رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

لإعادة التوازن للاقتصاد العالمي..هل يتحول إلى «قطب مواز» للتكتلات الغربية ؟

431

صفاء مصطفى

نحو إقامة نظام عالمي بديل وإعادة صياغة آليات التعاون الاقتصادي بين دول العالم وفقا لمبادئ أكثر عدلا فى الاستفادة من المقدرات الاقتصادية لللاقتصادات الناشئة والنامية، يجد تكتل «بريكس» آذاناً صاغية لدى دول الجنوب العالمي، والدول التي تحارب التهميش الاقتصادي، واستنزاف مواردها الاقتصادية.

واتفقت جميع الرؤى والتحليلات أن التطورات التي أحدثتها مجموعة «بريكس»، وخاصة قرار ضم ستة أعضاء جدد من الدول الغنية بالموارد الطبيعية والدول ذات الثقل الاستراتيجي والعسكري، يؤكد أن النظام العالمي يشهد عملية تحول نحو نظام جديد  متعدد  الأقطاب، يعيد صياغة توازن الاقتصاد العالمي، وما يؤكد الخطوة ميلاد  «قطب جنوبي» آخر لا يقل عن القطب الشمالي القائم، من حيث القوة الاقتصادية والسياسية والأمنية، ومعدلات التبادل التجاري، ما ينعكس إيجابيا على تجاوز الأزمات الاقتصادية العالمية وتداعياتها على اقتصادات الدول.

فى رؤيتها التحليلية لتطورات الأحداث على صعيد تكتل «بريكس»، كشفت صحيفة «الجارديان» البريطانية، أنه رغم الانقسامات بين الدول الأعضاء، تضاعف عدد دول البريكس مع انضمام ست دول جديدة يأتي ضمن الخطة التوسعية للتكتل، لافتة إلى أن  التوسع الكبير لتجمع «بريكس»  ككتلة اقتصادية تضم روسيا والصين توفر ثقلا موازنا للولايات المتحدة والحلفاء الغربيين .

إحصاءات ومؤشرات

كشفت إحصاءات صادرة عن جهات رسمية ومؤسسات دولية أن تكتل «بريكس»، أصبح يمثل 46% من سكان العالم، وتمثل «بريكس» نحو 56.65 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و26 % من اقتصاد العالم، وأن إجمالي الناتج المحلي لدول «بريكس»، يقدر بنحو 25.92 تريليون دولار بنسبة 25.77% من الناتج العالمي (100.56 تريليون دولار) خلال العام 2022. وتأتي الصين بأعلى ناتج يقدر بنحو 17.96 تريليون دولار، تليها الهند بناتج يعادل 3.39 تريليون دولار، ثم روسيا بناتج يقدر 2.24 تريليون دولار، ثم ناتج البرازيل بنحو 1.92 تريليون دولار، وأخيرا ناتج جنوب أفريقيا يقدر بـ 405.87 مليار دولار.

وأشارت الإحصاءات الى  أن انضمام الدول الـ 6 المقدر ناتجها الإجمالي بما يعادل 3.24 تريليون دولار (مصر 476 مليار دولار، الامارات 507 مليار دولار، السعودية 1.1 تريليون دولار، الأرجنتين 632 مليار دولار، وإيران وأثيوبيا 388 مليار دولار و126 مليار دولار على الترتيب) بنسبة 3.2% من الناتج العالمي، يزيد من حجم الناتج المحلي لدول المجموعة.

وأشارت الإحصاءات إلى أنه بعد انضمام الدول الجديدة، يصبح ناتج دول التكتل نحو 29.15 تريليون دولار بنسبة تقدر بنحو 28.99% من الناتج العالمي، طبقا لبيانات البنك الدولي 2022. كما أن انضمام أعضاء جُدُد يزيد الثقل الاقتصادي للمجموعة من حيث الموارد والقوة الشرائية (زيادة 13% فى احتياطات الذهب و15.6% فى تعداد السكان).

فصل جديد للاقتصادات النامية

وتسعى دول المجموعة إلى «العمل معاً لكتابة فصل جديد للاقتصادات النامية من أجل التنمية المشتركة»، طبقاً للرئيس الصيني، شي جين بين، والذي ذكر خلال كلمته بالقمة، أن دول بريكس برمتها تمتلك نفوذاً كبيراً وتتحمل مسؤولية إحلال السلام، واصفاً توسيع عضوية التكتل

بـ «الحدث التاريخي»، كما أن هذا التوسع سيشكل نقطة بداية جديدة للتعاون بين دول مجموعة بريكس، وسيكون المستقبل مزدهرا ومثمرا للدول الأعضاء.

بعد أن كان حجم اقتصاد مجموعة «بريكس» حوالي 26 تريليون دولار، بما يمثل حوالي 25.6 بالمئة من حجم الاقتصاد العالمي فى 2022، سيصبح بعد انضمام الدول الست الجديدة حوالي 29 تريليون دولار، بما يمثل حوالي 29 بالمئة من حجم الاقتصاد العالمي.

مع ارتفاع عدد دول مجموعة بريكس إلى 11 دولة سيصبح عدد سكان دول المجموعة أكثر من ثلاثة مليارات و670 مليون نسمة؛ أي ما يقارب نصف سكان العالم، فيما كانت هذه النسبة عند نحو 40% قبل انضمام هذه الدول.

تنامي متزايد للقوة الاقتصادية لـ «بريكس»

كشفت وسائل إعلام عالمية منها صحيفة «لوموند» الفرنسية، أنه مع توسع تكتل «بريكس» بانضمام   المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وإيران، ومصر، وإثيوبيا، والأرجنتين – ليصبح إجمالي عدد الأعضاء  أحد عشر عضواً – أصبحت المجموعة تمثل 46% من سكان الكوكب وتتحكم فيما يزيد قليلاً عن ثلث الناتج المحلي الإجمالي للعالم، متوقعة زيادة القوة الاقتصادية  للمجموعة  بإضافة دول من الشرق الأوسط ومنتجي النفط، وتعزيز حضورها الإفريقي بشكل كبير، خلال المرحلة المقبلة خاصة وأن المجموعة أصبحت  تضم أكبر دولتين فى أمريكا اللاتينية، ودولتين آسيويتين هما الأكبر فى امتلاك موارد الطاقة وأيضا الموارد البشرية.

وردا على التساؤل الذي تطرحه وسائل إعلام عالمية حول أهداف توسع تكتل «بريكس»، ذكرت  صحيفة «لوموند» الفرنسية، بحسب ما أعلنه رئيس جنوب إفريقيا «سيريل رامافوزا»، حول الفوائد الاقتصادية المحتملة لتوسع تكتل «بريكس»، أن التعاون الاقتصادي والمالي بين الدول الإحدى عشرة سيزداد، وذلك بفضل القدرات الاستثمارية القوية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والثقل الإستراتيجي للأعضاء الجدد،  مشيرة إلى أنه من المتوقع تمكن مجموعة البريكس من الدفاع بشكل جماعي أفضل عن اهتمامات الجنوب العالمي ، خاصة وأن روسيا  تمثل جزءاً من الجنوب العالمي – فى مجال التنمية المستدامة وتستهدف أن  يكون لها وزن أكبر فى إصلاح النظام العالمي المتعدد الأطراف الذي لا يزال يهيمن عليه الغرب.

توجه «بريكس» لنظام عالمي بديل

كشفت شبكة الإعلام الأمريكية سي إن إن «CNN» أن توجه تكتل «بريكس» نحو إقامة نظام عالمي بديل يلقى قبول بمعدلات قياسية غير متوقعة، وهو ما يتضح من توسع مجموعة البريكس وقائمة الانتظار الطويلة للانضمام، مؤكدة أن عرض الرئيس الصيني «شي» لنظام عالمي بديل يجد آذاناً صاغية فى الجنوب العالمي، حيث تشعر العديد من البلدان بأنها مهمشة فى نظام دولي يرون أنه تهيمن عليه الولايات المتحدة وأغنياؤها من الحلفاء.

وبحسب شبكة الإعلام الأمريكية قال هابيمون جاكوب، أستاذ الدراسات الدولية فى جامعة «جواهر لال نهرو» فى نيودلهي، إن التوسع يسلط الضوء على تحول فى خطوط الصدع الجيوسياسية العالمية.

وأضاف قائلا: «كونها زعيمة للمنتديات غير الغربية والجنوب العالمي، وهو غير راض بشكل عام عن المؤسسات، التي تقودها الولايات المتحدة، سيساعد الصين دائمًا على أن تصبح ثقلًا موازنًا للولايات المتحدة والنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة».

 وزيادة الاستثمارات والحد من هيمنة الدولار

وحول مردود توسع تكتل «بريكس» على منطقة الشرق الأوسط، كشفت وسائل إعلام عالمية وعربية، أن انضمام مصر والسعودية والإمارات للمجموعة، لها انعكاسات بالغة الأهمية  على الشرق الأوسط، لافتة إلى أن «الهدف من إقامة التكتلات الاقتصادية، سواء كانت متقاربة جغرافيا أم بينها تفاهمات سياسية، هو تعزيز التبادل التجاري، وزيادة حجم الاستثمارات وتسهيل حركة العمالة والسياحة بين دول التكتل».

وبحسب الرؤى التى ناقشت هذه القضايا، يرتبط الشرق الأوسط مع دول بريكس بعلاقات قوية، منها على سبيل المثال واردات الشرق الأوسط من الصين 213.339 مليار دولار بنسبة تمثل 18.35% من إجمالي واردته، فيما تقدر صادراته إلى الصين 263.38 مليار دولار بنسبة تقترب من 17% من صادراته إلى العالم».

ومن هذا المنطلق يعزز  الانضمام إلى التكتل آفاق التعاون بين الدول المؤسِسة والدول الأعضاء الجدد، حيث سيسهل الانضمام إلى التكتل فرص الاستفادة من التمويل المقدم من المؤسسات التمويلية الخاصة به مثل «بنك التنمية الجديد» «NDB»، و»البنك الآسيوي للاستثمار فى البنية الأساسية» «AIIB»، وهو ما قد يحد من هيمنة الدولار وتقليل الاعتماد عليه فى التجارة العالمية وكعملة احتياط فى الأجل الطويل، الأمر الذي يدعم تكوين نظام دولي متعدد الأقطاب.