قبل عام ونصف العام تقريبا شهدت القاهرة وبالتحديد فى 17 مارس 2024 قمة مصرية أوروبية حضرتها، أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، وألكسندر دي كرو، رئيس وزراء بلجيكا، الذي كانت تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي حينها، وجورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا، وكيرياكوس ميتسوتاكيس، رئيس وزراء اليونان، وكارل نيهامر، مستشار النمسا، ونيكوس خريستودوليدس، رئيس قبرص.
فى تلك القمة، تم الاتفاق على ترفيع مستوى العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى حزمة من القرارات، كان على رأسها تعهد الاتحاد بزيادة حجم التعاون الاقتصادي مع دعم مالي لمصر بقيمة 7.4 مليار يورو للفترة من 2024 إلى 2027، تشمل قروضاً واستثمارات ومنحاً.
وعلى مدى عام ونصف العام، شهدت العلاقات المصرية الأوروبية تطورا كبير على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والعديد من القطاعات الأخرى.
علاقة استراتيجية وشراكة رفيعة المستوى، بين مصر والاتحاد الأوربي شهدت الـ 96 ساعة قبل كتابة تلك السطور فصلا مهما من فصولها.
فالقمة المصرية الأوروبية التي استضافتها العاصمة البلجيكية -بروكسل، كانت بمثابة ثمرة من ثمار مرحلة ترفيع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي، ليأتي البيان الختامي للقمة الذي جاء فى 23 بندا بمثابة تتويج لقمة ناجحة بامتياز.
هنا لابد أن نتوقف عند عدد من المحطات فى العلاقات المصرية الأوروبية، وكيف استطاعت الدولة المصرية خلال العقد الأخير أن تصل بالعلاقات مع أوروبا إلى هذه المرحلة من الشراكة الناجحة.
(1)
دعونا نبدأ بالمحطة الأولى وما كان قبل أحداث 2011، فقد كانت العلاقات المصرية الأوروبية فى عهد الرئيس مبارك تعتمد على الجانب الاقتصادي من شراكة تجارية، حيث أطلقت أوروبا سياسة الجوار الأوروبية التي منحت دولاً مثل مصر إمكانية الوصول إلى بعض مزايا السوق الأوروبية الداخلية، مع ربط هذا الدعم ببعض الإصلاحات؛ أما على المستوى السياسي فقد شهدت مراحل شد وجذب، واتفاق واختلاف، خاصة فى ملف حقوق الإنسان، الذي كان دائما ما يصيب العلاقات المصرية الأوروبية بالتوتر.
أما المحطة الثانية كانت بعد أحداث 2011 فقد نظر الاتحاد الأوروبي إلى مصر بترقب شديد رغم أن عددا من دوله تعد أحد الفاعلين فى المشهد المضطرب بالمنطقة العربية ومصر فى ذلك الوقت.
وخلال العام الذي تولى فيه تنظيم الإخوان السلطة؛ فى بداية الأمر كان هناك انفتاح على الإخوان؛ ثم سرعان ما أدركت العديد من دول الاتحاد حقيقة التنظيم، وأعربت بعض الدول ومنها ألمانيا فى ذلك الوقت عن مخاوفها من أن تنحرف مصر عن مسارها الديمقراطي.
عقب خروج الشعب المصري بثورته المجيدة فى 30 يونيو وإطاحته بالرئيس محمد مرسى وجماعته، عمل التنظيم الدولي على تشويه المشهد المصري أمام دول الاتحاد الأوروبي، فأعلن الاتحاد مراجعة علاقاته مع مصر على ضوء تلك التطورات، خاصة فيما يتعلق بالدعم المالي، حيث جُمدت بعض المساعدات التي كانت مخصصة لبرامج معينة، مع استمرار الحوار السياسي.
استخدم التنظيم الإرهابي عددا من المراكز البحثية والحقوقية فى عرض صورة غير واقعية لما حدث فى ثورة 30 يونيو 2013 من خروج الشعب المصري بأكثر من 40 مليونا فى الشوارع يطالبون بإسقاط نظام الجماعة الإرهابي وإسقاط حكم المرشد.
الأمر الذي على أثره اتخذت بعض دول الاتحاد موقفا ضد الدولة المصرية.
المحطة الثالثة: عقب تولي السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم فى يونيو 2014 عمدت الخارجية المصرية على توضيح الصورة الحقيقية للمشهد فى مصر، وكيف أن الشعب المصري استطاع أن يسترد وطنه من تنظيم لا يعرف سوى لغة الإرهاب والدم.
وكانت مواجهة مصر للإرهاب فى حرب تعد من أهم الحروب وأكثرها تأثيرا على إعادة الاستقرار للمنطقة.
أدرك الاتحاد الأوروبي المشهد الحقيقي لما دار فى مصر على مدى عدة سنوات بعد 2011.
وفى 2017 بدأ الاتحاد الأوروبي يرى المشهد المصري بصورته الحقيقية، ويدرك زيف ما زعمته بعض الكيانات التي تقدم تقاريرها للبرلمان الأوروبي وغيره من المؤسسات الأوروبية.
بدأت مصر تستعيد علاقتها بقوة مع الاتحاد ودوله خاصة بعد نجاحها فى الحرب التي خاضتها ضد الإرهاب نيابة عن المنطقة والعالم.
أدرك الاتحاد الأوروبي الدور المحوري لمصر فى تحقيق الاستقرار والأمن فى المنطقة، خاصة فى ليبيا وشرق المتوسط.
وكثف الجانبان التعاون فى مكافحة الإرهاب، فى ظل التهديدات المتزايدة فى المنطقة؛ واستمر الاتحاد الأوروبي كشريك تجاري رئيسي لمصر، وزادت الاستثمارات الأوروبية المباشرة فى مصر.
وفى مارس 2024 خلال قمة القاهرة تم توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي.
لتأتي قمة بروكسل الأسبوع الماضي تتويجا لعلاقات استراتيجية وشراكة قوية ترسم مستقبل سيكون شاهدا على تعاون غير مسبوق بين مصر ودول الاتحاد خاصة فى ظل زيادة حجم الصادرات المصرية إلى أوروبا والذي يبلغ ثلاثة أضعاف ما تصدره مصر لكل من الولايات المتحدة والصين والهند مجتمعة وهو ما اعتبرته رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين مؤشرا على قوة وعمق العلاقات.
(2)
جاءت قمة بروكسل والتي استمرت لمدة 96 ساعة بمثابة صفحة جديدة فى علاقة تاريخية بين مصر وأوروبا، وتعزيز للشراكة الاستراتيجية وتأكيد على متانة العلاقات السياسية، وكان ذلك واضحا خلال اللقاءات الثنائية بين السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي وقادة الاتحاد الأوروبي منذ لحظة وصوله إلى بلجيكا.
لقاءات حضرها رؤساء دول وحكومات فرنسا، إسبانيا، هولندا، اليونان، إستونيا، بولندا، الدنمارك، ليتوانيا، قبرص، رومانيا، لاتفيا، لوكسمبورج، كرواتيا، إيرلندا، بلغاريا، النمسا وفنلندا، وبحضور رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس المجلس الأوروبي.
كما التقى بالسيدة روبرتا ميتسولا، رئيسة البرلمان الأوروبي، وكذا التقى جلالة الملك فيليب، ملك بلجيكا، وذلك بالقصر الملكي ببروكسل.
القمة التي شهدت ترحيبا كبيرا بالسيد الرئيس عبدالفتاح السيسي وثقة فى نجاح الدولة المصرية وإشادة كبيرة بما حققته مصر خلال العقد الأخير من نجاحات على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي والإنساني ودورها فى تحقيق السلام بالمنطقة.
وأشاد رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة المفوضة الأوروبية ورئيسة البرلمان الأوروبي بما نجح فيه الرئيس السيسي من الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة، وإشادة بنجاح قمة شرم الشيخ للسلام.
لم تكن حفاوة الاستقبال فقط بالرئيس السيسي خلال قمة بروكسل ومشاركته فى فعالياتها المختلفة التي استمرت لمدة 4 أيام بل فى حجم التصفيق الحاد الذي حظي به الرئيس السيسي لحظة دخوله القاعة التي شهدت فعاليات القمة، تقديرا لمكانة الدولة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسي.
لقد حرص العديد من أعضاء الوفود المشاركة أن يسجلوا تلك اللحظة على هواتفهم الشخصية.
إنها لحظة تكشف كيف استطاعت مصر بقائدها الحكيم ورؤيتها وثوابتها الراسخة أن تحظى بمكانة كبيرة لدى الاتحاد الأوروبي والعالم.
ففي الوقت الذي كانت فيه قوى الشر والتنظيم الإرهابي بعناصره فى الخارج يستعدون لتعكير صفو تلك الزيارة من خلال أبواقهم الإعلامية ومعاونيهم فى أوروبا كانت أوروبا نفسها تحتفي بالرئيس المصري والدولة المصرية، وتؤكد أن الشراكة مع مصر هي بمثابة رسم طريق للمستقبل.
الأمر الذي جعل الاتحاد الأوروبي يقرر خلال البيان الختامي للقمة أن يزيد من حجم الاستثمارات فى مصر خلال الفترة المقبلة، ويؤمن بالرؤية المصرية فى حل الأزمات ومواجهة الصراعات بالحلول السياسية وليست العسكرية.
لقد تم الاتفاق على تعزيز التعاون فى ملف الهجرة غير الشرعية، من خلال برامج لدعم التنمية وتوفير فرص العمل.
كما تواصل التعاون فى مجالات الأمن ومكافحة الجريمة المنظمة والأمن السيبراني.
كما تم الإعلان عن انضمام مصر لبرنامج “أفق أوروبا” لتعزيز التعاون فى مجال البحث والابتكار.
كما تم إطلاق مبادرات لتعزيز التعاون فى مجالي الطاقة والتحول الأخضر.
لقد شهدت القمة توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والتعاون المشترك كما جاء البيان الختامي المشترك ليؤكد أن القمة حققت نجاحا غير مسبوق وقد تم الإعلان عن أن القمة القادمة سوف تستضيفها القاهرة 2027.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صلاح منتصر.. والسنوات السمان






