https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

“عادل مش عادل”.. السذاجة والسماجة والفبركة

1041

فكرت كثيرًا ألا أكتب عن هذا الفيلم لتواضع مستواه، فهو من تلك الأفلام العابرة، التى تشهد على مزيج عجيب من السذاجة والسماجة والفبركة، والتى تؤكد أن نقطة الضعف المحورية فى الفيلم المصرى هى الاستسهال، خصوصًا فى الأفلام الكوميدية، التى يظن الكثيرون من صنّاعها أنها أقرب إلى التهريج، وأنها لا تحتاج إلى بذل أى جهد فى عمل حبكة أو بناء، ولا تحتاج إلى الاهتمام بالتفاصيل، بينما كان شارلى شابلن، أستاذ الكوميديا الكبير، يرى العكس تماما، فلا يوجد شيء فى رأيه يتطلب الاهتمام والوعى واليقظة مثل كتابة الأفلام الكوميدية.

ربما لن يضيف فيلم “عادل مش عادل”، الذى كتبه أدهم سعد وحسام جمال، وأخرجه أحمد يسري، الكثير إلى موسم 2024، ولن يضيف أى شيء إلى مسيرة بطله أحمد الفيشاوي، أو إلى رصيد مخرجه أحمد يسري، ذلك الرصيد الذى يضم خليطا غريبا من الأفلام متفاوتة المستوى، لكنى فكرت أن الكتابة عن كوارث هذا الفيلم فى السيناريو تحديدا، يمكن أن يعطى صورة لمشكلات الفيلم الكوميدى عموما، وربما يدفع ذلك إلى مراجعة الكثير من السيناريوهات المعدة للتصوير، والتى تحتاج إلى ضبط وتعديل، بل ربما حقق هذا المقال نوعا من الاهتمام لدى المتفرج نفسه، والذى عليه أن يتأكد أن الكوميديا دراما متكاملة العناصر، مثل أى نوع  من أنواع الدراما، بالتالى فإن الضحك فى مشهد أو مشهدين لا يكفى للحديث عن فيلم كوميدى متميز، حتى لو كانت البطولة لنجمك المفضل، الذى تركت منزلك لكى تراه.

شاهدتُ “عادل مش عادل” فى ليلة باردة ممطرة، وأسعدنى قبل المشاهدة أن تمتلئ حفلة الساعة السابعة مساء بجمهور معقول، معظمهم من الشباب صغير السن، جاءوا لمشاهدة فيلم بطولة نجمهم  أحمد الفيشاوي، لكنى أشفقت عليهم بعد المشاهدة، وأشفقت على الفيشاوى الصغير، لأننى مؤمن بموهبته، وأراه ممثلا طموحا، يريد أن يصنع شيئا، ولولا طريقته المتعثرة فى نطق الحروف، مما يستلزم دروسا فى الإلقاء السليم للحروف العربية، لكان الأفضل بين أبناء جيله، ما يثير الشفقة أيضا أنه يفتقر إلى القراءة الجيدة للسيناريوهات التى تصل إليه، أو بمعنى أدق، أراه يهتم بدوره وطرافته، أكثر من اهتمامه بالبناء والتفاصيل، وفيلم “عادل مش عادل” نموذج جيد لتوضيح ذلك.

لعل الفيشاوى فتن بشخصية البطل عادل الأمين (ولاحظ سذاجة دلالة الاسم)، وهو محام يحترف الشهادة الزور، ولا تسألنى بالله عليك ما الذى يجمع بين أن تكون محاميا، وشاهدا للزور؟!! الحقيقة أن شخصية شاهد الزور جذابة، وفيها الكثير من الثراء الدرامي، لكن من لديه وقت ليدرس أو يفحص، المهم أن ترى عادل وهو يقلب قضايا رأسا على عقب، ويشهد على آخرين، دون أن يوقفه أو يراجعه أحد، بل إننا نراه يغير رأيه أكثر من مرة أمام القاضي، بعد أن دخل زوج وطليقته مزادا لشراء ذمته بالفلوس، ولا يتوقف الفيلم أبدا أمام سوء سمعة عادل مثلا، ولا تكرار ظهوره فى المحاكم كشاهد زور، ولا سبب احترافه لهذه المهنة، مع أنه يمكن أن يكون محاميا ناجحا، إذ يفترض أنه ذكى وحاضر البديهة، ولديه فكرة عن ثغرات القانون.

لكن حبكة الفيلم لا تعتمد فقط على شهادة محامى الزور، لكنها معقدة دون داعٍ، وتدخل المشاهد فى متاهات، لكثرة الشخصيات، وكلها قصص مفبركة وسمجة وعبيطة، لا يمكن قبولها فى فيلم، يفترض أنه يستخرج المفارقة من واقع الجريمة والمحاكم، بل إن هناك إسرافا فى القبض على عادل، واتهامه ثم إخلاء سبيله، وحشدا من الجرائم التى يتم توريطه فيها، بعد تنويمه وتغييبه عن الوعي، فمرة يجد نفسه متهما بسرقة بنك، ومرة نراه متورطا فى عملية إرهابية، ومرتديا زى مقاتلى طالبان، ومرة نراه متورطا فى سرقة للآثار، وكلها حكايات طفولية هزلية كتبت بشكل بدائى ركيك، ولم يستطع إنقاذها مونتاج شريف عابدين، ولا موسيقى أنور عمرو المرحة، وهما أكثر عناصر الفيلم تميزا وأهمية، فلا معنى لأى جهد بدون كتابة محكمة، وفيلمنا أبعد ما يكون عن ذلك.

حتى المشاهد الضاحكة قليلة، وتركزت بالأساس على شخصية الجار أدهم (محمود البزاوي) ، الذى يشك فى نشاط عادل، وفى مصدر الأموال التى يحصل عليها، وتركزت أيضا على أم عادل، التى لعبت دورها بدرية طلبة، والتى تدعو دائما على الظالمين، وعلى أولاد الحرام، مما يتسبب فى إفساد خطط عادل للانحراف.

لا يوجد أيضًا خيال يمكن أن يسعف كتّاب الفيلم، فيكررون حكاية الزوجة الخائنة، مرة مع زوج عنيف (محمد رضوان)، يقرر قتل زوجته (دينا) لخيانتها له، ومرة مع الفتاة التى ذهبت إلى عادل فى بيته، فجاء وراءها زوجها الغيور، وقتلها فى شقة عادل، ولا يسعف الخيال المحدود السيناريو بأى تفاصيل عن شخصية الصحفية (شيرين عادل)، أكثر من الكليشيهات المألوفة عن السبق الصحفي، مع فشل كامل فى إخفاء دورها فى المؤامرة على عادل، وفبركة سبب هذا التآمر العبيط.

عندما نعرف سر حكاية تنويم شاهد الزور المحامي، وتوريطه فى عمليات تستهدف إدانته، نشعر حقا بضياع الوقت، وبمدى الفقر الفنى والإبداعي، وبمدى الاستخفاف الذى كتبت به الحكاية، وندرك أن أحدا لم يراجع شيئا، ولم يطلب تعديلا، أو حبكة تحترم عقول الناس، وإلا لكان سأل عن كيفية معرفة التخطيط لعملية إرهابية طالبانية فى مصر، ومحاولة إقحام عادل فيها، ولسأل عن تفاصيل كثيرة لا يمكن تفويتها، ولو حتى بمنطق الفانتازيا، لكن أحدا لم يهتم، فالمطلوب فقط هو تقفيل الفيلم، وتقديم شخصية طريفة هو شاهد الزور، مع مشهدين ضاحكين، وفيلم يفوت ولا حد يموت.

زمان، وفى عصر أضعف بكثير فى الإمكانيات، كان إسماعيل ياسين يطلق على السيناريو اسم “الخطة”، وكان يسأل أبو السعود الإبياري: “هل جهزت الخطة؟”، ويا له من مصطلح صحيح جدا، فبدون “خطة محكمة”، لن يكون هناك فيلم كوميدي، حتى لو كانت الحكاية بسيطة للغاية، كما فى أفلام الأبيض والأسود، وحتى لو كان الكوميديان فائق الحضور، ويقدم فى الفيلم “الشويتين بتوعه”، كما يفعل إسماعيل ياسين فى عصره الذهبي.

لا كوميديا بدون خطة، وهذا الفيلم خطته ساذجة للغاية، مع أنه يريد أن يوهمنا بالعكس.

إنها فى النهاية كوميديا مزيفة عن شاهد زور !!