدرب ويواصل المسيرة فى طريق الجريمة، أو أن يجد من يقوده لتصحيح المسار عقب أداء فترة العقوبة.

فالمجتمعات للأسف الشديد تعاقب المجرم على جريمته مرتين، الأولى بتنفيذ العقوبة داخل السجن، والثانية هي حالة التربص والتنمر المجتمعي له عقب خروجه من محبسه، ويتعامل معه المجتمع على أنه مجرم طوال الوقت، مذكرًا إياه بجريمته لتظل حجر عثرة أمام استكماله لمسار حياته.

(1)

هنا كان التحرك، مع إطلاق الدولة المصرية لاستراتيجيتها الوطنية لحقوق الإنسان، لتبدأ معها أولى مراحل المنظومة المستحدثة فى تغيير المفاهيم والأساليب للسياسة العقابية، لتتحول إلى ما يعرف بالعدالة الإصلاحية، وتصبح مراكز الإصلاح والتأهيل، أهم مراحل إعادة بناء الإنسان، وتعقب مرحلة أداء العقوبة تذكرة خروج للحياة، تحول بينه وبين عودته مرة أخرى إلى طريق الجريمة.

لتتفق مع الرؤية والفلسفة الواضحة لمنظومة إعادة بناء الإنسان.

فمع نهاية عام 2021 تم افتتاح مركزي الإصلاح والتأهيل (وادي النطرون، وبدر) ضمن المرحلة الأولى لإصلاح المؤسسة العقابية.

ولتصبح تلك المراكز هي نقطة تحول وإصلاح للشخصية وفق منهج علمي دقيق، ومنظومة تعمل على تقديم كل أنواع الدعم، مرتكزة على مجموعة من البرامج المتكاملة؛ فقد تم تصميم مراكز الإصلاح والتأهيل الجديدة، وفق أسلوب علمي وتكنولوجيا متطورة، استخدم خلالها أحدث الوسائل الإلكترونية، كما تم الاستعانة فى مراحل الإنشاء والتجهيز واعتماد برامج الإصلاح والتأهيل، بأحدث الدراسات التي شارك فيها متخصصون فى كل المجالات ذات الصلة، للتعامل مع المحتجزين وتأهيلهم؛ لتمكينهم من الاندماج الإيجابي فى المجتمع عقب قضائهم فترة العقوبة.

وفي إطار تطوير الفلسفة العقابية بشكل كامل، وترسيخًا لقيم ومبادئ حقوق الإنسان، تم العمل على تعديل المصطلحات والمسميات، حتى تتوافق مع واقع سياسات التنفيذ العقابي الحديث؛ فقد حرصت وزارة الداخلية على تقديم مشروع قانون لتعديل بعض أحكام قانون السجون والقوانين ذات الصلة، لتحويل السجون إلى «مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعي»، وتعديل مسمى قطاع السجون؛ ليصبح «قطاع الحماية المجتمعية»؛ ليكون معبرًا عن التطور النوعي الذي يتم حاليًا فى آليات عمل القطاع.

وشملت تعديلات قانون تنظيم السجون فى مصر، الصادر فى مارس عام 2022، حزمة واسعة من التطوير الشامل لمنظومة السجون، ومن بينها تغيير مسمى السجون الوارد فى القانون القديم، إلى مراكز إصلاح وتأهيل عمومية، أو مراكز إصلاح جغرافية، أو مراكز إصلاح وتأهيل خاصة، وكذلك تغيير اسم السجناء إلى نزلاء، ومأموري السجون إلى مديري مراكز تأهيل، وقطاع السجون إلى قطاع الرعاية الاجتماعية.

لم يكن التعديل مجرد تغيير لفظي، لكنه كان منهجًا وخطوات وعملاً على أرض الواقع، نتاجه تغير حقيقي فى الفلسفة العقابية وسلوكيات الأفراد، من المحكوم عليهم قضائيًا ويقضون فترة العقوبة.

(2)

فقد حرصت استراتيجية وزارة الداخلية، الهادفة فى أحد محاورها على إعلاء قيم حقوق الإنسان، على تقديم كل أوجه الدعم والرعاية لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل والعمل على مراعاة البعد الاجتماعي والإنساني ولتحقيق أكثر قدر من الاستقرار النفسي لهم.

فتم إنشاء سجل لكل نزيل لتحديد الأسلوب الملائم لتقويم سلوكه، والاستعانة بخبراء علم النفس ورجال الدين لتقويمه.

ليصبح الأمر مثل «السجل الطبي» الذي ينشأه الطبيب المعالج للمريض، مستهدفًا تحديد تطورات الحالة الصحية له بدقة، حتى يكون العلاج أكثر تأثيرًا وفاعلية، مستهدفًا أعلى نسبة شفاء.

ويأتي ذلك فى إطار السعي لإعلاء قيم حقوق الإنسان بمراكز الإصلاح، والعمل على احترام كرامة النزيل (السجين)، كما عملت على التعليم وتصحيح الأفكار وتوظيف الطاقات فى المهن المختلفة، وكذا حرصت على دمج النزلاء بالمجتمع من خلال استحداث برامج جديدة ومتطورة استهدفت إعادة بناء الإنسان.

فقد نجح قطاع الحماية المجتمعية بوزارة الداخلية فى الارتقاء بالمستوى السلوكي والأخلاقي للنزلاء، وعمد إلى الاهتمام بصحتهم من خلال تقديم جميع سبل الرعاية الصحية لهم.

ولقد أثبتت التجربة نجاح برامج الإصلاح فى تعديل سلوك النزلاء، الأمر الذي أكد أن الاستراتيجية التي وضعتها وزارة الداخلية والتي جاءت وفق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان تسير فى الطريق الصحيح.

لقد تم الانتهاء فعليًا من المرحلة الثانية، باستبدال السجون التقليدية بمراكز إصلاح متطورة، وتم إغلاق 15 سجنًا تقليديًا وخلال المرحلة الثالثة سيتم إغلاق باقي السجون.

كما تم إجراء 1270 عملية جراحية للنزلاء، و٢٧ ألف تحليل وأشعة للنزلاء، كما أن قطاع الحماية المجتمعية يقوم بمسح طبي شامل للنزلاء للتأكد من خلوهم من أي أمراض مزمنة، وفق مناهج طبية حديثة.

وتم استحداث مشروعات إنتاجية جديدة لتحقيق منظومة متكاملة، لتوفير مصدر رزق للنزيل، وطرح هذه المنتجات بأسعار مخفضة فى معارض قطاع الحماية المجتمعية.

ليتحقق الهدف، وهو إعادة بناء الشخصية، لكي يصبح عنصرًا إيجابيًا فى المجتمع، قادرًا على الاندماج.

كما تم استحدث برامج علمية لتنمية المواهب ورفع المستوى الثقافي والارتقاء بمواهب النزلاء وميولهم وتعزيز القيم الإيجابية لديهم.

لقد ارتكزت الاستراتيجية الأمنية فى إدارة المؤسسات العقابية والإصلاحية، على محاور الفلسفة العقابية الحديثة، التي تقوم على تحويل أماكن الاحتجاز التقليدية، إلى أماكن نموذجية، لإعادة تأهيل النزلاء (السجناء) من منطلق أحقية المحكوم عليهم بألا يعاقبوا على جُرمهم مرتين، حتى لا تتوقف الحياة بهم وبأسرهم عند ذنب اقترفوه، بما يعد ترجمة واقعية للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتي تم إطلاقها مؤخرًا.

وتتضمن خطط إعادة التأهيل المطبقة بتلك المراكز العصرية، برامج متكاملة، شارك فى إعدادها عدد من المتخصصين فى مختلف مجالات العلوم الاجتماعية والصحة النفسية، وتشمل الاهتمام بالتعليم وتصحيح المفاهيم والأفكار، وضبط السلوكيات، وتعميق القيم والأخلاقيات، وصولاً لتحصين النزيل من الانحراف مرة أخرى، وحماية مجتمعه من أي خطورة إجرامية محتملة كانت تسيطر على سلوكه.

والمثير للإعجاب فى برامج الرعاية الاجتماعية التي تطبق داخل مراكز الإصلاح والتأهيل، أنها لا تقتصر فقط على النزلاء، لكنها تمتد لأسرهم أثناء فترة عقوبتهم؛ وذلك من خلال إدارة الرعاية اللاحقة، والتي تقوم أيضًا بمتابعة حالات المحكوم عليهم عقب الإفراج عنهم، فيتم تقديم الدعم لهم وتوفير فرص عمل لهم، والمساهمة فى تجهيز «بناتهم المقبلات على الزواج»، والهدف من ذلك إزالة الحاجز النفسي وإعادة انخراط السجناء فى المجتمع من جديد.

كما تم إبرام بروتوكول تعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، يتم بمقتضاه تشغيل المدارس الثانوي (الصناعي والزراعي) بمراكز الإصلاح والتأهيل، وكذا التنسيق مع وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية.

وإعداد أماكن للتدريب والتأهيل على المهن الفنية المختلفة؛ وذلك فى إطار برامج علمية قائمة على توجيه طاقة النزيل للمهنة التي يصلح لها، وإتاحة فرص عمل له أثناء فترة العقوبة، بما يعود عليه وعلى أسرته بعائد مالي، يتم توجيهه وفقًا لاحتياجاته، والاحتفاظ بجزء منه كمكافأة تمنح للنزيل عند خروجه، تساعده على مواجهة متطلباته المعيشية.

إنه تطبيق متكامل للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان على أرض الواقع تستهدف إعادة بناء الإنسان وتحول فترة أداء العقوبة داخل مراكز الإصلاح والتأهيل إلى مرحلة حصول على تذكرة خروج للحياة بشكلٍ أفضل.

دار القرآن

دائمًا مصر.. فهي الدولة التي قدمت وتقدم للعالم الإسلام الوسطي، بأزهرها الشريف وعلمائه، فهي الدولة التي صدّرت علوم القرآن إلى العالم.

لتعلن مصر وفي أول ليلة من رمضان افتتاح أحد أكبر مساجد العالم (مسجد مصر بالمركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة الإدارية) والذي يضم دارًا للقرآن الكريم بها 30 رواقًا نُقش على كل منها جزء كامل  من أجزاء المصحف الشريف.

وتتوسطها نسخة أصلية من مصحف عثمان.