رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

تونس..حكاية استرداد وطن مختطَف منذ عشر سنوات

الصحة ومنظومة بناء الإنسان

1901

قبل عام 2014، كنا نحن القرويين لنا نصيب كبير في أعداد المصابين بالفيروس الكبدي «سي»، نظرًا لأن معظم أبناء القرى والصعيد كانت نسبة الإصابة لديهم بالبلهارسيا كبيرة.. بل وكان البعض منهم قد حصل على الحقن التي كانت تعطيها وزارة الصحة في السبعينيات والثمانينيات للمصابين بالمرض، وذلك قبل ظهور علاج جديد للبلهارسيا.
ولأن البلهارسيا.. خاصة بلهارسيا الدم كان لها دور أساسي في تليف الكبد.. فكانت تلك الحقن الزجاجية لها أيضا دور كبير في نقل الإصابة بفيروس الكبد «سي».
وكم من أقارب وأصدقاء وجيران التهم هذا الفيروس اللعين أكبادهم وراحوا ضحيته.. وكم من الأطفال والشباب لم يتركهم هذا الفيروس ليستكملوا أحلامهم.
كان كثير من أبناء القرى يصابون بالفيروس وكانت قرى الوجه البحرى أكثر إصابة.. ومع عدم وجود علاج شافٍ للمرض بشكل حقيقى تزايدت نسب الإصابة لتصبح مصر من أكبر دول العالم حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية عام 2008 ليبلغ عدد المصابين 7.8 مليون مصاب.
وأذكر أننى وكثيرًا مثلى من أبناء الريف المقيمين بالقاهرة عندما كنا نتلقى اتصالاً هاتفيًا بإصابة أحد الأقارب أو الأصدقاء بالفيروس.. كنا نسأل الله له الرحمة خاصة مع تسارع مراحل تطور المرض.. وكانت عملية احتجاز المصاب بالرعاية بقسم الباطنة بأحد المستشفيات هى بداية النهاية.
نعلم أن لكل أجل كتابًا.. وأن الموت ليست له أسباب، فهو قدر الله الذى قدره على خلقه.
(1)
أصبحت مصر الأولى عالميًا فى نسبة الإصابة بالمرض وبلغت نسبة المصابين 14.7% وتفوقت فى نسبة انتقاله والعدوى.
ومع ظهور «الإنترفيرون» كعلاج للمرض بدأت الدولة تتحرك نحوه ولكن ببطء شديد؛ نظرًا للمضاعفات التى يسببها العلاج والنسبة القليلة التى تحقق الشفاء.
وفى 2014 ولأن الدولة وضعت نفسها أمام تحدٍ مهم وهو الحفاظ على صحة المصريين، من هنا كان التحرك نحو برنامج أطلقته وزارة الصحة بعنوان «خطة عمل للوقاية من الالتهاب الكبدى الفيروسى ورعايته وعلاجه من 2014 وحتى 2018».
وذلك فى إطار المحافظة على الإنسان، فالمرض يلتهم سنويًا أكثر من 40 ألف حالة ويتسبب فى وفاتها التى تعادل نسبة 7.4% من حجم الوفيات.
باتت فكرة القضاء على المرض فى بلد هى الأكثر إصابة على مستوى العالم (مصر) أشبه بالخيال.
ولكن لأن قيادة الدولة المصرية كانت قد عزمت على مواجهة المرض.. أعلن رئيس الجمهورية الرئيس، عبد الفتاح السيسى، مبادرته للقضاء على فيروس «سي» وبدعم من صندوق «تحيا مصر».
(2)
وبدأت الدولة أولى خطوات المواجهة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية لتقييم التجربة، التى لم تجرؤ كبرى دول العالم (الولايات المتحدة) أن تخطو نحوها.. فبفكر مصرى وعمل مخلص ومتواصل.. كانت البداية بالتفاوض على سعر الدواء المعالج للمرض والذى بلغت نسبة الشفاء به أكثر من90% ونسبة 100% للحالات المصابة ولم تصل إلى مرحلة المضاعفات من أثر الإصابة بالفيروس.
بلغ سعر الدواء عالميًا (سوفالدى) 84 ألف دولار للجرعة الواحدة تكفى 12 أسبوعًا للمريض الواحد، وهو الرقم الذى يصعب على أى دولة أن ترصده لعلاج هذا العدد من المصابين.
وبدأ فريق العمل بالتفاوض مع الشركة الأمريكية المنتجة للسوفالدى وصاحبة براءة اختراعه.. من أجل الحصول على الدواء بسعر أقل لكى تتمكن الدولة المصرية من علاج المصابين بالمرض.
ونجح فريق المفاوضين فى معركة استمرت أكثر من 6 أشهر لتحصل مصر فقط من الشركة الأمريكية على الدواء بنسبة تخفيض بلغت 99% ليصبح سعر الجرعة لمدة 12 أسبوعًا 900 دولار فقط للفرد.. فى الوقت الذى يبلغ فيه 55 ألف دولار فى كندا.. وتصبح مصر الدولة الوحيدة فى العالم التى حصلت على الدواء بهذا السعر.. جولات تفاوض ومشاورات وعمل مخلص قام به مجموعة من الشرفاء والمخلصين الوطنيين الذين سيأتى اليوم ويرى المصريون حجم ما قاموا به من إنجاز من أجل توفير العلاج بسعر مناسب للمريض المصرى ولمواجهة هذا الخطر الذى دمر أكباد المصريين.
تم الحصول على ترخيص من الشركة الأمريكية بإنتاج الدواء فى مصر وتحملت الدولة تكاليف العلاج.. وانقشعت الغمة وبدأت مراحل مواجهة المرض فأطلقت بوابة التسجيل الإلكترونى للمرضى فى 2014 والتى سجل بها 200 ألف مصاب خلال الأيام الثلاثة الأولى وبدأ العلاج مع متابعة النتائج.
وعلى مدار ثلاث سنوات، استطاعت مصر أن تصنع نموذجًا عالميًا تشيد به منظمة الصحة العالمية.. وتعتبر مصر الدولة الرائدة فى مواجهة التهاب الكبد الفيروسى «سي».
عالجت مصر أكثر من مليون و600 ألف مصاب بتكلفة بلغت 26 مليار جنيه.
ولم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية أن تفعل ما فعلته مصر فى مواجهة المرض رغم وجود أكثر من 3.5 مليون أمريكى مصابين بفيروس «سي» بلغت تكلفة علاجهم 300 مليار دولار تقريبًا ما يوازى 5 تريليونات جنيه.
(3)
وبعد أن كانت هناك قوائم انتظار العلاج.. انتهت القوائم وبدأت الدولة مرحلة جديدة وهى مرحلة ملاحقة المرض بالبحث عن المصابين.
فأطلق الرئيس أكبر عملية مسح شامل على مستوى الدولة المصرية ( 100 مليون صحة) تحمل اسم «الحملة القومية للقضاء على فيروس – سى – والكشف عن الأمراض غير السارية» والتى تستهدف الكشف المبكر عن الإصابة بفيروس الالتهاب الكبدى (سي).
– الكشف المبكر عن السكرى وارتفاع ضغط الدم والسمنة.
– العمل على الوصول إلى مصر خالية من فيروس سى بحلول عام 2020.
– خفض الوفيات الناجمة عن الأمراض غير السارية والتى تمثل حوالى 70% من الوفيات فى مصر.
– دعوة منظمات المجتمع المدنى إلى المشاركة فى الحملة.
– تشكيل فرق عمل لتنفيذ المبادرة تضم نحو 5484 فردًا.
– إجراء فحص فيروس سي، والأمراض غير السارية، وذلك للمواطنين ممن تزيد أعمارهم على 18 عامًا.
– تخصيص نحو 1412 مقرًا لإجراء الحملة.
– توقيع بروتوكول تعاون بين وزارة الصحة والسكان، والهيئة الوطنية للانتخابات، للاستعانة بقاعدة بيانات الناخبين للوصول لجميع المستهدفين بالمسح.
– تستعين وزارة الصحة فى خطتها لتنفيذ المسح الشامل لفيروس «سي» بقواعد بيانات اللجنة القومية للانتخابات، وذلك بهدف الوصول إلى 45 مليون مواطن فى جميع محافظات الجمهورية.
(4)
يتم علاج المصابين مباشرة بعد إجراء التحليلات اللازمة لهم وتحديد أقرب مستشفى للمريض لتلقى العلاج وبذلك تكون مصر بحلول 2020 أول دولة على مستوى العالم استطاعت أن تقضى على الالتهاب الكبدى الفيروسى «سي».
وقد تم فحص أكثر من 6 ملايين مواطن خلال الشهور الأولى للحملة التى تنتهى مرحلتها الأولى نهاية الشهر الحالى فى 9 محافظات.
بتكلفة تزيد على 250 مليون جنيه هى تكلفة الشرائح المستخدمة فى الكشف المبدئى والمواد الكيميائية، كما تم تحويل أكثر من 241 ألفًا ثبتت إصابتهم بالمرض للمستشفيات لتلقى العلاج بتكلفة 3 مليارات و904 ملايين جنيه وهو ما يكشف حجم ما تنفقه الدولة المصرية على قطاع الصحة من أجل الحفاظ على الإنسان وبنائه بناء سليما، لأنه هو عماد التنمية.
وليتحول كابوس الإصابة بفيروس «سي» إلى مجرد مرض عادى، فما أن يبلغك أحد بإصابة شخص به.. مباشرة تجدك تبلغه بالذهاب إلى أقرب مستشفى لتلقى العلاج بالمجان.. وهو الدور الهام الذى تقوم بها الدولة لصالح المواطن.
فبعد أن كانت موازنة وزارة الصحة عام 2012/2013 15 مليار جنيه مخصص منها 8 مليارات لسداد ديون الوزارة بلغت موازنة وزارة الصحة 47 مليارًا و950 مليونًا فى عام 2014/ 2015.
ومن المواجهة إلى الملاحقة ألتقى بكم العدد القادم وما تم فى قوائم الانتظار والمستشفيات النموذجية.