نجوم وفنون
«عالماشي» .. يا «فكرة» تمت !
By amrمايو 20, 2024, 13:22 م
277
من الاعتقادات الخاطئة في الكتابة الدرامية، بل وفي فنون الكتابة عموما، التوهم بأن العثور على فكرة ذهبية يعني ضمان إنتاج عمل عظيم، وينسى الكثيرون أن العمل والشغل على الفكرة وتطويرها، أهم من العثور على الفكرة نفسها، وأنه يمكن إهدار أفكار ذهبية كثيرة، بالاستسهال، أو بعدم الجدية، أو بتقديم معالجة هزيلة، اعتقادا بأن الفكرة وحدها كافية،
أو انخداعا ببريق المفارقة الدرامية، والواقع أن «الفكرة تساوي مليون جنيه»، ليس لأنها طرأت على بالك فجأة، وإنما تساوى هذا المبلغ وأكثر، لأنها تحولت إلى دراما جيدة، بصرف النظر عن طبيعة المعالجة، كوميدية أو تراجيدية، أو حتى ميلودرامية.
كتب :محمود عبد الشكور
فيلم «عالماشي» بطولة على ربيع، وكتابة أحمد
عبد الوهاب وكريم سامى وهدير الشريف، وإخراج محمد الخبيرى فى أول فيلم روائى طويل له، نموذجية تماما فى شرح هذه المشكلة المتكررة، فقد عثر مؤلفو الفيلم على فكرة ذهبية وظريفة، بتورط رجل كسول فى أزمة مرضية، تجعله مضطرا للسير دائما دون توقف، وإلا تعرّض لخطر الموت، ولكن هذه الفكرة قدمت بشكل فيه الكثير من الاستعجال، ودون دراسة حقيقية للموضوع، ودون تطوير وتعميق للمعالجة، ليقتصر الأمر على بعض المشاهد المرحة، وندور ونلف لفترة طويلة فى استهلاك إمكانيات المفارقة، وصولا إلى معنى أخير يهاجم الكسل، وينصحنا باستغلال كل لحظة من حياتنا، فى تقديم ما يفيد الذات والآخرين، وهو حقا معنى جيد، ولكنه لا يصل إلينا من خلال دراما متماسكة، ولكن عبر حكاية حافلة بالثغرات والمشكلات.
لا بأس من بداية الفيلم، ومن مبالغات مقبولة لأسرة تحترف الكسل، فالابن هادى عبد الهادى (على ربيع)، ولاحظ دلالة الاسم المباشرة، يعمل فى مجال خدمة العملاء من بيته، ولا ينزل من الشقة تقريبا، ويصل كسله إلى درجة عدم الذهاب إلى عمله لتوقيع ورقة هامة لصرف راتبه الشهري، والذى يضيع معظمه فى الخصومات، بسبب انعدام لباقته مع الزبائن، أما والده (صلاح عبد الله) فهو أيضا أعجوبة فى الكسل فى المنزل، وانفصلت عنه زوجته ،أم هادي، التى تلعب دورها انتصار، لأنها لم تتحمل كسله، ولا كسل حماها العجوز المصاب الزهايمر (عبد الله مشرف).
يدهشنا بعد ذلك أن يحظى هادى بمحبة مدربة لياقة بدانية تلعب دورها آية سماحة، ولا تغير الفتاة موقفها بعد أن التقته مباشرة، إثر فترة طويلة من التعارف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويدهشنا أكثر أن هادى سينقل إلى المستشفي، أثناء الاحتفال بعيد ميلاده، ليكتشف فجأة، ودون مقدمات، من خلال الطبيب (محمد رضوان)، أنه مصاب بمرض نادر يسمى «متلازمة الجلطات»، وينصحه الطبيب بأن يسير طوال الوقت، لأنه لو جلس سيتجلط دمه ويموت.
هناك فعلا مرض التجلط السريع، وله علاجات دوائية، ولكن اقتراح الطبيب بعدم الجلوس، يبدو حلا فانتازيا
لا علاقة له بالطب، ويتناقض ذلك مع سياق الدراما الواقعي، ولكن المشكلة الأوضح أن عدم النوم والسير طوال اليوم، يمكن أن يسبب كوارث صحية، لا تقل عن حكاية متلازمة التجلط هذه، وقد أدرك كتاب الفيلم أنه من المستحيل أن يستمر هادى فى المشى بدون توقف، فاخترعوا حكاية الاستراحة لساعة واحدة، ثم تقرر أن يكون المشى لعدة ساعات وهكذا.
عندما لا تتم دراسة الفكرة، ولا تتطور بطريقة منطقية، يتورط صناع الأفلام فى مشاكل متتالية، وقد كان من الممكن البدء بالمشى بعدد محدود من الساعات، مع استخدام علاج دوائى مثلا، ولكنهم بدأوا بالمشى المستمر، الذى يثير الضحك بالطبع، ولكنه لا يبدو مقنعا، ويقتصر الهدف منه على استنزاف إمكانيات المفارقة، ويستمر ذلك لفترة طويلة من الأحداث، حتى يتذكر الفيلم ضرورة وجود عقدة وحل، فتدخل على الخط حكاية قضية رفعها صاحب البيت “حجاج عبد العظيم” لطرد أسرة هادي، وتدخل على الخط أيضا حكاية مشاركة هادى فى ماراثون للفوز به.
ومثلما قُدمت حكاية المرض بدون دراسة، وبكثير من الفهلوة والاستسهال، ستقدم جلستا قضية هادى بخفة وسذاجة، ولن يتوقف أحد ليسأل عن العلاقة بين أن تمشى طوال الوقت، وبين أن تصبح «عدّاء» فى الماراثون الذى يحتاج إلى موهبة واستعداد كبيرين، ولكن «كله عند العرب مشي»، والمهم تقفيل الفيلم، وحشر أغنية بعنوان «كتاكيت»، يظهر فيها عبد الباسط حمودة، فى محاولة لاستعادة نجاح أغنية «سطلانة» الشهيرة فى فيلم على ربيع الناجح «بعد الشرّ».
مازلت أعتقد أن على ربيع ممثل موهوب، ولكنه، مثل زملائه فى مسرح مصر، بدون بوصلة، والحقيقة أنه بدا فى التخلص من الأداء المسرحي، والصوت المرتفع، والأداء الحركى اللافت باليدين، وهو هنا أفضل كثيرا، ويحاول أن يكون لفيلمه معنى ومغزى، ومعه زميله كريم عفيفى فى دور صديقه المخلص، وبدون تميز كبير، ولكن ذلك وحده لا يكفي، مادام الفيلم حافلا بالثغرات، ومادام لا يوجد من يتعب على الفكرة والحبكة، أو يبذل جهدا حقيقيا فى دراسة أى شيء.
لا يمكن أن تكون محصلة فكرة ذهبية بعض المشاهد الضاحكة، ولا تستحق هذه الفكرة على وجه التحديد هذه الخفة فى المعالجة.
يبدو لى فى النهاية أن «عالماشي» ليس فقط اسم الفيلم، ولكنه تعبير عن الطريقة التى تم «سلق» الفيلم بها، وكأن صنّاعه أنتجوه بسرعة وعالماشي، وهم يهرولون من أجل اللحاق بمباراة لنادى ليفربول فى الدورى الإنجليزى !
يا صناع السينما: اجلسوا واكتبوا الكوميديا «بمنتهى الجدية» يرحمكم الله.