رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

لماذا كان الصدق أبرز أخلاقه ؟

991

الصادق الأمين سمة تحولت إلى لقب حتى صار مقترنا باسم محمد صلى الله عليه وسلم، وقبل أن ينزل الوحى عرفته مكة بالصدق فى أقواله وأحواله وأفعاله خلال معاملاته، وقطعوا الشك باليقين باعترافهم فى كل محافلهم أن الكذب لم يعرف إليه طريقا، وأول ما حرص عليه بعد بعثته حث صحابته على تحرى الصدق فى جميع أمورهم.

ولذا كان أى شخص بمجرد اللقاء به يطمئن إلى صدق قوله، سواء هذا الشخص من عشيرته أو من خارج مكة، وبرغم تعنت وعناد الكافرين له ومراوغة المنافقين معه، كانوا يعترفون فيما بينهم بصدق دعوته، ويشهدون بعظمة أثرها الطيب على تابعيه.

وحين تراه يعاود جاره اليهودى أثناء مرضه، الذى دأب على آذاه، لن يساورك شك للحظة واحدة أن الرسول يرائى أو يتظاهر بالتسامح والعفو، ولذا لبى اليهودى دعوته دون تردد، ونطق الشهادتين، وكانت ابتسامة النبى دليلا على صدق حلمه وصبره على سوء معاملة الأعرابى له، الذى قال فى الرسول: فإنك لا تعطى من مالك ولا مال أبيك، ثم يأمر بأن يجزلوا له فى العطاء، واستجابت القلوب للرسالة السماوية حين لمست صدق معاملاته فى مقابلته الإساءة بالحسنى، وأصبحت المعاملة الحسنة منهاجا فى سيرة الصحابة والتابعين.

ومن أشهر أقوال السلف الصالح: «الصدق منجاة»، ويجزل صاحب العمل الأجر للعامل حين تتطابق أقواله عن مهاراته مع جودة أدائه، والصادقون فى أقوالهم وأفعالهم يأتمنهم الناس على أسرارهم وأموالهم، وقال تعالى فيهم: «والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون»، وكان صدق النية على التوبة، هو طوق النجاة لقاتل المائة شخص من عذاب الله.

والصادق يشعر بالأمان، وتجده متصالحا مع نفسه، ولا يتناقض سلوكه مع أقواله، ورفاهية الدول المتقدمة تأتى على يد هؤلاء الصادقين، وما هى إلا محصلة صدق الغالبية من مواطنيها فى عطائهم وأدائهم بإخلاص فى أعمالهم، ونشهد هذا جليا مع أهالى اليابان وكوريا الجنوبية.

ودائما تتزايد نسبة إقبال العملاء على الشركات الصادقة فى تعاملاتها، ويهرب المستهلكون إلى شراء منتج آخر وقت اكتشافهم الخداع والغش فى منتجهم المفضل، والتاجر الذى يبيع بذمة واحدة يلقى رواجا، وكلما زاد وعى العميل استطاع أن يفرز الجيد من الخبيث بقياسه مدى التزام الشركات بتعهداتها.

ولذا أسفر الفكر الجمعى عن ضرورة تأسيس منظمة الشفافية الدولية، وصارت تصدر تقريرا سنويا عن مستوى الفساد حول العالم، وذلك من خلال مقارنتها بين مدى الالتزام والصدق فى تطبيق القانون وبين نسبة الفساد فى البلاد، والذى اعتبره الخبراء أكبر عائق للتطور فى مجالات الحياة.

وتعد منظمة الشفافية الدولية مؤسسة دولية فريدة من نوعها فى محاربة الفساد، واستقر الرأى لدى صاحب فكرة تأسيسها «بيتر أيجن» رئيس البنك الدولى الأسبق أن الثقافة السائدة فى أى بلد تلعب دورا أساسيا فى مدى انتشار الفساد، والثقافة تعنى المفهوم التربوى والعقائدى لدى الشعوب، وتعكس مستوى احترامهم للقوانين ودرجة تمسكهم بالتعاليم الدينية، ووضعوا لمنظمة الشفافية الدولية معيارا عاما، وهو النزاهة والصدق خلال المعاملات فى شتى صورها.

ونخلص إلى أن الصدق المفتاح الرئيسى لبوابة النجاح، ولذا من أسس التربية الحديثة والقديمة ألا تدع الصدق يفارق لسانك، وكان سيد الخلق صدقه أسمى وسيلة لاستقبال الناس والدعوة للإسلام بصدر رحب، وكان سببا لانتشاره فى بضع سنوات.