حاتم فاروق
هناك اتفاق تام بين خبراء الاقتصاد من جهة، ومؤسسات الدولة من جهة أخرى، أن الطبقة المتوسطة فى المجتمع المصرى، هى المحرك الرئيسى لنمو الاقتصاد الوطنى والداعم الأول للناتج المحلى الإجمالى للوطن والعمود الفقرى لحركة الأسواق المصرية ونمو القطاعات الاقتصادية المحلية.
أسباب كثيرة ومتنوعة جعلت الطبقة المتوسطة فى المجتمع تقود نمو الاقتصاد الوطني، منها أنها تمثل الشريحة الأكبر من القوة الشرائية بالمجتمع، فضلاً عن كونها الطبقة التى لا تحمل الميزانية العامة للدولة أية أعباء مالية فى برامج الدعم والرعاية الاجتماعية، وفى المقابل تعد هذه الطبقة الممول الأول للحصيلة الضريبية والجمركية فى الموازنة العامة، والمحرك القائد لحركة الأسواق والتجارة والإنتاج الصناعى.
ويتفق الجميع أيضًا أن الطبقة المتوسطة فى المجتمع المصرى هى الطبقة التى تحملت بجسارة فاقت قدرتها فى كثير من الأحيان، الأعباء المتتالية لفاتورة برامج الإصلاح الاقتصادى على مدار أربعة قرون مضت، فى الوقت الذى تقلصت فيه قدرتها المالية على تحمل أعباء الحياة نتيجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات بدون ارتفاع موازٍ لدخلها من المرتبات والمعاشات.
ومع بدء العد التنازلى لجولة جديدة من جولات الحوار الوطنى، والتى من المنتظر أن يكون محور النقاشات فيها حول برامج الدعم والرعاية الاجتماعية المقدمة للفئات غير القادرة، لم يعد مقبولاً أن تنحصر تلك المناقشات فى المقارنة بين الدعم العينى ومثيله النقدى وهي القضية التي قتلت بحثا فى عصور وأزمنة سابقة،
فلا داع من الرجوع إلى المربع صفر فى هذه القضية المحورية التى تمس حياة المواطن المصرى.
يتوجب على المجتمعين فى حوارهم الوطني أن تنحصر مناقشاتهم فى إعداد تصور قابل للتنفيذ على أرض الواقع يستهدف توسيع وتعزيز قاعدة المستفيدين من برامج الدعم والرعاية الاجتماعية، لتشمل إلى جانب الفئات غير القادرة، الطبقة المتوسطة فى محاولة لتعويض خسائر تلك الفئة من المجتمع جراء تحملها أعباء برامج الإصلاح الاقتصادى التى طالت مدخراتهم الحياتية، وأرزاقهم اليومية، ما أدى إلى تراجع مستوى معيشتهم خلال السنوات القليلة الماضية.
مطلوب أفكار جديدة من برامج الدعم المبتكرة المبنية على دراسات واعية بطبيعة معاناة الطبقة المتوسطة بالمجتمع المصرى، تهدف فى المقام الأول الحفاظ على هذه الطبقة المحركة للاقتصاد وبذل المزيد من الجهد للنهوض بمستوى الخدمات والرعاية المقدمة لهذه الطبقة، حتى لا تنزلق هذه الفئة من المجتمع نحو المستويات غير القادرة على مواجهة تحديات وأعباء المعيشة، وما ينتج عن ذلك من تداعيات خطيرة على مسيرة النمو الاقتصادى وتراجع حركة الأسواق ودخولها لمراحل جديدة من الركود وانخفاض مستويات الإنتاج والتصنيع.