https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

تونس..حكاية استرداد وطن مختطَف منذ عشر سنوات

المتحف الكبير والمشهد الانتخابي

47

يعيش المشهد المصري فى هذه المرحلة واحدة من اللحظات الفارقة التي تتقاطع فيها الرموز الوطنية مع الممارسات الواقعية فى حياة المجتمع؛ فمن جهة يقف المتحف المصري الكبير كأكبر وأضخم صرح أثري وثقافي فى العالم، يعيد صياغة علاقة المصريين بتاريخهم العريق، ويجذب أنظار العالم نحو الحضارة التي علّمت الإنسانية معنى الخلود.
وحرصت الصحف العالمية ووكالات الأنباء الدولية والقنوات التليفزيونية على استعراض بعض صفحات التاريخ المصرية من خلال المتحف فأعدت العديد من التقارير المكتوبة والمصورة عن الحضارة المصرية وعظمة الإنجاز الجديد للمصريين.
حالة من الزخم الإعلامي والسياحي غير المسبوقة عن مصر، الوفود السياحية تنقل صورة مبهرة عما شاهدته خلال رحلتها وكأنها قد ركبت آلة الزمن، لتقدم مصر، الماضي والحاضر، فى أبهى صورة.
من جهة أخرى، يأتي المشهد الانتخابي بكل ما يحمله من دلالات على وعي الشعب المصري وقدرته على التمييز بين الحقائق وحملات التشويه.
مع انتهاء المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية فى 14 محافظة التي ستعلن الهيئة الوطنية للانتخابات نتيجتها يوم 18 نوفمبر الجاري؛ تستعد محافظات المرحلة الثانية للانتخابات وسط جولات المرشحين ومحاولات الحشد من قبل الأحزاب السياسية، فقد حرص النواب على التواجد بين المواطنين بدوائرهم الانتخابية فى ظل حراك شديد بين مرشحي الأحزاب والمستقلين على المقاعد الفردية.
الأمر الذي يجعل المعركة الانتخابية فى محافظات المرحلة الثانية أكثر سخونة.


(1)

منذ افتتاحه الرسمي الذي تحول إلى احتفالية عالمية، يشهد المتحف المصري الكبير إقبالًا غير مسبوق من الزوار، سواء من المصريين أو الأجانب. فمشهد العائلات المصرية أمام بواباته الضخمة، وحماس الأطفال لالتقاط الصور مع تمثال رمسيس الثاني أو قناع توت عنخ آمون، لم يكن مجرد مظهر سياحي، بل دلالة على شغف وطني عميق بالحضارة المصرية القديمة التي تعود لتحتل مكانتها فى الوجدان العام.
هذا الإقبال الواسع يعكس تحوّلًا فى المزاج العام، إذ لم يعد التاريخ فى نظر المصريين مجرد ماضٍ يروى فى الكتب، بل أصبح حاضرًا يلمسونه بأنفسهم فى صرح عالمي ضخم يعيد إليهم الثقة والفخر.
فالمتحف الكبير ليس مجرد بناء حجري فخم، بل رسالة وعي تقول للعالم: إن مصر التي صنعت التاريخ قادرة على صيانته وحمايته وتقديمه للأجيال المقبلة فى أبهى صورة.
إن الشعب المصري يثبت للعالم أنه أكثر وعيا بقيمة حضارته ليس كما كان يروج البعض أن الأجانب أكثر وعيا بقيمة الحضارة المصرية من المصريين أنفسهم.
ذلك المشهد عايشته بنفسي خلال زيارتي للمتحف الكبير الأسبوع قبل الماضي وقد تناولتها فى العدد السابق.
لكن المشهد المبهر يبدو أنه أزعج البعض فحاول تقديم الصورة السلبية الصادرة عن عدد من الأفراد لا يتخطون عدد أصابع اليد الواحدة ويقدمونهم كصورة عامة.
بل واصلت عمدا آلة صناعة الكذب والمعروفة بـ “رصد” الموالية للتنظيم الإرهابي ومنذ اللحظة الأولى تشويه الصورة.
فنشرت صورا قدمتها على أنها صورة سلبية لأغطية بلاستيكية ممزقة حول سور المتحف، وردت عليها وزارة السياحة فى بيان لها أن ما ظهر يتعلق بأغطية بلاستيكية مؤقتة كانت قد وضعتها الشركة المنظمة لحفل الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير فوق حواجز خشبية مؤقتة شيدتها خلال أعمال التجهيز للاحتفالية، وذلك لحماية المنطقة المحيطة والحفاظ على المظهر العام أثناء الأعمال التحضيرية والاحتفالية.
لقد كانت الاحتفالية فى المنطقة المكشوفة أمام المتحف الأمر الذي استلزم وجود تجهيزات مؤقتة لها وتم رفعها.
وشددت الوزارة على أن هذه المواد ليست جزءًا من أي عنصر معماري أو إنشائي بالمتحف، وأن المظهر العام للموقع يُعاد إلى حالته الطبيعية فور الانتهاء من أعمال ما بعد الحفل.


كما لم يَغِب عن المشهد بعض الأصوات التي حاولت التقليل من الحدث أو تشويهه، بالتركيز على تصرفات فردية محدودة من بعض الزوار، أو محاولات بث مقاطع مصطنعة لتصوير سلوكيات سلبية باعتبارها تعبيرًا عن “الواقع المصري”.
لكن اللافت أن من يقف وراء تضخيم هذه الوقائع هم أنفسهم من اعتادوا ترويج السلبية فى كل إنجاز مصري، مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة لإطلاق الشائعات، وتشويه الصورة الذهنية عن الشعب المصري أمام العالم.
ومما يثير الإعجاب أن الوعي الجمعي للمصريين تصدى تلقائيًا لهذه المحاولات.
فقد امتلأت مواقع التواصل بتعليقات إيجابية تدافع عن المتحف وعن صورة المصريين، وتؤكد أن الأغلبية الساحقة من الزوار تعاملت برقي واعتزاز.
هذا الموقف يعكس نضجًا فى الوعي العام؛ فالمصريون باتوا يدركون أن هناك من يسعى لتشويه صورتهم بهدف إحباطهم وإضعاف ثقتهم ببلدهم، خاصة فى لحظات الإنجاز الكبرى التي تجذب أنظار العالم.
كما أعلن المتحف المصري الكبير، عبر موقعه الرسمي عن مدونة سلوك وإرشادات السلوك الخاصة بالزوار خلال فترات الزيارة.
تأتي تلك الحملات لتشويه صورة المصريين؛ مع تصاعد حملة المطالبة بعودة الآثار المصرية المنهوبة من المتاحف العالمية، وهي حملة تلقى تأييدًا واسعًا فى الداخل والخارج.
فأي قطعة أثرية خرجت من مصر فى فترة من الفترات سواء منهوبة أو عن طريق بعض البعثات أو الهدايا تمثل جزءًا من التاريخ المصري، وعودتها ليست مجرد استعادة لمقتنيات، بل استعادة لحق تاريخي.
وفى هذا السياق، ساهم المتحف المصري الكبير فى تسليط الضوء العالمي على هذه القضية، إذ باتت عيون العالم ترى أن مصر اليوم قادرة على حفظ تراثها بأحدث المعايير، وأن القطع المنهوبة يجب أن تعود إلى موطنها الأصلي.
هنا لابد أن نتساءل من يقف وراء تضخيم الصورة السلبية الفردية تلك؟ خاصة إذا كانت إدارة المتحف والجهات المعنية اتخذت الإجراءات ضد أي فرد يحاول المساس بالآثار طبقا للقانون.
المتحف الكبير لم ينعش فقط الحركة السياحية، بل امتد تأثيره إلى المؤسسات الثقافية والمتاحف الأخرى مثل المتحف القومي للحضارة والمتحف المصري بالتحرير والمواقع الأثرية الأخرى، التي شهدت إقبالًا متزايدًا بعد الزخم الذي أحدثه المتحف الكبير.
هذا الترابط بين المتاحف المختلفة خلق شبكة ثقافية نابضة بالحياة، وأعاد للآثار مكانتها فى الحياة اليومية للمصريين.
لقد تحولت زيارة المتاحف إلى طقس وطني ثقافى يعكس تنامي الوعي بأهمية التراث الإنساني.


(2)

وفى الوقت الذي نشهد فيه حالة الزخم الكبير للسياحة الثقافية، يعيش المشهد السياسي المصري مرحلة مهمة تتمثل فى الانتخابات البرلمانية التي بها يتم استكمال المجلس النيابي بغرفتيه، والتي تعد مقياسًا آخر لمدى وعي المواطن وإيمانه بالمشاركة الفاعلة فى صنع القرار ليرسم مستقبل وطنه خلال السنوات الخمس القادمة باختياره لمجلس تشريعي قوي.
ورغم حملات التشكيك التي حاولت بعض المنصات ترويجها، إلا أن الإقبال على التصويت فى المرحلة الأولى عكس حجمًا كبيرًا من الاهتمام الشعبي والوعي، خاصة فى محافظات غرب الدلتا والصعيد، التي كان للوعي دور فيها بالإضافة إلى العصبية والقبلية التي تحكم المشهد الانتخابي أيضا.
هذا الوعي لا يأتي من فراغ؛ فالمواطن المصري بات يدرك أن الحفاظ على الاستقرار والتنمية التي بناها على مدى عقد كامل يحتاج إلى مؤسسات قوية منتخبة تمارس دورها فى الرقابة والتشريع.
كما أن وعي المواطن بأهمية الحفاظ على ما تحقق من بناء خلال العقد الأخير كان أحد الدوافع الأساسية للمشاركة فى العملية الانتخابية.
نعم الأحزاب السياسية البعض منها حاول أن يكون مؤثرا فى المشهد لكن ظل وعي المواطن المصري هو البطل الحقيقي فى المشهد الانتخابي.
كما حدث مع المتحف، ظهرت محاولات لتقديم صورة غير واقعية عن العملية الانتخابية، من خلال اجتزاء صور أو مقاطع لتصوير ضعف الإقبال أو المبالغة فى بعض السلبيات.
لكن الحقيقة على الأرض كانت مختلفة تمامًا؛ الهيئة الوطنية للانتخابات والمنظمات الدولية والمحلية كانت تتابع المشهد لحظة بلحظة وسط إشراف قضائي كامل.
فالمشهد أمام اللجان اتسم بالنظام والانضباط، وشهد مشاركة شرائح متنوعة من المجتمع، من الشباب إلى كبار السن، رجالًا ونساءً، وسط أجواء من الوعي والمسؤولية.
ومع انطلاق المرحلة الثانية من الانتخابات، يتجدد الرهان على وعي المصريين، تمامًا كما نجحوا فى إفشال حملات التشويه التي استهدفت المتحف الكبير.
فمن الواضح أن هناك محورًا واحدًا يجمع بين حملات الهجوم على الإنجازات الثقافية والسياسية، هدفه واحد: بث روح الإحباط وتقويض الثقة فى مؤسسات الدولة.
غير أن المصريين أثبتوا، مرة بعد أخرى، أنهم أكثر وعيًا مما يظن البعض، وأنهم قادرون على فرز الحقيقة من الزيف.
إن الربط بين المتحف المصري الكبير والمشهد الانتخابي قد يراه البعض بعيدا، لكن الحقيقة أن كليهما يعبران عن وعى المصريين.
فالمتحف يرمز إلى الذاكرة الحضارية المرتبطة بإنجاز الحاضر، والانتخابات البرلمانية تمثل ملامح الطريق للمستقبل.
وفى كليهما يظهر المصري وهو يستعيد ثقته فى نفسه، متمسكًا بحقوقه، مؤمنًا بقدرة وطنه على المضي قدما رغم كل التحديات.
إن الدفاع عن المتحف فى وجه حملات التشويه هو نفسه الدفاع عن العملية الانتخابية فى وجه التضليل؛ فالمعركة فى الحالتين ليست على حدث بعينه، بل على صورة مصر، على وعي المصري، على ثقته بقدراته وبمستقبله.
لقد أصبح الوعي الوطني اليوم هو خط الدفاع الأول عن مصر. فمهما كانت الأدوات الإعلامية المستخدمة فى محاولات التشويه، فإن المواطن الواعي هو من يحسم المعركة.
المصريون باتوا أكثر إدراكًا أن قوتهم الحقيقية ليست فقط فى جيشهم أو مؤسساتهم، بل فى قدرتهم على رؤية الصورة كاملة وعدم الانجرار وراء من يحاولون تصغير الإنجازات أو تضخيم الأخطاء.
فى النهاية المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى عظيم، والانتخابات ليست مجرد صناديق اقتراع؛ كلاهما اختبار لمدى صلابة الوعي المصري وإيمانه بذاته.
ومثلما واجه المصريون حملات التشويه بالانتصار للحقائق، سيواصلون المشاركة والوعي والتمسك بالهوية، لأنهم ببساطة يعرفون قدر وطنهم، ويؤمنون أن من بنى الأهرامات وصنع أول حضارة على الأرض، لن تهزه مقاطع مفبركة ولا حملات مغرضة.
وسيظل المشهد المصري بكل ما فيه من تنوع وتحديات شاهدًا على شعبٍ لا يفقد بوصلته، يعرف كيف يفرح بإنجاز، وكيف يصوّت بوعي، وكيف يحمي صورته أمام العالم، بالثقافة والسياسة والكرامة الوطنية.