رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

لماذا تغرد فرنسا وألمانيا خارج السرب؟

814

داليا كامل

فى الأزمة الأوكرانية..

من المنتظر أن يزور وزير الخارجية الفرنسى، جان إيف لودريان ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، كييف يومى السابع والثامن من الشهر الجارى لإجراء محادثات مع نظيرهما الأوكرانى فى إطار الجهود المبذولة لوقف تصعيد الصراع هناك مع روسيا، وفى تغريدة على تويتر، كتبت بيربوك: «نحن نواصل جهودنا لخفض التصعيد فى إطار صيغة نورماندى الرباعية»، التى تجمع روسيا وأوكرانيا معًا لإجراء محادثات بوساطة من ألمانيا وفرنسا، والتى بدأت بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم فى عام 2014، بهدف المساعدة فى إنهاء صراع طويل الأمد فى شرق أوكرانيا بين القوات الحكومية والانفصاليين الموالين لروسيا.

وجاء الإعلان عن الزيارة بعد ساعات قليلة من إجراء الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، محادثات بالهاتف مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين، توافقا خلالها على «ضرورة نزع فتيل التصعيد»، ومواصلة «الحوار» فى الأزمة الأوكرانية، وفق ما أعلن الإليزيه.

وبالرغم من أهمية الجهود الألمانية لنزع فتيل الأزمة، فإن رفض ألمانيا إرسال أسلحة إلى أوكرانيا أثار غضب بعض الحلفاء، وكان المستشار الألمانى أولاف شولتس، قد برر موقف بلاده، بأن ألمانيا لا ترسل أسلحة للخارج لأسباب تاريخية، فى إشارة إلى دور البلاد فى الحرب العالمية الثانية، وهو ما أكدت عليه بعض وسائل الإعلام العالمية، فى إطار تناولها لدوافع الموقف الألمانى- الفرنسى المصر على مواصلة الحوار مع موسكو.

وفى هذا الصدد، أرجع تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» هذا الموقف من «أقوى دولة فى أوروبا» إلى «أسباب تاريخية ومعقدة»، مشيرا إلى أن أهوال الحرب العالمية الثانية، لا تزال راسخة فى أذهان العديد من الألمان ولا تزال تؤثر على سياستهم الخارجية اليوم.

وذكر التقرير أن ألمانيا تعتبر، إلى حد كبير، أمة من دعاة السلام، ويكشف مسح سنوى أن معظم الألمان يعتقدون أن المفاوضات الدبلوماسية هى أفضل طريقة لحل أى نزاع. وأشار إلى أن نادرًا ما تشارك القوات الألمانية فى أى شىء آخر غير مهام حفظ السلام، وأن ثمة استثناءات قليلة- وكانت مثيرة للجدل – بما فى ذلك البلقان فى التسعينيات، ومؤخراً أفغانستان.

ويقول توماس كلاين – بروكهوف من صندوق مارشال الألمانى: «لدى ألمانيا سياسة طويلة الأمد لضبط النفس عندما يتعلق الأمر بالصراع العسكرى بجميع أنواعه، وينظر إلى تصدير الأسلحة على أنه يؤجج الصراع بدلا من الحد منه. هذه السياسة طويلة الأمد تنص على أن ألمانيا
لا تصدر أسلحة إلى مناطق الصراع»،

للموقف الألمانى، سبب آخر حسبما يقول تقرير «بى بى سى»، وهو أن المستشار الألمانى الجديد شولتس يفضل النهج القائم على الحوار الذى اتبعته انجيلا ميركل، إذ لعبت ألمانيا جنبا إلى جنب مع فرنسا، دورًا فعالًا، فى وضع ما يسمى بصيغة نورماندى لتحقيق وقف إطلاق النار فى شرق أوكرانيا، ومن المأمول أن الصيغة نفسها ربما تنجح الآن.

ويقول نيلس شميدت، المتحدث فى مجال الشئون الخارجية باسم الحزب الاشتراكى الديمقراطى، الذى ينتمى إليه المستشار الألمانى، «إن فرنسا وألمانيا وسيطتان، وأعتقد أنه ليس من المناسب بالمرة لدولة وسيطة إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، إلى طرف واحد فى النزاع، لأننا نحاول الترويج لحل دبلوماسى».

ووفقا لـ «بى بى سى»، فإن ألمانيا فى وضع جيد يمكنها من انتهاج مثل هذه الدبلوماسية، حيث إن علاقة ألمانيا بروسيا تختلف عن علاقات العديد من الدول الغربية الأخرى، إذ أن ثمة آلاف الشركات الألمانية التى تعمل هناك، كما نشأ العديد من الألمان- بمن فيهم أنجيلا ميركل – خلف الستار الحديدى، وتعلموا اللغة الروسية فى المدرسة، إضافة إلى أن روسيا تعتبر المزود الأول للطاقة فى السوق الألمانية.

لكن برلين متهمة أيضاً بترجيح كفة مصالحها التجارية الخاصة، كما تقول الكاتبة الصحفية مارى ديجيفسكى فى مقال لها على موقع «اندبندنت عربية»، والمقصود بذلك هو التزامها بمشروع «نورد ستريم 2» لأنابيب الغاز، الذى انتهى العمل به فى الصيف الماضى، وهو ينقل الغاز مباشرة من محطة بالقرب من سانت بطرسبورج إلى ساحل ألمانيا على بحر البلطيق، متجاوزا أوكرانيا، ما يعنى أنه يحرم تلك الدولة من رسوم المرور التى تتلقاها من خط الأنابيب الحالى.

أما عن الموقف الفرنسى، فتشير ديجيفسكى إلى أن ماكرون قد يشعر أن عليه التزام الحذر، «ففى حين فاز شولتس للتو بالانتخابات، يحين موعد انتخابات ماكرون فى أبريل، ومرشحو المعارضة الذين يقفون إلى يمينه ينافسونه بشدة ويهددون بالتغلب عليه، وأى خطوة خاطئة يتخذها فى أوكرانيا من شأنها، سواء جاءت على شكل التورط فى صراع عسكرى أو الوقوف جانباً، أن تكون مكلفة للغاية»، فى نفس السياق، أشار تقرير تحليلى لصحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن ماكرون، بعد المحادثات الهاتفية مع نظيره الروسى، تحدث فى اليوم نفسه إلى الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، «وهى خطوة وضعت الزعيم الفرنسى على وجه التحديد فى المكان الذى يسعى إلى أن يكون فيه قبل الانتخابات الرئاسية فى أبريل: فى قلب دبلوماسية إدارة الأزمات ذات التأثير على مستقبل أوروبا».