رئيس التحرير
صرخة «جدوع» .. واستجابة أم الدنيا
By m kamalسبتمبر 28, 2025, 13:58 م
113
مشهد لم يتجاوز الثواني العشرة.. طفل فى العقد الأول من عمره يحمل على كتفيه شقيقه ويسير حافيا على تراب الوطن فى شارع الرشيد بقطاع غزة، لم يبق له سوى النداء ودموعه وصرخاته المزلزلة فى طريق البحث عن الأمان بعد أن فقد طريق الوصول إلى أهله.
ثوان التقطتها عدسات المصورين، وتناقلتها شاشات الفضائيات، وألهبت درجة حرارتها السوشيال ميديا بالتعليقات والمشاركة، وانهمرت دموعنا جميعا، وتقطعت أكبادنا حزنا على ذاك الصغير وشقيقه.
صرخ “جدوع” مستنجدا بأمه “يا ماااااااه” لكنها لم تكن تسمعه.. فقدته فى طريق النزوح الجديد الذي يضاف إلى سجل مجرمي الحرب من الإسرائيليين، صفحة أخرى من صفحات القتل والدمار والإرهاب وجرائم الإبادة الجماعية التي لا يتوقفون عن ممارستها يوميا وسط صمت دولي مطبق.

صرخ ” جدوع” ليس من ثقل شقيقه الذي ظل يحمله على كتفيه لعدة كيلومترات متجها نحو جنوب غزة، بحثا عن الأمان وهروبا من رصاصات القتل الإسرائيلية التي لا تفرق بين الأطفال العزل الأبرياء وبين المقاتلين.
صرخ، لكنه لم يكن يصرخ من ألم لهيب الشمس التي رفعت درجة حرارة الأرض فى فلسطين المحتلة، فتكاد تكوي قدميه الحافيتين.
صرخ؛ ولم يكن يدرك أن هناك أذنا قد سمعت وقيادة قد أصدرت توجيهاتها للتحرك لإغاثته.
إنها من أم الدنيا. غوث المستغيثين، وأمان الخائفين، لم تتخل يوما عن دورها.
(1)
جاءت توجيهات السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، بضرورة الوصول إلى الطفلين، ولم شمل الأسرة، وتقديم كافة أوجه الدعم إليهما والمعونة للتخفيف من حدة الأزمة عليهما.
وفى الوقت الذي كان العالم الصاخب على شبكات التواصل الاجتماعي بالفضاء الأزرق وعبر الفضائيات مشغول بمتابعة الأحداث فى الأراضي الفلسطينية المحتلة، كان الأبطال من اللجنة المصرية فى قطاع غزة الذين يعملون على تخفيف حدة الأزمة على أهلنا الفلسطينيين بالقطاع وتوصيل الغذاء والدواء وتوفير مأوى آمن لهم يعملون دون توقف أو كلل، لتنفيذ توجيهات الرئيس السيسي، يبحثون فى كل مكان من قطاع غزة لإغاثة الصغير الذي تاه هو وشقيقه عن أسرتهم.
لم تمض 24 ساعة حتى جاء الإعلان موثقا بالصوت والصورة لوصول اللجنة المصرية، للطفلين وأيضا إلى أسرتهم (الأب والأم) ونقلهم جميعا إلى إحدى خيام المخيم الرابع بمنطقة الزوايدة بوسط قطاع غزة. لا أعلم كيف كانت اللحظة وأثرها عليهم، لكنى أستطيع أن أقول إنها ستظل محفورة فى أذهان جدوع وشقيقه وأسرته.
نادى وهو يظن أنه لا أذن تسمع، ولا عين ترى، لكن الله سخر له من سمع فلبى، ورأى فسعى لإنقاذ الطفلين.
على الفور، قام قائد فريق اللجنة المصرية بقطاع غزة ومن معه من الشباب وبتوجيه من الرئيس السيسي بالبحث عن الطفل وأسرته ورغم صعوبة الأمر لعدم وجود أي هواتف لأسرة الطفلين إلا أنهم استطاعوا الوصول إليهما، وتم نقل الطفل “جدوع” وأسرته إلى مخيم اللجنة المصرية بوسط القطاع ليكونوا أكثر أمانا.
ليرى العالم المخيمات التي أنشأتها اللجنة المصرية فى قطاع غزة لتأوي النازحين من أبناء الشعب الفلسطيني هربا من نيران قوات الاحتلال فى القطاع، وتقدم لهم العون.
فى الشتاء الماضي وبالتحديد فى ديسمبر 2024 بدأت مجموعة الأيادي المصرية التي حرصت على تقديم العون وتخفيف حدة الشتاء على أهلنا فى القطاع وتقديم المساعدات المادية والعينية لهم، ثم تطورت تلك المجموعة، والتي تحولت إلى “المجموعة المصرية” فقامت بإنشاء المخيمات وتقديم الأغذية والمساعدات بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإغاثية مثل تحيا مصر والهلال الأحمر المصري والتحالف الوطني للعمل الأهلي، فأنشأت المخيمات المصرية فى شمال ووسط وجنوب قطاع غزة، ومن المخيم المصري الأول إلى الثاني ثم الثالث والرابع والخامس وقريبا المخيم السادس ويجري تجهيز مخيمات جديدة على مساحة 100 ألف متر داخل قطاع غزة، عمل متواصل من أجل تخفيف الأزمة عن الأشقاء الفلسطينيين بقطاع غزة.

المخيمات المصرية داخل القطاع باتت مصدر الأمان يلجأ إليها الفارين من ويلات القصف الإسرائيلي فى القطاع، لتؤمن لهم المأكل والماء والدواء.
صورة عبرت عن قدرة الدولة المصرية وحرصها الدائم على دعم الأشقاء الفلسطينيين الصامدين المرابطين المدافعين عن وطنهم.
لبت مصر نداء الطفل “جدوع” ليكشف المشهد الكذب والزيف الذي قدمته من قبل قوى الشر الإعلامية عن أن مصر تقوم ببناء مخيمات داخل أراضيها بسيناء استعدادا لاستقبال الفلسطينيين النازحين.
أكاذيب صدرت باحترافية شديدة عملت عليها الآلة الإعلامية لقوى الشر ومعاونيها، لتأتي حادثة الطفل الفلسطيني “جدوع” فتكشف حجم العمل الذي تقوم به اللجنة المصرية الفلسطينية داخل قطاع غزة رغم التحديات.
وتؤكد أن الثوابت المصرية لن تتغير، فمصر لن تقبل تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، كما لن تقبل تصفية القضية، كما أنها لن تسمح بالتفريط فى حبة رمل واحدة من تراب هذا الوطن الذي روي بدماء أبنائه.
لقد استطاعت مصر خلال الفترة الماضية بتحركاتها الدبلوماسية أن تكشف المشهد الحقيقي أمام العالم، ليدرك المجتمع الدولي أن ما يحدث فى الأراضي الفلسطينية المحتلة جريمة حرب وإبادة جماعية مكتملة الأركان.
لقد جاء تصويت 142 دولة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على إعلان الدولة الفلسطينية من بينها بريطانيا وفرنسا وأستراليا وكندا بمثابة زلزال هز أركان الحكومة الإسرائيلية التي لا تعرف سوى لغة الدم.
كما كانت رسالة المجتمع الدولي قوية رغم أنها أتت متأخرة، عندما انصرف أكثر من نصف الحضور بالجمعية العامة للأمم المتحدة عندما أعلن عن كلمة “بنيامين نتنياهو” رئيس الحكومة الإسرائيلية.
(2)
ولأن الحرب ضد الدولة المصرية لم ولن تتوقف فقد حرصت أدوات قوى الشر دائما على تشويه المشهد بورقة حقوق الإنسان المسمومة.
ففي الوقت الذي احتلت فيه مصر المركز الثاني عالميا فى مؤشر العطاء لعام 2025 متفوقة على دول ذات اقتصادات أقوى، بلغت نسبة العطاء فى مصر 2.45% من دخل الفرد، وفقًا لتقرير مؤشر العطاء العالمي 2025 الصادر عن مؤسسة Charities Aid Foundation البريطانية، يقيس المؤشر مدى استعداد الأفراد لتخصيص جزء من دخلهم للأعمال الخيرية والمنظمات التطوعية، وليس حجم الأموال فقط.
يمثل هذا التصنيف إنجازًا ملحوظًا نظرًا للتحديات الاقتصادية التي قد تواجه الدول، ويعكس قوة البنية الاجتماعية وثقافة التبرع المتجذرة فى المجتمع المصري.
من هنا حرصت قوى الشر على تشويه المشهد خاصة فى الوقت الذي تتقدم فيه مصر بأوراق ترشحها لعضوية مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.
فنسجت الأكاذيب وحاولت إعادة إنتاج الزيف من جديد مستغلة مجموعة من أدواتها وعملائها، فى الداخل والخارج.
وخلال تقرير زعم ما يسمى بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بأنه وثق وجود مقابر جماعية فى سيناء لأشخاص تم قتلهم خارج نطاق القانون، مستندا لتقرير نشرته منظمة سيناء لحقوق الإنسان التابعة للمدعو مسعد أبو فجر، وهو لمن لا يعرفه كان موظفا فى هيئة قناة السويس وتم فصله لنشره معلومات كاذبة، وهو يرى أن الاحتلال الإسرائيلي لسيناء جنة، فهو معجون بالخيانة، ومنبوذ من أهالي سيناء، قدم نفسه لقوى الشر كناشط سيناوي، فرحبت به كونه سيخدم مصالحهم وأغدقوا عليه المال بعد أن سافر إلى لندن.
استعان مسعد أبو فجر بأحمد سالم ومحمد سلطان فى تقريره المكذوب، والذي صاغته الأمريكية ” سارة ليا ويتسن” التي عملت فى “هيومن رايتس ووتش” الأمريكية، حيث تولت إدارة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لأكثر من 16 عاما.
حرصت خلالها على القيام بحملات تحريضية ضد دول عربية بعينها، وعلى رأسها مصر والسعودية والإمارات والبحرين، مستخدمة تقارير مزيفة عن حقوق الإنسان.
بعد مغادرتها هيومن رايتس ووتش عام 2020، أسست منظمة DAWN فى واشنطن بتمويل خاص.
لم يكن اختيارها كعضو مجلس إدارة “مؤسسة سيناء لـحقوق الإنسان” صدفة، بل كان جزءا من معادلة مدروسة باحترافية من قوى الشر للجمع بين واجهات محلية تبيع رواية الإرهاب كـ “حقوق إنسان”، وبين واجهات دولية تمنح هذه الروايات غطاءً دولياً.
التقرير المكذوب تحدث عن الفترة من 2013 وحتى 2019 وهي الفترة التي كانت مصر فيها تواجه معركة وجود ضد التنظيمات الإرهابية الممولة والمدعومة ماليا وعسكريا ولوجستيا من نفس الإدارة التي تتلقى منها منظمة مسعد أبو فجر أموالها.
وخلال تلك المواجهة سقط الكثير من عناصر التنظيمات التكفيرية، ولك أن تتخيل أن يوم 1 يوليو 2015 الحدث الأشهر والأهم فى تلك المواجهة والذي استهدفت به قوى الشر من خلال العناصر التكفيرية 15 كمينا فى توقيت متزامن بأكثر من 300 عنصر إرهابي للوصول إلى إعلان ولاية سيناء، لكن أبطال القوات المسلحة المصرية والشرطة وأبناء سيناء الشرفاء تصدوا لهم وقتل فى تلك المواجهة أكثر من 100 تكفيري، وهوما يعتبره أبو فجر ومنظمته ومن يعاونهم قتل خارج القانون.
لقد شهدت سيناء معركة فى مواجهة الإرهاب من أخطر المعارك فى تاريخها الحديث، واستطاعت الدولة المصرية أن تنتصر على الإرهاب ليأتي مثل هؤلاء الخونة، فيقدموا تلك العناصر الإرهابية على أنهم قتلوا خارج نطاق القانون.
إنهم يتنفسون الخيانة، ويقتاتون من دماء الوطن.
الأخطر من ذلك أن تجد مركزا مثل مركز القاهرة لحقوق الإنسان الذي يتخذ من تونس مقرا له ويديره “بهي الدين حسن” يروج لتلك الروايات المكذوبة، واصفا مواجهة القوات المسلحة والشرطة للإرهاب فى سيناء بأنه نزاع مسلح، وكأن تلك العناصر التكفيرية من المرتزقة والمدعومين من قوى الشر كانوا من أبناء الوطن.
إن ما شهدته سيناء كان مواجهة ضد عناصر تكفيرية تستهدف اغتصاب الأرض وهو ما لا يمكن السماح به أو التفريط فى حبة رمل منه.
لقد عمدت منظمة «Forensic Architecture» التي تتخذ من لندن مقر لها إلى تقديم فيديو مدته دقيقة و40 ثانية، ذكرني بذلك الفيديو الذي قدمه كولن باول وزير الخارجية الأمريكي عام 2003 المكذوب حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، ثم جاء بعد عدة سنوات ليعترف بكذب تقريره، وأنه قد تعرض لتضليل، ولكن العراق كانت قد دمرت جراء كذبه.
إنها آلة صناعة الكذب التي تستهدف الدول تحت زعم الدفاع عن حقوق الإنسان، وهي فى الحقيقة ليست سوى آلة تدمير للمجتمعات ونشر الأكاذيب.
التقرير الذي روج له عدد من المنظمات التابعة لقوى الشر يستهدف النيل من مكانة مصر، ودورها فى حماية حقوق الإنسان وما قدمته فى ذلك الملف ويشهد به العالم، وفق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021-2026، كما يستهدف التأثير على تصويت الدول لصالح عضوية مصر لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.
لكن تلك الأكاذيب لن تجدى نفعا فالعالم يدرك الصورة الحقيقية لما تقوم به مصر وما تقدمه فى ملف حقوق الإنسان.