صالون الرأي
مصر والتقارير الدولية
By mkamalأكتوبر 28, 2018, 15:39 م
1683
سؤال.. هل يجب أن ننشغل بالتقارير الدولية التى تصدر عن مصر وما يجرى فيها، وخاصة أوضاع الاقتصاد المصرى؟.. أم يجب أن نحسن قراءة الواقع، والمؤشرات الاقتصادية الرئيسية، وماذا كنا وكيف أصبحنا؟
فى الحقيقة هناك تباين بين وجهتى النظر السابقتين فى المجتمع المصرى، فالبعض يرى أن مصر جزء من العالم، ولا يمكن أن تنعزل عما يجرى حولها، فنحن فى حاجة لمزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وزيادة التبادل التجارى مع كل دول العالم، فضلا عن التدفقات السياحية الخارجية.
ومن ثم يجب أن نتابع كيف يرانا الآخرون، وخاصة مراكز الأبحاث والدراسات المتخصصة، وكذلك المؤسسات الكبرى.. كصندوق النقد والبنك الدولى وغيرهما.
وجهة النظر الأخرى ترى؛ أن أهل مكة أدرى بشعابها، والواقع يكشف عن نفسه، خاصة أن بعض هذه التقارير يصدر لأهداف سياسية، وأن بعضها يعتمد على أرقام قديمة نسبيا، ومن ثم تكون موجهة ومغرضة، وقد عانت مصر كثيرًا من بعض تلك التقارير، خاصة فى قطاع السياحة.
وفى رأيى ألا نبالغ ولا نهون، أى لا نحتفى كثيرًا بمثل تلك التقارير لأنها تعتمد على ما يسمى بالاقتصاد الرقمى، والذى أحيانًا ما يكون مخالفًا للواقع.. أى الاقتصاد العينى.. حيث حجم الإنتاج ومعدل الإنتاجية، وحجم السوق ومعدل الاستهلاك، وأيضا حجم الصادرات ونسبة تغطيتها للواردات الخارجية.. إلخ، ومع ذلك يجب أن نهتم ونرحب بما يصدر عن البنك الدولى أو صندوق النقد الذى اتفقنا معه على برنامج للإصلاح الاقتصادى، حيث متابعة خبراء الصندوق وما يصدر عنه من تصريحات بشأن مصر بمثابة «شهادة» عن جدارة الاقتصاد المصرى وجاذبيته للاستثمارات الخارجية.
وأيضا يجب ألا نهون من تلك التقارير.. حتى ولو كانت سلبية، لأنها قد تكشف بعض العيوب أو المعوقات، كما أنها تشير إلى «ترتيبك» بين المنافسين الآخرين، فالعبرة دائمًا عند التقييم الصحيح ليس إلا.. كيف كنت وماذا أصبحت؟ فقط.. ولكن إلى أى مدى وصل المنافسون؟ والذين بدأوا معك السباق.
أقول ذلك بمناسبة صدور تقرير مؤشر التنافسية للعام الحالى، والذى يقيس التنافسية بين دول العالم، وماذا حقق كل منها، وهل تراجعت مؤشراتها الأساسية أم حققت زيادات ملحوظة؟ خاصة أن التقرير يقيس 12 ركيزة تضم 98 مؤشرًا حول مدى استقرار الاقتصاد الكلى، والبنية التحتية، والتعليم، والصحة، وسوق العمل، والنظام المالى، وحجم السوق، والقدرة على الابتكار، وقوة المؤسسات المجتمعية.. إلخ.
وقد كشف التقرير أن مصر حققت تقدمًا طفيفًا بنسبة 0.4%، لتحتل المرتبة 94 من إجمالى 140 دولة، مقابل المرتبة 94 أيضا ولكن من إجمالى 135 شملهم التقرير العام الماضى.
ومن حُسن الحظ أن لدينا فى مصر «مجلسًا وطنيًا للتنافسية» يتابع مثل هذه التقارير سنويا، كما أن المركز المصرى للدراسات الاقتصادية هو الشريك الوطنى فى إعداد الاستبيانات الخاصة بمصر فى هذه التقارير التى يصدرها المنتدى الاقتصادى العالمى.
والخبر السار فى الموضوع أيضا أن رئيس الجمهورية شكل لجنة وزارية لدراسة التقرير ومعالجة كل ما جاء فيه حول مصر من مؤشرات، كما عرض التقرير بالمعهد القومى للتخطيط حيث درسته لجنة علمية انتهت لتوصيات محددة، وكذلك فى المركز المصرى للدراسات الاقتصادية حيث خضع لمناقشة مجموعة من الخبراء والمتخصصين منهم د. حسام بدراوى، ود. طارق توفيق، ود. جيهان صالح، وهانى توفيق ود. عبلة عبد اللطيف، وعمر مهنى.. وآخرون.
وقد كشف التقرير أن مصر حققت تقدمًا ملحوظًا فى كل من: استقرار الاقتصاد الكلى، وأسواق المنتجات، والنظام المالى، وديناميكية الأعمال.
بينما انخفضت مؤشرات مصر فى كل من الصحة، والتعليم، والديون، وسوق العمل، والقدرة على الابتكار.
وقد كشفت المناقشات أن مصر وضعت خطة للديون الخارجية، ولكن لم يتم تحديد هذا السقف كحجم أو نسبة من الناتج المحلى الإجمالى، وقيل إن أقساط الدين وفوائده تستحوذ على حوالى 50% من موازنة الدولة.
أما بالنسبة للتعليم، فقد أشاد الجميع بما يحدث فى التعليم من تطوير، ولكنهم أشاروا إلى غياب الرؤية المتكاملة، والتفاصيل الإجرائية، وكان يجب على الوزارة أن تصدر «كتيبًا» يتضمن كل ذلك، خاصة أن المراحل التعليمية فى مصر تضم أكثر من 24 مليون طالب وتلميذ، وأن لدينا حاليًا 55 ألف مدرسة، ونحتاج إلى حوالى 100 ألف مدرسة أخرى، ومن ثم يجب أن يقوم النظام التعليمى الجديد على عناصر الإتاحة والجودة والعدالة، فضلا عن هدفه الأساسى وهو بناء الشخصية السوية للطلاب، ويؤهلهم للمنافسة فى أسواق العمل المحلية والدولية.
وهو أيضا ما أكدت عليه اللجنة العلمية التى ناقشت التقرير بالمعهد القومى للتخطيط، حيث سيؤدى ذلك إلى تحسين رأس المال البشرى فى مصر، والتى طالبت أيضا بضرورة وضع معوقات أداء الأعمال فى مصر ضمن أولويات استراتيجية مصر 2030، كما أشارت إلى ضرورة تحسين جودة المؤسسات البحثية فى مصر وزيادة الاهتمام بالابتكار وقيمة المهارات المتاحة.
وقد أشارت اللجنة أيضا إلى الإصلاحات الاقتصادية التى تمت فى مصر مؤخرًا، وهو ما أدى إلى تحقيق معدل نمو بلغ حوالى 5.5% فى ظل الظروف المضطربة التى تسود المنطقة، والحروب التجارية العالمية.
والخلاصة.. أننا يجب أن نعمل بإخلاص وبجدية حتى نحسن أوضاعنا الحالية على المستوى الاقتصادى والاجتماعى، ولا مانع أن نتابع ما يجرى حولنا فنحن جزءً من العالم، نتأثر بما يجرى فيه اقتصاديًا وتجاريًا.
ولا مانع أيضا أن نتابع ما يصدر بشأننا من تقارير دولية، ونعالج ما قد يأتى بها من سلبيات أو معوقات.
مصر بلد غنى بأبنائه وموارده
والمستقبل أفضل بإذن الله