رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

البريكس نحو عالم «متعدد الأقطاب»

358

«إن دول الجنوب لا تريد أن يقال لها ماذا تفعل، ومن يجب أن تدعم، وكيف تتصرف، وكيف تدير شئونها السيادية، إن دول الجنوب قوية بما يكفي الآن لتأكيد مواقفها وسيادتها».

تصريح  لـ «أنيل سوكلال» سفير جنوب إفريقيا لآسيا ومجموعة البريكس، يوضح ويدلل على إرهاصات ومحددات هذا التجمع العالمي، فى ضوء تحولات عالمية وصياغات دولية جديدة.

مروة علاء الدين

وعن مجموعة البريكس يقول دكتور وليد عتلم، الكاتب والباحث المتخصص فى الشئون السياسية، إن التجمع أصبح يمثل قيمة اقتصادية مهمة عالميًا ويضم الاقتصادات الناشئة الكبرى، ويبلغ حجم اقتصادات دول المجموعة 25.9 تريليون دولار حتى عام 2022، ويسيطر أعضاؤه على 20% من حجم التجارة العالمية، ويشغل ما يقرب من 27% من مساحة العالم، وتقدر نسبة سكان التحالف بنحو 41% من سكان العالم، وهذه المؤشرات مجتمعة تعكس أهمية التجمع بالنسبة للاقتصاد العالمي ومدى إسهامه فى سلاسل الإمداد العالمية، كذلك يمثل التجمع سوقًا عالمية هائلة من حيث قوة العمل والإنتاج وكذلك التوزيع والاستهلاك.

وأضاف «عتلم»، أن تنوع الهياكل الإنتاجية لدول التجمع واختلاف نطاقها الجغرافى والإقليمي على عكس ما هو متبع عادة فى التكتلات التجارية والاقتصادية وحتى السياسية ذات الحيز الجغرافى الواحد كالاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، يعطي مرونة كبيرة للتجمع فيما يتعلق بميزة المبادلات التجارية فى العديد من السلع والصناعات والمجالات، فإذا أضفنا على ذلك السعودية المنتج الأول للنفط فى العالم، ومصر بما تملكه من موقع استراتيجي فيما يتعلق بحركة النقل والتجارة العالمية، الإمارات بما تملكه من وفرة اقتصادية، إلى جانب الدول الست الأخرى التى تم الموافقة على انضمامها، وربط ذلك كله بما يحدث فى غرب إفريقيا من انقلاب على الهيمنة الغربية التقليدية، هنا كان لابد للدول الغربية أن تقلق، لأنها بدأت تنظر للتجمع على أنه خطوة على طريق إعادة صياغة النظام العالمي اقتصاديا وسياسيا نحو عالم «متعدد الأقطاب» يتحدى بالأساس الهيمنة الغربية السائدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ويتابع، إن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك؛ ورأى أن مجموعة «بريكس» تمثل الأساس الجديد للأمم المتحدة فى المستقبل، وهو الأمر الذي قد يسبب «هزة ضخمة» للمؤسسة الأممية المهيمن عليها تماما من الكتلة الغربية.

وأشار دكتور وليد إلى أن أول ظهور لمصطلح «sBRIC» فى عام 2001 كان من قلب رمز الهيمنة الغربية من قبل الاقتصادي جيم أونيل، الرئيس السابق لمجموعة جولدمان ساكس وهي واحدة من أشهر المؤسسات المصرفيَّة فى الولايات المتَّحدة والعالم، ووزير الخزانة البريطاني السابق، وأحد المهتمين دائما بالاستفادة من الثروات الإفريقية هو أول من لفت الانتباه إلى معدلات النمو القوية فى البرازيل، روسيا، الهند، والصين.

وأضاف دكتور وليد أن الدول الغربية وعلى الرغم من التصريحات الرسمية التي جاءت كلها فى سياق أنه من حق الجميع التعاون وتحقيق المكاسب، غير أن التقارير الصحفية والإخبارية خاصة من المؤسسات الإعلامية الغربية الكبرى عكست قلقًا مبطنًا من جانب، وحاولت التقليل من أهمية تجمع البريكس من جانب آخر وأثارت الشكوك حول قدرته على التحول والمضي قدما من أنه يكون قوة اقتصادية عالمية تتجاوز هيمنة مؤسسات نظام بريتون وودز الاقتصادية ممثلة فى البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية.

وأوضح الباحث، أنه من أبرز التقارير التي عكست القلق الغربي المتزايد، ما نشرته الواشنطن بوست تحت عنوان «كيف أصبح البريكس ناديًا حقيقيًا ولماذا ينضم إليه الآخرون»، الذي أشار إلى أن البريكس أصبح كيانًا وناديًا حقيقيًا لدول الجنوب، خاصة بعد انضمام أحد أكبر منتجي الطاقة، وهو ما يعد مجالا جديدا لتحدي هيمنة الدولار على تجارة النفط والغاز وتحولها إلى عملات أخرى.

وحول المكاسب السياسية والاقتصادية التى ستعود على مصر تقول دكتورة حنان أبو سكين، أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن انضمام مصر إلى مجموعة البريكس هى خطوة من الخطوات المهمة جدا، وكانت أمنية منذ فترة طويلة، وعدد كبير من الباحثين فى المجال الاقتصادي كان يأمل انضمام مصر إلى مجموعة البريكس.

وتتابع دكتورة حنان، أن البريكس هو تكتل وليس منظمة، وبه مجموعة من الدول المهمة ويوازى الدور الذى تلعبه مجموعة السبع، لذا فهو تكتل له أهمية اقتصادية كبيرة يضم دولاً متقدمة وانضمام مصر إلى البريكس سيكون إضافةً قوية؛ ويعطى ثقة فى الاقتصاد المصرى وسيكون مرشحًا لمزيد من النمو، وعلى مستوى تعزيز الاستثمارات والتعاون التجارى وزيادة الشراكة.

وأشارت دكتورة حنان إلى أهمية الاستفادة من تلك الخطوة فى نقل التكنولوجيا، وأن تكون خطوة البريكس ساحة جيدة لتستفيد مصر من الخبرات التكنولوجية من تلك الدول المتقدمة.

وتتابع، مجموعة البريكس أثرت بشكل مباشر فى تعزيز التجارة الداخلية والاستثمارات، وتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية بين الدول الأعضاء، خصوصا الدولار الذى يمثل عقبة كبيرة لكثير من الدول الناشئة، لذا فإن من أهم مميزات انضمام مصر إلى البريكس هو استبعاد الدولار فى التعاملات التجارية بين أعضاء التكتل وهذا سيساعد مصر كثيرا؛ نظرا لأن هناك صعوبة كبيرة فى الحصول على الدولار بسبب التضخم العالمى وتحرير سعر الصرف، وبالتالى إذا نجحت تلك الدول فى التبادل فيما بينها بالعملات المحلية سيكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد.

وأضافت «أبو سكين» أن هناك دولاً عربية أخرى مرشحة للانضمام، وانضمام مصر يساعدها على الحفاظ على ريادتها الإقليمية وأنها متواجدة فى جميع التكتلات الدولية..

وأوضحت دكتورة حنان أن مجموعة دول البريكس تنتج ثلث إنتاج العالم من الحبوب، ومن جانب آخر مجموعة البريكس تشكل ٤٢% من سكان العالم، وهذا معناه أن انضمام مصر إليها يجعلها من القوى المؤثرة عالميا وليس فقط على المستوى المحلى.

وأكدت دكتورة حنان أن انضمام مصر للبريكس له فوائد سياسية وليس فقط فوائد اقتصادية، منها تنسيق الخطوات بشأن القضايا المختلفة بين دول البريكس، فكل دولة منهم لها علاقات متباينة مع الولايات المتحدة الأمريكية أو مع الغرب بشكل عام، ووجود مصر  فى هذه المجموعة سيزيد من حرية حركتها فى المجتمع الدولى؛ فمصر لها علاقات متوازنة مع دول الغرب والشرق وليست محسوبة على طرف معين، وهذا يزيد المكاسب السياسية لها، وهى فرصة جيدة لجعل مصر أكثر انفتاحًا، وزيادة حركتها فى المجتمع الدولى بشكل يحقق لها الاستقرار كدولة إقليمية صاعدة.

وحول انضمام مصر إلى مجموعة البريكس، تقول الدكتورة نورهان محمود، الباحث الاقتصادى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن الانضمام يعد نجاحًا كبيرًا لمصر، ويمكن حصر هذه الفوائد فى توفير طرق تمويلية جديدة، فالانضمام من شأنه أن يوفر لمصر العديد من الصلاحيات، وفرصا تمويلية هائلة، كذلك تشجيع التجارة وزيادة الصادرات، والابتعاد عن المنطق الأمريكى المهيمن، حيث إن انضمام مصر لهذه المجموعة، سوف يسهم فى توافر المزيد من التسهيلات، أبرزها المنح والقروض المُيسرة بفوائد مخفضة، بجانب الاستفادة من زيادة التبادل التجارى مع هذه الدول، والتمويلات الاستثمارية.

وأشارت دكتورة نورهان إلى أن  مجموعة البريكس تعد واحدة من أبرز المجموعات التى يُنظر إليها، باعتبارها تُشكل تهديدًا مباشرًا لنظام القطب الواحد وقواعده الاقتصادية المهيمنة، ويرجع ذلك إلى إسهاماتها فى الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وحجم التجارة بين الدول الأعضاء فى مجموعة بريكس، وكذلك تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، ما يؤكد الأهمية الاقتصادية لهذه المجموعة.

وأضافت الدكتورة نورهان، أنه من المتوقع أن تتجاوز مساهمة مجموعة بريكس فى الناتج المحلى الإجمالى العالمى حاجز الـ 50% بحلول عام 2030، لاسيما مع توسع التكتل بضم دول جديدة لعضويته.