https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

تونس..حكاية استرداد وطن مختطَف منذ عشر سنوات

درة المتاحف.. أم الدنيا تبهر العالم

144

الشعوب البناءة هم من يصنعون التاريخ.. ليسطروا حضارة تظل أكبر شاهد على عظمة وقوة الأمم. ففي عمر الدول تقاس مراحل الازدهار والنهضة بما شيدته الشعوب من بناء وما وصلت إليه من تقدم فى العلوم والتنمية.

قبل أكثر من سبعة آلاف عام شيد المصريون أعظم حضارة فى التاريخ؛ مازالت كنوزها وأسرارها لم تبح بالعديد من تفاصيلها بعد، ليقف العالم مبهورا بها على مر العصور.

هنا مصر.. أرض الحضارة والتاريخ.. عندما يجتمع الماضي والحاضر والمستقبل معا.

هنا يتحقق الحلم ليصبح واقعا حقيقيا يشهده العالم .. هنا بنى المصريون حضارتهم والآن جيل من الأحفاد يقفون إلى جوار الأجداد ليشيدوا أعظم متحف عرفته الإنسانية حتى الآن لحضارة واحدة.

على امتداد شعاع البصر يقف شامخا أحد أعظم معجزات الدنيا الباقية هرم الملك خوفو لينظر الملك من غرفته فى قمة هرمه على ما شيده الأحفاد ليؤكدوا للعالم أن بناة تلك الحضارة لم يموتوا بل توارثوا البناء جيلا بعد جيل إنهم أبناء شعب مصر.

عمل متواصل وبناء عظيم يقدم للعالم إعجازا آخر، أكبر متحف فى العالم، إنه المتحف المصري الكبير هنا إلى جوار جبانة منف يقف المتحف يجتمع فيه الأجداد ليرسلوا وصاياهم للأحفاد ويقدموا للعالم أكبر هدية.

(1)

قبل أكثر من ثلاثة عقود كان المتحف المصري الكبير مجرد حلم يبحث عن مسار لكي يتحول إلى واقع مكتمل، ولأن المصريين لا يعرفون المستحيل، فاستطاعوا رغم التحديات أن يحولوا الحلم إلى واقع.

كان العالم يرى أن كنوز المصريين المكدسة فى المخازن المتحفية والمناطق الأثرية، تجعل من عملية استرداد القطع الأثرية سواء المنهوبة أو المسروقة والمعروضة فى صالات المزادات الدولية أمرا صعبا.

الأمر الذي جعل مصر تعمد إلى إنشاء عدد من المتاحف الكبرى وفق رؤية فنية ومعمارية دقيقة، تبهر العالم وتكشف الحضارة المصرية جزءا من أسرارها فى قاعات عرض متحفية على أعلى مستوى سواء التجهيزات التقنية أو الفنية للحفاظ على سلامة الأثر.

فشيد المصريون المتحف القومي للحضارة الذي يحمل تاريخ مصر عبر العصور، وزين بمجموعة من أهم المجموعات الأثرية “المومياوات الملكية” التي نقلت من المتحف المصري بميدان التحرير إلى مقرها بمتحف الحضارة بمنطقة الفسطاط فى موكب ملكي مهيب فى أبريل عام 2021، ليرى العالم عظمة الحضارة المصرية.

ومن المتحف القومي للحضارة إلى تطوير وإنشاء العديد من المتاحف الأخرى بعدد من المحافظات.

إنها ليست عملية إنشاء متاحف تضم غرفا متحفية وصالات عرض لعدد من القطع الأثرية وجدران وأسقف خرسانية، لكنها جزء من سردية ثقافية تحكى تاريخ الوطن، وتحافظ على هويته.

(2)

بنى المصريون خلال العقد الأخير دولتهم بعد أن ترهلت وكادت أن تذوب وسط طوفان الفوضى المهلك لكل من سقطوا فيه من الشعوب.

لكن المصريين بناة الحضارة على مر التاريخ أبوا أن يحدث لهم ذلك وهو عهدهم دائما؛ ما إن تضعف الدولة حتى يتبعها صحوة قوية وعنفوان غير مسبوق رغم التحديات لتنهض بقوة تواجه الصعاب وتبهر العالم قاطبة لا محيطها الإقليمي فقط.

شيد المصريون المدن والمصانع والمدارس والمستشفيات والجامعات وبنية تحتية تليق بدولة ناهضة بقوة.

هنا كان لابد لأعمدتها أن تكتمل بسرديتها الثقافية وحضارتها الضاربة فى عمق التاريخ مازالت تحمل العديد من الأسرار.

بدأ حلم المتحف المصري الكبير بفكرة عام 1993 عرضها وزير الثقافة الدكتور فاروق حسنى على الرئيس مبارك فى ذلك الوقت واختير المكان ليكون هناك تكامل بين التصميم والإنشاء والحضارة.

كما خطط ليكون المتحف به مجموعات أثرية كاملة مثل مجموعة الملك توت عنخ آمون والتي يتفرد بها المتحف المصري الكبير والتي تضم أكثر من 5000 قطعة أثرية وهي أكبر خبيئة فى تاريخ الإنسانية لملك.

تم وضع حجر الأساس للمتحف عام 2002 وخطط أن يتم افتتاحه فى 2013 بحسب تصريحات وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، ونقل تمثال رمسيس الثاني من ميدان رمسيس إلى موقع المتحف لتجري عملية البناء بعد تثبيت التمثال على قاعدته فى البهو الرئيسي فى 2005 وحتى عام 2010 وكان حجم الإنجاز حتى ذلك التاريخ لم يتجاوز 17% وحجم الإنفاق بلغ 578 مليون جنيه، لتأتي أحداث 2011 وتوقف كل شيء وتباطئ العمل.

وفى عام 2015 عرض المهندس إبراهيم محلب موقف المتحف المصري الكبير على الرئيس عبدالفتاح السيسي وما تم من إنجاز فى المشروع حتى تاريخه والتكلفة الكبيرة التي يحتاج إليها لاستكمال الإنشاء.

فقد كان محددا لمشروع أن تبلغ التكلفة 800 مليون دولار لكن تأخر الانتهاء من المشروع أدى إلى تضاعف تكلفة الإنشاء لتصل إلى مليار و600 مليون دولار، إلا أنه تم تنفيذ المشروع بتكلفة بلغت 950 مليون دولار وترشيد 650 مليون دولار.

عند عرض الأمر على الرئيس طلب العمل على الانتهاء من المشروع، فى وقت قياسي حتى لا تتضاعف التكلفة.

وفى 2017 كان القرار بتطوير المنطقة بالكامل كما تمت مراعاة تنفيذ المشروع وفق المخطط الهندسي والذي راعى الاستدامة البيئية فتم تسهيل الوصول والانتقال إلى موقع المتحف والاعتماد على الإضاءة الطبيعية فى البهو الكبير الذى يتوسطه الملك رمسيس الثاني مستقبلا الزائرين وعلى يمينه الدرج العظيم الذي يجمع عددا من القطع الأثرية تعبر عن تاريخ مصر وعلى امتداد شعاع الرؤية تجد هرم خوفو.

إنها عبقرية التصميم ودقة وبراعة التنفيذ.

كما تمت الاستفادة من مياه الأمطار من خلال إنشاء خزان لمياه الأمطار حيث تتم إعادة استخدامها فى عمليات ري الحدائق المحيطة بالمتحف.

ورغم أن المتحف المصري الكبير تبلغ مساحته 8 أضعاف متحف لوفر أبوظبي ويحتوي على 5 أضعاف مساحة العرض المتحفي لمتحف لوفر أبوظبي و30 ضعف القطع الأثرية المعروضة إلا أن تكلفة إنشاء المتحف المصري الكبير أقل من ثلث تكلفة متحف لوفر أبوظبي.

لقد واجهت المشروع العديد من التحديات منها تطوير المنطقة المحيطة، وإنشاء الممشى السياحي الذي يربط المتحف بمنطقة الأهرامات خاصة أنه يمر عبر المنطقة الأثرية وهو ما جعله أمرا بالغ الدقة والتعقيد.

كما كانت عملية نقل مركب الملك خوفو (مركب الشمس)، والتي تعد أقدم أثر عضوي فى التاريخ حيث يبلغ عمرها 4600 عام، حيث تم إنشاء متحف مراكب الشمس ولم تكن عملية نقل المركب إلى المتحف بالأمر اليسير حيث صنع له قفص معدني بالكامل لضمان الحفاظ عليه خلال عملية النقل فهو يتكون من حوالي 651 جزءا من خشب الأرز، وتم ترميمه ليصبح بطول 43.4 متر وعرض 5.9 متر، وقام بترميمه الحاج أحمد يوسف على مدى 25 عاما.

لقد حقق اللواء مهندس عاطف عبدالفتاح المشرف على مشروع إنشاء المتحف المصري الكبير حلم الأثريين بنقل مركب الملك خوفو بيسر وسلاسة.

كما يوجد مركب آخر تم اكتشافه وجرى أعمال الترميم له بالمتحف الكبير الذي يضم أكبر مركز للترميم فى العالم ليكون ضمن مجموعة مراكب الشمس بالمتحف الكبير.

(3)

لقد بلغ حجم ما تم إنفاقه خلال السنوات الست الأخيرة على المشروع منذ 2016 وحتى 2023 (التاريخ الذي كان مقررا افتتاح المتحف فيه لولا أحداث غزة) 19 مليارا و359 مليون جنيه، كما تم إنفاق 2 مليار و436 مليون جنيه خلال الفترة من 2010 وحتى 2016، كما بلغت نسبة الإنفاق من 1998 وحتى 2010 نحو 578 مليون على مدى 13 عاما، لو تم خلالها إنجاز نسبة أكبر من المشروع – غير تلك النسبة الضئيلة التي لم تتجاوز 17% من المشروع حتى 2017 أي على مدى 19 عاما – لانخفضت تكلفة الإنشاء وهو الأمر الذى يدلل على أن سرعة إنجاز المشروعات يعد بمثابة أكبر عملية ترشيد فى تكلفة الإنشاء.

إن ما أنجز خلال الست سنوات الأخيرة بالمشروع يعادل 420 عاما وفق ما جرى عليه العمل والإنفاق فى السنوات الثلاث عشرة الأولى من عمره.

لقد تفوق المصريون على أنفسهم فصنعوا معجزة تقف بالقرب من مقبرة منف ليصنع سقفها ثلاثة خطوط من الشعاع ممتدة إلى قمم الأهرامات الثلاث.

ومن أحد جدران واجهته يسقط شعاع الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني كما هو الأمر فى معبد أبوسمبل مرتين فى العام.

لقد حرصت إدارة المشروع القومي الكبير رغم التحديات على إنجازه فى الوقت المحدد، ولم يتوقف العمل بالمشروع خلال جائحة كورونا رغم أنها أوقفت العمل فى العديد من مواقع العمل داخل مصر وعلى مستوى العالم.

لقد استطاع الأحفاد أن يستكملوا عظمة الأجداد ليقدموا للعالم درة تاج المتاحف وأكبرها.

اليوم يقف المشروع العظيم شامخا من أرض الواقع يضم بين جنباته أكثر من 100 ألف قطعة أثرية فى أكبر قاعات عرض متحفية شاهدا على عظمة الحضارة المصرية ويكفي أن المتحف به أقدم قطعة أثرية يبلغ عمرها 700 ألف عام (فأس العباسية) تُعتبر هذه الفأس من أقدم الأدوات التي استخدمها الإنسان فى مصر.

إنها مصر الحضارة والتاريخ والحاضر والمستقبل واليوم تستقبل ملوك ورؤساء وأمراء ورؤساء حكومات فى احتفالية ضخمة ينتظرها العالم ليعرف المزيد عن عظمة الحضارة المصرية.

إنه لمن حسن الطالع أن تحتفل مصر والعالم بافتتاح المتحف الكبير ويتزامن معه احتفالنا بالعدد الأول من العام الذهبي لمجلتنا العريقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ__

شكرا د. إبراهيم صابر

تلقت مجلة أكتوبر قبيل صدور هذا العدد تهنئة رقيقة من الدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة، بمناسبة صدور العدد الأول فى العام الخمسين لمجلة أكتوبر أكد فيها أن هذا الصرح التنويري الذي ترأس تحريره الأستاذ أنيس منصور وحمل اسم أكتوبر الذي يعد مبعث فخر وزهو لكل مصري قام بدور كبير فى بناء الوعي وترسيخ قيم المجتمع وعبر الدكتور إبراهيم صابر عن تمنياته لهيئة تحرير المجلة وقرائها بالتوفيق.

ونحن إذ نشكر له تهنئته الرقيقة متمنين له دوام التوفيق فى مهمته الوطنية ونؤكد أن أكتوبر وهى تحتفل بعامها الذهبي، سوف تحرص على أن تقدم للقارئ رؤية إعلامية جديدة وموضوعات صحفية متميزة تناقش قضايا الوطن وهموم المواطن وطموحاته.