رئيس التحرير
حظر الأونروا.. الطريق نحو تصفية القضية الفلسطينية
By amrنوفمبر 03, 2024, 14:42 م
230
مساء الاثنين الماضي خرجت إسرائيل على العالم بشكلٍ جديدٍ من أشكال العربدة التي تمارسها فى الأراضي المحتلة، حيث صوت الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون تقدم به العضو “بوعز بيسموت”، عضو لجنة الدفاع والعلاقات العامة بالكنيست ومعه 4 آخرين، بشأن المنظمة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وقد دخل القانون فى كتاب قانون دولة إسرائيل.
يهدف القانون الذي حمل رقم (ف/ 25/ 1416) إلى “منع أي نشاط للوكالة الأممية فى أراضي دولة إسرائيل”، وينص على “ألا تشغِّل أونروا أي مكتب تمثيلي ولن تقدم أي خدمة أو أي نشاط بشكل مباشر أو غير مباشر فى أراضي إسرائيل”.
كان القانون المشئوم قد أقرته الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي فى 14 فبراير الماضي بالقراءة التمهيدية.
يدخل القانون الإسرائيلي حيز التنفيذ بعد 90 يوما من تاريخ إقراره، أي نهاية هذا العام وسط أجواء قارسة البرودة بسبب الشتاء لتصبح حياة أكثر من 2,8 مليون فلسطيني على المحك.
لقد استمرت التحركات الإسرائيلية منذ أكثر من ثمانية أشهر تواصل سعيها بهذا الاتجاه فى الوقت الذي لم تتوقف فيه آلتها العسكرية عن التدمير والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني وسط إدانات دولية، وموقف أمريكي متحيز على أرض الواقع لصالح إسرائيل، متحدثًا عن ضرورة وقف إطلاق النار على استحياء أمام كاميرات الإعلام من جانب وعلى الجانب الآخر يفتح خزائنه لإسرائيل.
(1)
القرار الإسرائيلي بشأن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لمن يدقق فى المشهد وتسلسل أحداثه على أرض الواقع يجد أنه جزء من سيناريو تم وضعه بإحكام بمباركة أمريكية ومعها عدد من الدول الغربية.
حالة الانتفاضة الإعلامية من الشجب والإدانة الدولية من جانب سياسيين ووزراء خارجية ورؤساء حكومات ضد القرار الإسرائيلي ليست سوى مرحلة تعمل إسرائيل على امتصاصها ومواجهة آثارها التي لن تعدو مجرد تصريحات، لكن لن تؤثر على علاقات الاحتلال بالدول الغربية اقتصاديًا أو سياسيًا أو عسكريًا، وهو ما تدركه حكومة نتنياهو الإجرامية، وتعمل باتجاهه دائمًا واثقة من الدعم غير الناضب لإسرائيل، إما بدعوى الحفاظ على أمن إسرائيل، أو بتصريح مُصاغ بشكلٍ آخر وهو حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها.
تلك الحالة الدولية تعد كاشفةً لتفاصيل المشهد المستقبلي للقضية الفلسطينية والذي حذرت مصر منه مرارًا وتكرارًا، وهو محاولة إسرائيل الدائمة تصفية القضية الفلسطينية والتي بدأتها بمحاولات الدفع بالفلسطينيين إلى خارج أراضيهم (فى أكبر عملية تهجير جماعي) لكن كشف المخطط ساهم بشكل كبير فى إفشاله، وتحمل أبناء الشعب الفلسطيني العديد من المجازر الإسرائيلية فسقط منه أكثر من 43900 شهيد، وأكثر من 107760 جريح، وتم تدمير أكثر من 95% من البنية التحتية والمنازل فى قطاع غزة، وواصل الشعب الفلسطيني صموده رغم المعاناة.
وحذرت مصر من السيناريو الثاني؛ الذي استهدفت به إسرائيل الفلسطينيين فى قطاع غزة وهو سيناريو التجويع فى أكبر حرب إبادة جماعية فى التاريخ الحديث.
فاستهداف إسرائيل لمعبر رفح كان مخططًا من جانب الاحتلال لإغلاق المتنفس الفلسطيني الأساسي منذ بداية الأزمة، والذي كانت تعبره شاحنات المواد الغذائية والطبية، وكذا نقل المصابين الفلسطينيين من خلاله للعلاج فى مصر فى ظل حالة تضييق شديدة قامت بها إسرائيل على عمليات نقل البضائع عبر معبر كرم أبو سالم وهو المعبر المنصوص عليه ضمن الاتفاق الأمني عام 2005 أن يكون منفذًا لعبور الشاحنات؛ إلا ان إسرائيل منذ بداية الأزمة وهي تواصل التضييق على ذلك بزعم التفتيش الأمني لمنع تهريب الأسلحة لحماس ضمن شحنات المساعدات.
لقد قامت إسرائيل باستهداف معبر رفح وسيطرت عليه من الجانب الفلسطيني وهو ما رفضته مصر تمامًا لمخالفته الاتفاق الأمني المبرم عام 2005 والذي ينص على أن معبر رفح تسيطر عليه الإدارة الفلسطينية من الجهة الشرقية، وهي من تتعامل معها الدولة المصرية ورفضت مصر التعامل مع إسرائيل معربة عن رفضها أي محاولة من جانب الاحتلال بفرض واقعٍ جديدٍ فى الأراضي الفلسطينية.
(2)
تأسست الأونروا لمساعدة حوالي 750 ألف فلسطيني نزحوا أو فروا إلى المناطق المجاورة فى أعقاب حرب عام 1948.
تخدم الوكالة ما بين 2.5 إلى 3 ملايين فلسطيني فى عشرات المخيمات المنتشرة فى قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية والأردن ولبنان وسوريا، ويبلغ إجمالي اللاجئين المؤهلين للحصول على خدماتها نحو 5.9 مليون لاجئ.
ويعد التعليم أكبر التزامات الأونروا، حيث تخصص أكثر من نصف ميزانيتها لتعليم الأطفال فى 706 مدارس ومراكز للتدريب المهني.
وقال رئيس الأونروا إن القيود الإسرائيلية قد تؤدي بشكل مباشر إلى حرمان أكثر من 650 ألف طالب من هؤلاء الطلاب.
وتشمل البرامج الأخرى التي تقدمها الأونروا فى مراكز الإيواء توزيع الغذاء والمياه والرعاية الصحية الأولية والصرف الصحي والتوظيف والمساعدات النقدية وأعمال البنية التحتية.
وهي فريدة من نوعها من حيث مكانتها باعتبارها الوكالة الوحيدة للأمم المتحدة المخصصة لمساعدة اللاجئين من صراع معين فى مناطق عمل محددة.
يتم تعريف هؤلاء على أنهم “الأشخاص الذين كان مكان إقامتهم المعتاد هو فلسطين خلال الفترة من 1 يونيو 1946 إلى 15 مايو 1948، والذين فقدوا منازلهم وسبل عيشهم نتيجة لحرب عام 1948.”
تقتصر مسئوليات الأونروا على تقديم الخدمات فى المناطق الخاضعة لولايتها، وهي لا تمتلك أو تدير ملاجئ اللاجئين بنفسها.
لقد عمدت حكومة نتنياهو الإرهابية؛ وهذا التوصيف لها ليس من باب الحماس للقضية الفلسطينية، إنما هو توصيف دقيق لواقع حكومة نتنياهو؛ لما تقوم به من أعمال إرهابية تستخدم فيها دولة الاحتلال كل أدواتها، وبدعم من واشنطن التي تفتح خزائن أسلحتها وذخائرها لمجموعة من مجرمي الحرب، الذين يرهبون المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ العُزّل ويقتلونهم بدمٍ بارد.
إن الهجوم الإسرائيلي على الأونروا يمكن فهمه على أفضل نحو باعتباره جزءًا من سعي إسرائيل إلى تغيير التركيبة السكانية للأرض التي تسعى للسيطرة عليها.
ويرى بعض القادة الإسرائيليين وعلى رأسهم نتنياهو أن تقليص عدد الفلسطينيين من خلال تجويعهم فى غزة وتدمير معظم المساكن والبنية الأساسية، يستهدف أن يجعلها غير صالحة للعيش فيها.
وهذا يتفق مع دعوات وزرائه اليمينيين المتطرفين إلى الترحيل الجماعي للفلسطينيين من غزة ـ فى محاولة لمحو 2.2 مليون فلسطيني من الميزان الديموجرافى، وتصفية القضية فى إطار سياسة التجويع الإسرائيلية للفلسطينيين.
إن القرار الإسرائيلي ضد وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) يوضح السياسة التي خاضت بها حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة الحرب فى غزة، كما يعكس هذا الانتقام الجهود المبذولة لاستغلال هجوم حماس فى السابع من أكتوبر كفرصة لإعادة الهندسة الديموجرافية فى الأراضي المحتلة من اجل الوصول إلى تصفية القضية.
ففي يوليو الماضي، أقرت لجنة الشئون الخارجية والأمن فى الكنيست فى القراءة الأولى ثلاثة مشاريع قوانين: الأول يصنف الأونروا منظمة إرهابية، والثاني: يلغي الامتيازات والحصانات التي تتمتع بها الوكالة وموظفوها، والثالث يحظر الأونروا فى “الأراضي السيادية لإسرائيل”.
فى سبتمبر اجتمعت اللجنة ودمجت أول مشروعي قانونيين وخففت حدة المضمون بإلغاء اعتبار الأونروا منظمة إرهابية لتفادي انتقادات الدول الأعضاء فى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفى 6 أكتوبر الماضي أقرت لجنة الشئون الخارجية والأمن فى الكنيست مشاريع القوانين المدموجة ومشروع القانون الثالث بالقراءتين الثانية والثالثة.
وحدد رئيس الكنيست موعد عقد جلسة 28 أكتوبر 2024 للتصويت بالقراءتين الثانية والثالثة (النهائية) على المشاريع المقترحة لتصبح قوانين سارية المفعول.
وفى خطوة استباقية، أعلنت “سلطة أراضي إسرائيل” فى
10 أكتوبر الجاري الاستيلاء على الأرض المقام عليها مقر الأونروا فى حي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة، وتحويل الموقع إلى بؤرة استعمارية تضم 1.440 وحدة سكنية قبل التصويت النهائي على مشاريع القوانين من الكنسيت الإسرائيلية.
وتضمنت القوانين الآتي:
– إلغاء تبادل “رسائل كوماي” لعام 1967 بين الأونروا وإسرائيل، التي بموجبها توافق الأخيرة على تسهيل مهام الأونروا فى الضفة الغربية وقطاع غزة، بما فى ذلك حماية وأمن موظفي الأونروا ومنشآتها، وحرية حركة مركبات الأونروا وموظفيها عبر إسرائيل وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، والإعفاءات الضريبية.
– إلغاء الامتيازات والحصانات الممنوحة للأونروا (موظفين، ومقرات ومنشآت).
– قطع أي اتصال بالأونروا أو نيابة عنها.
– منع الأونروا من تشغيل أي تمثيل أو خدمات أو أنشطة فى الأراضي السيادية لإسرائيل.
– اتخاذ إجراءات عقابية ضد موظفي الأونروا.
– وضع قرار إخلاء الأونروا من الأراضي التابعة لسلطة أراضي إسرائيل وإلغاء عقود التأجير فى حي الشيخ جراح وكفر عقب ومخيم شعفاط للاجئين الوحيد فى القدس الشرقية، ما ستترتب عليه تداعيات خطيرة تطال 110 آلاف لاجئ فلسطيني فى القدس، كما تطال مدارس وعيادات ومراكز الإغاثة التابعة للأونروا.
– وضع قرار وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش، حيز التنفيذ بإلغاء المزايا الضريبية التي تحصل عليها الأونروا باعتبارها وكالة تابعة للأمم المتحدة وقطع الاتصال مع البنوك الإسرائيلية، وهذا سيضع الأونروا فى وضع مالي حرج، إذ ستجد صعوبة فى تحويل أموال المانحين وصرف رواتب موظفيها مستقبلاً.
– منح جيش الاحتلال الإسرائيلي الضوء الأخضر فى الضفة الغربية والقدس كما هو معمول فى قطاع غزة إلى استهداف منشآت الأونروا خلال عمليات الاجتياح للمخيمات الفلسطينية.
(3)
التحرك الإسرائيلي بشأن الأونروا لم يكن مفاجئًا، كما ذكرت، لكنه يمثل مرحلة من مراحل الاستراتيجية التي تتخذها حكومة نتنياهو، فوزراء حكومته لا يعتبرون إسرائيل دولة احتلال رغم أن المنظمات الدولية والقانون الدولي هو من أقر بان إسرائيل دولة احتلال للأراضي الفلسطينية.
تلك الرؤية الكاشفة للتحركات الإسرائيلية تشير إلى أن مخطط الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني أحد سيناريوهات الحرب الإسرائيلية المرسومة ويجرى العمل عليها على ارض الواقع تحت سمع وبصر العالم، لإدراك تل أبيب أن المجتمع الدولي لن يتمكن من اتخاذ إجراءات ضدها، مهما فعلت أو أحدثت من جرائم ضد الشعب الفلسطيني.
ففي الوقت الذي يحظر فيه القانون الأمريكي على واشنطن تقديم مساعدات عسكرية أو اقتصادية للدول التي تقوم بارتكاب جرائم تعيق وصول المساعدات الإنسانية، إلا أن واشنطن تواصل دعمها العسكري والاقتصادي لتل أبيب.
رغم قلق مجلس الأمن الذي عبّر عنه تجاه القرار الإسرائيلي، وكذا شجب وإدانة القوى الدولية للقرار، إلا أن الأمر لن يشهد تحركًا إيجابيًا إلا إذا أدركت الإدارة الأمريكية أن مساندتها المستمرة لإسرائيل سوف تؤثر سلبًا على علاقاتها الاستراتيجية فى الشرق الأوسط.
إن ازدواجية الولايات المتحدة الأمريكية فى تعاملها مع الأوضاع فى المنطقة بمساندتها لإسرائيل بكل الوسائل على أرض الواقع، هو من منح دولة الاحتلال الفرصة للعربدة فى المنطقة مع الإصرار على عدم التنازل عن المكتسبات التي حققتها.
فعلى الإدارة الأمريكية أن تدرك خطورة عدم استقرار المنطقة على مصالحها الاستراتيجية فيها؛ كما أن على حكومة نتنياهو أن تعي أن الشعب الفلسطيني لن يترك أرضه مهما حدث وسيظل صامدًا، كما أن اللاجئين لن يتنازلوا عن حق العودة وسيظل الفلسطينيون يدافعون عن حقوقهم فى العودة إلى أراضيهم جيلاً بعد جيل.
وقد جاءت تصريحات السيدة الفلسطينية العظيمة الملقّبة بأم الشهداء والتي ودّعت 5 من أبنائها آخرهم ابنتها حنين قائلة: “أنا ودعت خمسة من أولادي؛ فداءً للدين ولفلسطين؛ لدينا قماش أبيض نكفن به أبناءنا؛ لكن ليس لدينا قماش نرفع فيه رايات بيضاء”.
إن كلمات “أم مالك بارود” وعقيدتها التي ترسّخت لدى أبناء شعبنا الفلسطيني الصامد ستظل الضمانة أن فلسطين حتمًا ستنتصر.