https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

تونس..حكاية استرداد وطن مختطَف منذ عشر سنوات

تدمير المجتمعات من الداخل

485

ليس بالأمر الجديد أن يصعد إلى السطح مرة أخرى هذا الكم الهائل من الشائعات، وعمليات تشويه قيم وأخلاقيات المجتمع، ومحاولة النَّيل المستمرة من الثقة بين المواطن والحكومات، والحديث المتناقل بمواصفات محددة قد لا يدركها البعض عندما تصبح دقة اللفظ غير محسوبة فى ظل احترافية تشويه النماذج المُلهمة، وصناعة نماذج أكثر سطحية وتقديمها كقدوة للأجيال الشابة؛ وهى فى الحقيقة ليست سوى نماذج مشوهة ولُقمة مسمومة مميتة لكل من يتناولها، وبداية لتدمير المجتمعات من الداخل وإحداث حالة من التفكك تضرب أركانه.

 

الموجات المتتالية لتلك التحركات لم تتوقف، ولن تتوقف مهما حدث فالحروب التقليدية وإن كانت لم تنتهِ، لكن كُلفتها الاقتصادية الضخمة وعدم القدرة على إدارة المواجهات على مسارح عمليات متعددة، يجعل ذلك المسار (تدمير الدول من الداخل) هدفها استراتيجيًا أقل كلفة اقتصادية وبشرية، ويمكن الانسحاب منه بشكل أسرع أو إحداث تغيير فيه وفق الحاجة.

 

أضف إلى ذلك سقوط البعض فى دائرة أدوات تلك العمليات، وهو لا يدرك أنه أداة تم استغلالها باحترافية شديدة، بعد التقاطه من قِبل محللى السلوك لدى الأفراد والشخصيات، فدُفع به إلى ساحة العمليات ليصبح جزءًا أصيلاً منها وهو لا يدري، بل ينفذ ما تم الدفع به إليه بشكل لا إرادى تحت مسميات ومفاهيم مثّلت المسار المحدد له.

خلال العقود الثلاثة الأخيرة كانت عمليات خلخلت الشعوب من الداخل هى الأكثر تأثيرًا بل اتخذت فى بعض مناطق الصراع لتكون بمثابة عملية تمهيد نيرانى قبل تحرك القوة العسكرية على الأرض، ومع تطور التقنيات وصعود قدرة وسائل الاتصال على التأثير فى المجتمعات والسيطرة عليها فى ظل منهجية استهدفت عدة محاور منها هدم ثواب وقيم المجتمعات؛ وتشويه النماذج والشخصيات  البارزة التى تعد بمثابة القدوة، والنيل من الروح الوطنية للشعوب والتأثير سلبًا على روح الولاء والانتماء، والحديث عنها  وتصويرها بمثابة مصطلحات فضفاضة لم يعد لها مكان وترسيخ ذلك الفهم فى العقل الجمعى لدى فئات محددة خاصة الشباب مُستغلة متغيرات اقتصادية أو سياسية أصابت الدولة أو المنطقة مما يجعل تلك المفاهيم أكثر نفاذًا وتأثيرًا.

(1)

خلال الأسابيع الماضية ارتفعت وتيرة انتشار الشائعات المستهدفة للدولة المصرية، وإن كانت تلك المنهجية فى صناعة الشائعات وتقديمها لم تختلف كثيرًا خلال أكثر من عقد ونصف سابق شهدت خلاله ارتفاعًا وهبوطًا فى عدد الشائعات، وكذا استهداف قطاعات محددة.. لكن مواجهة الدولة لها وسرعة الرد عليها جعل الأمر يتقلص كثيرًا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، ليعود مرة أخرى مستهدفًا الدولة بقطاعات محددة وملفات تستهدف النيل من الثقة بين المواطن والنظام، بل مؤسساته الوطنية.

ولأن الحروب النفسية باتت أكثر فتكًا بالمجتمعات وأسرع فى الوصول إلى الشعوب، بل إن آثارها لا تختفى بسهولة، لذا كانت الحرب النفسية من أخطر الحروب.

فالشعوب يمكن أن تتعرض لهزائم عسكرية، لكن سرعان ما تقوم بإعادة بناء قوتها العسكرية، والاستمرار فى المقاومة حتى تحقق النصر، لكن حال تعرضها للهزيمة النفسية تفقد ثقتها فى نفسها، ويشعر الشعب بالإحباط والاكتئاب واليأس وعدم الثقة، وتفقد القدرة على تحقيق النصر، ما لم يتم معالجة الآثار النفسية لتلك الهزيمة، وإعادة بناء الثقة مرة أخرى وهو ما يتطلب وقتًا إضافيًا قد تتأثر خلاله الدولة اقتصاديًا ولن ينجح الأمر ما لم تكن هناك رؤية واستراتيجية واضحة لإزالة الآثار النفسية لتلك الهزيمة.

بحسب مذكرة قدمتها إدارة الحرب النفسية بوزارة الدفاع الأمريكية قبل ما يقرب من ثلاثة عقود ونصف حددت ثمانى مواصفات للشائعة الناجحة وهي:

ـ أن يكون من السهل أن يتذكرها الجمهور المستهدَف، ليتمكن من ترويجها عن طريق الاتصال الشخصي.

ـ أن تكون الشائعة بسيطة وغير معقّدة، وتتضمن معلومة محددة، ولا تشمل الكثير من التفاصيل.

ـ أن تتوافق الشائعة مع مصالح الجمهور، وتُشبع احتياجاته، وتتم فيها مراعاة الظروف التى يمر بها الجمهور.

ـ أن تنجح فى استغلال مشاعر الجمهور وعواطفه، وتعمل على إثارتها.

ـ أن تتناسب الشائعة مع السوابق التاريخية.

ـ أن تلبى الشائعة توقعات الجمهور.

ـ من الأفضل أن تتم نسبة الشائعة إلى مصدر موثوق به.

ـ أن يتم تجنب المبالغة فى صياغة الشائعة.

تلك المواصفات تؤكد أن ما يتم إطلاقه من شائعات مستهدفة الدولة ليست صنيعة أفراد بشكل عشوائي، إنما هى صناعة احترافية يتم تدقيق كل جزء فيها حتى تؤتى ثمارها بالنيل من المجتمعات دون إطلاق رصاصة واحدة.

(2)

استطاع تطور وسائل الاتصال، والخبرات المتراكمة، فتح مجالات جديدة لتطوير استراتيجيات الحرب النفسية، من أهمها علوم النفس والسياسة والاجتماع والأنثروبولوجيا واللغة.

مع التطور الكبير لصناعة الشائعات شهدت عملية استهداف إحداث انقسامات داخلية وتقسيم الدول حتى وإن لم يكن تقسيمًا إداريًا، موجة قوية لخلق حالة من الصدام الداخلى بين أبناء المجتمع الواحد الأمر الذى جعل من مسار الحروب غير التقليدية أكثر فعالية وتأثيرًا لتدمير الدول.

بحسب “روب ريكا فيرما”(Roop Rekha Verma) نائب رئيس جامعة Lucknow University الأسبق، فإن الصراعات الداخلية قد تكون لديها القدرة الأكبر على تدمير البلاد، لأنها يمكن أن تأكلها من جذورها.

الأسابيع الماضية شهدت موجة كبيرة من انتشار الشائعات مستهدفة النيل من وعى المواطنين، والتشكيك فى مؤسسات الدولة الوطنية.

فما بين الحديث عن وصول إحدى السفن تحمل شحنة أسلحة لميناء الإسكندرية زعمًا أنها لصالح دولة الاحتلال، ليخرج وزير النقل الفريق كامل الوزير فى بيان رسمى موضحًا تفاصيل الواقعة وحقيقتها ليكشف زيف أبواق الإعلام التابعة لقوى الشر.

عقب تلك الواقعة وكشف زيفها حاولت قوى الشر مرة أخرى النيل من مساندة الدولة المصرية للقضية الفلسطينية والدفاع عنها، والتى تعتبرها الدولة المصرية ثابتًا من ثوابتها الراسخة، وعلى رأس أولوياتها، فما تقدمه مصر للقضية الفلسطينية من دعم لم ولن يتوقف حتى إعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

لتبدأ الحديث عن عبور إحدى القطع البحرية الإسرائيلية لقناة السويس، لترد هيئة قناة السويس ببيان رسمى أكدت فيه التزامها بتطبيق الاتفاقيات الدولية التى “تكفل حرية الملاحة للسفن العابرة فى المجرى الملاحى الدولى فى وقت السلم والحرب دون تمييز لجنسيتها أو لحمولتها”.

وأوضح بيان الهيئة أن السلطات المصرية ملتزمة بتطبيق بنود اتفاقية القسطنطينية الموقعة فى العام 1888، والتى تكفل حرية الملاحة فى قناة السويس دون تمييز لجنسية السفن العابرة، موكدةً أن عبور السفن الحربية لقناة السويس لا يخضع لأى إجراءات خاصة.

إن حروب الشائعات لن تتوقف لأنها إحدى أدوات الحروب الأكثر فاعلية بل باتت مؤثرة على نتائج المواجهات العسكرية التقليدية.

إن استهداف الدولة المصرية بهذا الكم الهائل من الشائعات دليل على قوة الدولة، فما يحدث من قِبل قوى الشر هو محاولة لزعزعة تماسك الشعب وقيادته ومؤسساته الوطنية القوية التى لا تزال تقف حجر عثرة أمام أكبر مشروع لمنطقة الشرق الأوسط الذى يستهدف إعادة تقسيمه من جديد، لتصبح فيه إسرائيل أكبر دولة من حيث المساحة بعد أن تستولى على أجزاء من دول الجوار وتسيطر على كامل الأراضى الفلسطينية، وهو هدف معلن لم يعد خفيًّا على أحد، لكن الدولة المصرية تقف حجر عثرة أمام هذا المشروع الاستعماري.

(3)

مع ارتفاع وتيرة الحرب النفسية والنيل من الرموز وتشويهها لضمان عدم التفاف المجتمعات حولها، تبدأ عملية ممنهجة لشيطنة الشعوب وتدمير ثوابتها الأخلاقية.

هذا الأمر يتم وفق مسارين الأول منهما؛ خلق شخصيات يتم بها تدمير الثوابت، وتغيير المفردات والعمل من خلال منظومة متكاملة لتقديم تلك الشخصيات الجديدة وجعلها أكثر إبهارًا، وكذا استغلال الأوضاع الاقتصادية لتقديم قدوة زائفة وتحطيم الرموز الحقيقية.

المسار الثاني: الترويج لسيناريو شيطنة المجتمع بشكل كامل من خلال محاولات إسقاط نماذج فردية سلبية على المجتمع كافة، وترديد مفردات تشير لذلك، لتَثبت لدى العقل الجمعي.

إن عمليات تشكيل الوعى الثقافى للإنسان هى إحدى أهم الركائز لمواجهة تلك الحرب فما يجرى تحقيقه عبر العولمة الثقافية وسيطرة الدول الكبرى على آليات البناء الثقافى والفكرى والأخلاقى له دور كبير فى تحطيم المجتمعات من الداخل.

 وقد كان أحد أسباب تفكك الاتحاد السوفيتى فى حربه الباردة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، ما تم من عمليات تشكيل وجدانى وثقافى للشعب السوفيتى وفق المرجعية الأمريكية فى مفهوم وفلسفة الحياة.

وإذا كانت السيطرة تتم بالآلة الحربية فعدد الرءوس النووية السوفيتية هى فى الواقع ضعف عدد الرءوس الأمريكية، لكن نقطة الضعف كانت فى الضعف الثقافى، وهذا مبدأ معروف فى علم الاستراتيجية يقوم على أن تحقيق السيطرة يتوقف على قوة (مركز الإرسال الثقافى) والسيطرة الثقافية.

تعظيم سلام للمرأة المصرية 

ستظل المرأة المصرية تاجًا فوق رءوسنا، وستظل فخرًا لهذا الوطن.. لمَ لا وهى الأم والأخت والزوجة والابنة.

هى أم الأبطال الذين صمدوا على جبهة القتال لاستعادة الأرض واستعادة كرامة الأمة، وأمام اختطاف الدولة من جماعات الظلام خرجت المرأة المصرية فى المقدمة لاستعادة الوطن. إن محاولات النيل من المرأة المصرية وتشويه صورتها من قِبل البعض هو استكمال لسيناريو مسموم ومحاولات تحطيم الكتل الصلبة التى تحافظ على ثبات وقوة الدولة الوطنية.

فـ تعظيم سلام نقدَّمه لكل سيدة وفتاة مصرية.