رئيس التحرير
رسائل من لقاء رئيس الوزراء بالإعلام
By amrسبتمبر 21, 2025, 16:37 م
257
لم تعد العاصمة الإدارية مجرد مشروع عمراني جديد، بل تحولت إلى رمز لفكرة أكبر: قدرة المصريين على صناعة المعجزات بالإرادة والعمل المنظم ومواجهة التحديات.
قبل ثماني سنوات فقط، كانت الأرض التي تحتضن اليوم الحي الحكومي، قوس النصر، النهر الأخضر والمدينة الطبية، الحي الدبلوماسي، الأحياء السكنية، حي المال والأعمال، مجرد صحراء ممتدة. واليوم، تقف هذه الإنجازات كبرهان على أن التخطيط الاستراتيجي والإرادة السياسية والاحترافية فى التنفيذ، يمكن أن تعيد صياغة الجغرافيا والتاريخ معًا.
بدت العاصمة الإدارية وكأنها تجسد “أحفاد الفراعنة صناع الحضارة ” فهذه الإنجازات لم تكن لتتحقق لولا إرادة صلبة، ورؤية وطنية، وثقة شعب فى قيادته.
زيارة مجلس الوزراء فى قلب العاصمة الجديدة لم تكن مجرد رحلة عابرة، بل كانت مدخلًا لفهم كيف تفكر الدولة المصرية فى حاضرها ومستقبلها. فاللقاء الذي جمع الدكتور مصطفى مدبولي بنا رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة والمواقع الإلكترونية، وحضره المهندس عبد الصادق الشوربجي رئيس الهيئة الوطنية للصحافة والمهندس خالد عبدالعزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام وأحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام وامتد لأكثر من 3 ساعات متواصلة (195 دقيقة)، كشف خلاله رئيس الوزراء ملامح الرؤية المصرية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وكيف ترى الحكومة دور الإعلام فى معركة الوعي.

خصص رئيس الوزراء مساحة واسعة للحديث عن الإعلام باعتباره أحد أعمدة الأمن القومي. فى ظل سيل الشائعات والحروب النفسية التي تستهدف ضرب ثقة المواطن فى دولته، وأكد مدبولي أن الجبهة الداخلية تبدأ من وعي المواطن، وكلما كان الإعلام قادرًا على تقديم الحقائق بموضوعية، كان المجتمع أكثر قدرة على الصمود.
لم يكن هذا مجرد توصيف عام، بل رسالة مباشرة بأن المعركة لم تعد عسكرية فقط، وإنما حرب سرديات تستوجب أن يكون الإعلام شريكًا أصيلًا فى حماية الاستقرار.
على صعيد الاقتصاد، قدّم رئيس الوزراء قراءة شاملة لمجموعة من الملفات:
التضخم والأسعار، وكيف استطاعت الدولة خفض التضخم من 38% فى سبتمبر 2023 إلى 12% حاليًا، وهو ما اعتبره خطوة أولى على طريق إعادة ضبط الأسواق، مع توقعات بمزيد من الانخفاض.
العدالة الاجتماعية: مشروع “حياة كريمة” يمثل الركيزة الأبرز فى إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية بمفهومها الشامل، بعد أن استفاد منه نحو 7 ملايين مواطن فى مرحلته الأولى، من تطوير للبنية التحتية للقرى والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية وتوفير فرص العمل من خلال المشروعات، لتبدأ المرحلة الثانية بخطة أكثر اتساعًا.
الإسكان والعشوائيات: النجاح فى القضاء على المناطق غير الآمنة وتوفير مساكن حديثة لأكثر من 300 ألف أسرة، ليتمتع أكثر من مليون ونصف المليون مواطن بحياة تليق به بعد أن ظل لعدة عقود يعاني من العوز.
لم يكن مشروع القضاء على المناطق غير الآمنة والقضاء على العشوائيات مجرد مشروع إنشائي، بل إعادة إنتاج لفكرة العدالة المكانية.
الطاقة والبترول: حرصت الدولة على التوسع فى الطاقة الجديدة والمتجددة وخفض مديونية قطاع البترول للشركاء الأجانب، مما ساهم فى عودة الحقول للعمل بكامل طاقتها، ما يعكس قدرة الدولة على إدارة ملف معقد فى ظل أزمات عالمية متشابكة.
بل استطاعت الدولة تأمين احتياجاتها من الغاز لمدة 5 سنوات قادمة.
المديونية والنمو: حرصت الحكومة على وضع رؤية شاملة للملف الاقتصادي (مرحلة ما بعد صندوق النقد) شملت رؤية للسنوات الخمس المقبلة تستهدف خفض الدين العام والدين الخارجي ورفع معدلات النمو، وفق سيناريوهات متعددة تراعي التغيرات الإقليمية والدولية.
أما على صعيد قضية مياه نهر النيل و الأزمة فى قطاع غزة.
أكد مدبولي أن مصر لا يمكن أن تفرط فى قطرة مياه واحدة من حصتها فى نهر النيل، واصفًا الأمر بأنه “قضية حياة”، إذا كانت مصر تؤمن بأهمية التنمية لدول القارة وتدعم هذا التوجه فإنها أيضا تعتبر المساس بقطرة مياه من حصتها هي قضية وجودية.
وفى القضية الفلسطينية، أعاد التأكيد على الثوابت المصرية: لا للتصفية، لا للتهجير، ولا للمساس بالسيادة المصرية. وهي رسائل واضحة بأن القضايا المصيرية ما زالت تحكم معادلة الأمن القومي المصري.
لم يكن اللقاء الذي أجاب فيه رئيس الوزراء عن 84 سؤالا ومقترحا مجرد استعراض لإنجازات الحكومة أو شرح لبرامجها المستقبلية، بل كان بمثابة تجديد لعقد الثقة بين الدولة والإعلام. فالإصرار على الحوار المفتوح مع رؤساء التحرير يعكس إدراكًا عميقًا بأن شرعية أي مشروع وطني تعتمد بشكل أساسي على الوعي الجمعي الذي يصون هذه الإنجازات.
العاصمة الإدارية هنا لم تكن مجرد خلفية مكانية للقاء، بل رمز لرسالة أوسع: إذا كانت مصر استطاعت أن تحوّل الصحراء إلى مدينة متكاملة خلال أقل من عقد، فهي قادرة أيضًا على تحويل الأزمات إلى فرص، والتحديات إلى حوافز للتقدم.
خرجت من اللقاء بانطباع أن الحكومة المصرية تسعى إلى الانتقال من مرحلة إدارة الأزمات إلى مرحلة صناعة المستقبل، مع إدراك أن الإعلام ليس مجرد ناقل للخبر، بل لاعب رئيسي فى معركة تشكيل الوعي.
إنها رسالة مزدوجة: للداخل بأن قوة مصر تبدأ من تماسكها الداخلي، وللخارج بأن هذا البلد، الذي يحمي ماءه وحدوده وقضيته المركزية، قادر على الاستمرار فى بناء دولة عصرية رغم كل العواصف.
