رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

تونس..حكاية استرداد وطن مختطَف منذ عشر سنوات

بريكس بلس.. فرص وطموحات وتحديات

73

انتهى اجتماع القمة السادسة عشرة لمجموعة بريكس والذي يعد القمة الأولى لمجموعة بريكس بلس (BRICS+) بعد انضمام كلٍ من مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا، والأرجنتين، للدول الخمس المؤسسة للمجموعة، الاجتماع الذي عُقد فى قازان عاصمة جمهورية تتارستان بروسيا وحضره 36 رئيس دولة وحكومة جاء ليرسم مسارًا مهمًّا للاقتصاد العالمي، وكذا الأوضاع السياسية، فى ظل معارضات علت أصواتها خلال أكثر من عقدين   تطالب بضرورة إصلاح النظام العالمي لمواجهة الانحياز الغربي وازدواجية المعايير لديه.

المجموعة الصاعدة بقوة والتي حرصت على انضمام الاقتصاديات الناشئة إليها يجعلها أكثر قوة فى ظل تحقيقها لنمو اقتصادي متزايد.

اجتماع مجموعة بريكس بلس، جاء فى ظل ظروف دولية بالغة الدقة والتعقيد على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري.

 فهناك توترات فى العديد من المناطق على مستوى العالم على رأسها الأزمة الروسية الأوكرانية، والأوضاع فى الأراضي المحتلة، وأيضًا التوترات فى جنوب البحر الأحمر، والتوترات فى بحر الصين الجنوبي.

الأمر الذي يجعل المجموعة تواجه مجموعة من التحديات فالانتقال إلى نظام دولي أكثر عدالة ليس بالأمر السهل.

ذلك أن تطوره يعرقله قوى لا تزال أفكارها وأفعالها تهدف إلى الهيمنة على كل شيء وكل شخص، وتحت ستار النظام القائم على القواعد الذي تفرضه هذه القوى على العالم، فإنها تحاول فى واقع الأمر احتواء المنافسة المتزايدة ومنع التنمية المستقلة للدول فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية التي لا تستطيع السيطرة عليها.

وإذا كانت (بريكس بلس) أمامها عدة تحديات فهي أيضًا لديها طموحات وفرص من الممكن تحقيقها من أجل مصلحة شعوبها.

(1)

خلال السنوات الخمس الأولى من العِقد الثاني فى عمر مجموعة البريكس شهدت المجموعة تطورًا اقتصاديًا كبيرًا، محققة حجم نمو غير مسبوق.

كما أن التنوع داخل مجموعة البريكس الموسعة يثري الخطاب الاقتصادي ويوفر فرصًا للتعاون المشترك.

وعلاوة على ذلك، فإن مجموعة البريكس الموسعة فى وضع أفضل للتعامل مع التحديات العالمية بشكل جماعي.

فتغير المناخ، والأوبئة، والإرهاب، والصراعات الإقليمية تتطلب جبهة موحدة، والواقع أن التنوع والقوة الجماعية تمكن من الاستجابة بشكل أكثر شمولاً وفعالية لهذه التحديات.

 كما تعمل على تعزيز قدرة المجموعة على التوسط فى النزاعات، وتسهيل المساعدات الإنسانية، وتعزيز السلام والاستقرار فى المناطق التي تواجه الاضطرابات.

إن توسع مجموعة البريكس يسهِّل نمو السوق من خلال توفير الوصول إلى أسواق جديدة وفرص تجارية واستثمارية، ومن الممكن أن يعزز هذا الارتفاع المحتمل فى النشاط الاقتصادي النمو الاقتصادي والاستقرار داخل المجموعة، ويشكل تنويع المصالح الاقتصادية أهمية بالغة فى التخفيف من المخاطر وخلق نظام مالي أكثر مرونة.

علاوة على ذلك، فإن ضم هذه الدول الأعضاء الجديدة جلب معها وجهات نظر وخبرات جديدة.

فكل دولة تمتلك نقاط قوة اقتصادية فريدة وتحديات وأساليب مبتكرة.

كما أن التنوع داخل مجموعة البريكس الموسعة يثري الخطاب الاقتصادي ويوفر فرص التعاون المشترك، وهذا التنوع يشكل ميزة تشجع على تبني رؤية أوسع للقضايا والحلول الاقتصادية العالمية.

إن التداعيات الجيوسياسية المترتبة على ضم هذه الدول الجديدة كبيرة، فالتوسع يعزز النفوذ الجماعي لمجموعة البريكس على الشئون العالمية، ويوفر منصة أكثر قوة للمفاوضات واتخاذ القرارات بشأن القضايا الاقتصادية الدولية.

فبوسع مجموعة البريكس، وأهميتها الجيوسياسية المتزايدة، أن تمارس نفوذًا أكبر فى تشكيل السياسات الاقتصادية العالمية وتحدي هياكل القوة التقليدية.

لقد شهدت ديناميكيات التجارة داخل مجموعة البريكس بلس نموًا إيجابيًا بالفعل.

فقد توسعت تجارة الصين مع الدول الأعضاء الأخرى فى مجموعة البريكس بشكل كبير، مما يؤكد على الترابط الاقتصادي وإمكانية زيادة التعاون داخل المجموعة، ويؤكد هذا النشاط التجاري المزدهر على الحيوية الاقتصادية لمجموعة البريكس بلس ودورها فى تعزيز الترابط الاقتصادي الإقليمي والعالمي.

فى جوهر الأمر، إن ضم أعضاء جدد إلى مجموعة البريكس وسّع من أهميتها الاقتصادية والجيوسياسية، ووفر سبلاً لتوسيع السوق، ونمو التجارة، وتعزيز النفوذ فى الشئون المالية العالمية، ووضع هذا التوسع مجموعة البريكس فى موضع الصوت المحتمل للجنوب العالمي فى الأمور الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.

وبينما تسعى مجموعة البريكس إلى التغلب على هذه التعقيدات، يصبح التعاون الدبلوماسي أمرًا بالغ الأهمية، مما يضمن استمرار تطورها وإيجاد أرضية مشتركة بين أعضائها المتنوعين.

فى هذا المشهد الديناميكي المتغير باستمرار، تلعب مجموعة البريكس دورًا محوريًا فى التجارة والاستثمار والتمويل العالميين، لا شك أن التحديات قائمة، لكن القوة الجماعية والأهداف المشتركة تجعل من مجموعة البريكس منصة ذات إمكانات هائلة، ومع تعامل مجموعة البريكس مع هذه التعقيدات، يصبح التعاون الدبلوماسي أمرًا بالغ الأهمية، مما يضمن استمرار تطورها وإيجاد أرضية مشتركة بين أعضائها المتنوعين.

وفى خضم التوترات الاقتصادية العالمية المتزايدة والقيود المفروضة على المؤسسات المتعددة الأطراف التقليدية، تقف مجموعة البريكس كنقطة محورية للمناقشات حول المسائل الاقتصادية والتجارية والاستثمارية. وأخيرًا، يعكس التوسع المستمر الاهتمام المتزايد بالإمكانات الاقتصادية للمجموعة، ومع ذلك، فإن نجاح أو فشل مجموعة البريكس يتوقف على قدرتها على مواءمة التطلعات والتوقعات الاقتصادية المتنوعة.

(2)

جاءت قمة قازان مرسلة برسالة قوية إلى الغرب مفادها أن المجموعة التي تحدث عنها جيم أونيل قبل 23 عامًا متكهنًا بأنها ستقود اقتصاد العالم فى مواجهة الغرب أصبحت حقيقة، فهي باتجاه إسقاط هيمنة الدولار بعد أن أصبح حجم الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء عام 2023، نحو 25.9 تريليون دولار، مقارنة بنحو 11.9 تريليون دولار عام 2010.

ففي ورقة بحثية صدرت 30 نوفمبر عام 2001 صاغ جيم أونيل Jim O’Neill، الرئيس السابق لشركة جولدمان ساكس لإدارة الأصول، مصطلح بريكس BRICS، كمختصر للأحرف الأولى للدول الأسرع نموًا اقتصاديًا على مستوى العالم.

محذرًا من أن تجاهل الغرب للاقتصاديات الناشئة قد يجعلها تعمل على توحيد مساراتها والعمل معًا من أجل كسر الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي.

لقد استطاعت مجموعة بريكس أن تتفوق لأول مرة على دول مجموعة السبع الصناعية عام 2020، إذ بلغت حصة “بريكس” نحو 31.02% من الاقتصاد العالمي مقابل 30.94% لدول مجموعة السبع الصناعية، كما نمت نسبة الصادرات السلعية والخدمية لدول “بريكس” إذ شكلت الصادرات السلعية والخدمية لدول “بريكس” نحو 25% من صادرات عام 2023.

كما شهد حجم التبادل التجاري والتجارة البينية بين دول المجموعة “نموًا متزايدًا” إذ بلغ نمو التبادل التجاري بين دول المجموعة نحو 95.2%، مسجلًا نحو 10.52 تريليون دولار عام 2022 فى مقابل 5.39 تريليون دولار عام 2010.

كما تزايدت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مجموعة “بريكس” لأكثر من أربعة أضعاف خلال الفترة من 2001: 2021، مسجلة نحو 355 مليار دولار عام 2021، مقارنة بنحو 84 مليار دولار عام 2001، بنسبة نحو 22% من التدفقات العالمية للاستثمارات الأجنبية المباشرة لعام 2021، مقارنة بنحو 11% عام 2001، كما ارتفعت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين دول المجموعة لتبلغ نحو 167 مليار دولار عام 2020، مقارنة بنحو 27 مليار دولار عام 2010.

ومع تلك النجاحات التي استطاعت أن تحققها مجموعة البريكس بلس على المستوى الاقتصادي خاصة أنها استطاعت أن تجمع هذا العدد من دول العالم فى قمتها الـ 16، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات عدة منها محاولات الغرب تشويه المشهد بالحديث عن نقاط ضعف لدى دول المجموعة وعدم وجود قواسم مشتركة بينها؛ وهو الأمر الذي يروج له الغرب إعلاميًا بعد إدراكه أن المجموعة تزداد قوة وقدرة بما تمتلكه من تنوع اقتصادي وقدرة سياسية وعسكرية، وتقول أسلي أيدينتاسباس، زميلة زائرة فى مركز شئون الولايات المتحدة وأوروبا فى معهد بروكينجر، وزميلة رفيعة المستوى فى السياسة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وكاتبة عمود فى صحيفة “واشنطن بوست”: “تحظى مجموعة البريكس+ بشعبية كبيرة لأن الدول تراهن على نظام ما بعد أمريكا، وتعتبر مجموعة البريكس بمثابة بوليصة تأمين للعديد من هذه الدول”.

لقد بلغ حجم إنتاج مجموعة دول البريكس+ من النفط 43.1% من حجم الإنتاج العالمي وهو ما يوضح مدى قوة المجموعة، فى ظل الاحتياج الشديد للطاقة.

كما أن تعداد سكانها يبلغ 46% من سكان العالم، وحجم ناتج محلي إجمالي يبلع 60 تريليون دولار، الأمر الذي يجعل منها قوى اقتصادية قد تؤثر على مستقبل مجموعة السبع الصناعية وكذا مجموعة العشرين.

(3)

يبقى ماذا ستستفيد الدول ذات الاقتصاديات الناشئة مثل الدولة المصرية بانضمامها لهذا التكتل؟!

وهنا لابد من التأكيد أن الدولة المصرية بما حققته من نجاحات فى برنامجها الخاص بالإصلاح الاقتصادي، جعلها قادرة على الاستفادة بشكل كبير خلال الفترة المقبلة من حرص مجموعة البريكس+ على زيادة حجم الاستثمارات فى القارة الإفريقية، كما أن قرار المجموعة الأخير بشأن إنشاء بورصة للحبوب، مما يؤدى إلى سهولة تداولها بين الدول الأعضاء وبأسعار تفضيلية، بالإضافة لسهولة السداد وهو ما سيضمن لمصر تدفقًا دائمًا للقمح وبأسعار تفضيلية وكذا باقي الحبوب، لأن من أهداف بريكس تأمين احتياجات الدول الأعضاء.

لكن أيضًا على مصر أن تواصل عملها نحو زيادة الصادرات إلى دول المجموعة، فى ظل وجود سوق ضخمة يمكن لها أن تحقق لمصر هدفها الاستراتيجي بالوصول إلى حجم صادرات يصل إلى 200 مليار دولار.

لقد جاءت كلمة الرئيس السيسي أمام اجتماع بريكس+ معبرة عن حجم التحديات والفرص أمام المجموعة فى ظل التنامي الكبير لها، وكذا قدرتها على مواجهة التحديات لتحقيق طموحات شعوبها.

يُعَد البريكس كتلة اقتصادية هائلة بما تمتلكه من40٪ من تجارة العالم، و 43.1 ٪ من إنتاج النفط الخام وصادراته، مما يمكن للتحالف استخدام هذا النفوذ ليس فقط للمطالبة بنظام دولي أكثر عدالة لكن أيضًا للعمل على تحقيق هذه الطموحات، على سبيل المثال من خلال إنشاء نظام تجاري موازٍ للطاقة، وتعميق الروابط التجارية بين الأعضاء، وإنشاء نظام بديل لتمويل التنمية، والحد من الاعتماد على الدولار فى معاملات النقد الأجنبي، وتعميق التعاون التكنولوجي فى مجالات من الذكاء الاصطناعي إلى الفضاء الخارجي، ومن المتوقع أن تسعى مجموعة البريكس+ إلى اغتنام الفرص فى كل مجال.

إن صعود مجموعة البريكس+ يذكرنا بما قاله الفيلسوف الإيطالي  “أنطونيو جرامشي”: “العالم القديم يحتضر، والعالم الجديد يكافح من أجل الولادة”، إن شكل هذا العالم المستقبلي يعتمد جزئيًا على الخيارات التي يتخذها صناع السياسات اليوم.