أكدت تقارير صادرة عن مؤسسات التمويل الدولية مدعومة بتقارير وسائل إعلام عالمية أن التدابير النقدية والمالية التى اتخذتها الحكومة المصرية بالتزامن مع الإجراءات التى أقرها البنك المركزى المصرى نجحت فى التغلب على التطورات العالمية المعاكسة للمصالح الاقتصادية لجميع الدول نتيجة للصراعات الاقتصادية التى خلفتها الحرب الروسية فى أوكرانيا وتداعيات الصراعات السياسية.
وبحسب هذه التقارير فإن الإجراءات النقدية والتدابير التى اتخذتها الحكومة المصرية مؤخرًا موضع إشادة بنوك عالمية، من أهمها بنك ستاندرد تشارترد العالمى الذى أعلن انسحابه من 7 دول شرق أوسطية لتعزيز نشاطه فى مصر والسعودية ويحول فروعه فى الدولتين إلى فروع إقليمية باعتبارهما الاقتصادين الأكثر ربحية فى منطقة الشرق الأوسط، مؤكدًا أنهما الأفضل للاستثمار فى الشرق الأوسط.
كتبت :صفاء مصطفى
وفيما يتعلق بالتحديات التى تواجه الاقتصاد المصرى تأثرًا بالتطورات العالمية، أكدت هذه التقارير أن التدابير التى اتخذتها الدولة المصرية وضعت مصر فى المسار الصحيح لمواصلة الإصلاح ومواجهة التحديات، ومن هذا المنطلق أكدت التقارير أهمية مواصلة جهود الإصلاح الاقتصادى فى مصر مع ضرورة توسيع قاعدة مشاركة القطاع الخاص فى النشاط الاقتصادى، السطور التالية تلقى الضوء على أهم هذه التقارير.
مصر والسعودية
أكدت وكالة رويترز العالمية للأنباء فى تقرير صدر مؤخرًا أنه فى ظل موجة انسحاب بنوك عالمية من العديد من المناطق فى مختلف أنحاء العالم، نتيجة صراعات اقتصادية، أعلن بنك ستاندرد تشارترد البريطانى العالمى انسحابه من 7 دول فى إفريقيا والشرق الأوسط، لافتا إلى أنه يعتزم التخارج من 7 دول فى الشرق الأوسط وإفريقيا وتقليص أنشطته فى دول أخرى بالمنطقة، وأن ذلك يأتى فى إطار السعى لخفض التكاليف والتركيز على أسواق أكثر ربحية، وأنه من هذا المنطق، يستهدف انسحاب ستاندرد تشارترد من الدول السبع الشرق أوسطية والتركيز على السوقين المصرية والسعودية وتحويل فروعه فى الدولتين لفرعين إقليميين، وذلك فى إطار تنفيذ خطة البنك لتحسين الأرباح من خلال تضييق نطاق تركيزه على الأسواق سريعة النمو فى المنطقة، وأنه بحسب التقرير وقع الاختيار على الاقتصاديين المصرى والسعودى لأنهما الأكثر ربحية بحسب ما أثبتته نتائج المقاييس العالمية لقياس معدل الربحية.
وأضاف تقرير رويترز، أن البنك سيتخارج بشكل كامل من أنجولا والكاميرون وجامبيا والأردن ولبنان وسيراليون وزيمبابوي، وأنه سيوقف معاملاته المصرفية للأفراد فى تنزانيا وساحل العاج، فى مقابل قصر الخدمات المصرفية للشركات فقط، لافتًا إلى أن هذه الخطوة تمثل تحولا رئيسيا لستاندرد تشارترد، الذى كان من أكبر البنوك الأوروبية التى استثمرت فى منطقة الشرق الأوسط على مدار السنوات الأخيرة التى شهدت انسحاب بنوك أخرى من المنطقة.
وبحسب التقرير أرجع البنك هذه الخطوة إلى الاستراتيجية التى ينتهجها البنك بالتركيز على اقتصادات أكبر وأسرع نموا فى المنطقة مثل السعودية، حيث افتتح أول فرع له، وكذلك مصر، مشيرًا إلى أن، بحسب إحصائيات البنك، الأسواق التى سيتخارج منها حققت حوالى 1% من إجمالى الدخل خلال العام 2021 ونسبة مماثلة من الأرباح قبل خصم الضرائب.
وجدير بالذكر أن ستاندرد تشارترد يوجد حاليًا فى 59 سوقا ويقدم خدمات لعملاء فى 83 سوقا أخرى.
نقدية ومالية
ذكر تقرير صدر مؤخرًا عن البنك الدولى أن التدابير النقدية والمالية التى اتخذتها الحكومة المصرية المتعلقة بسعر الصرف، وسعر الفائدة والتدابير النقدية والمالية الأخرى التى جاءت استجابة للتطورات العالمية المعاكسة (بما فى ذلك ارتفاع الأسعار وتشديد الأوضاع المالية)، والتى تفاقمت بسبب الحرب فى أوكرانيا، نجحت فى التغلب على هذه التطورات وتعزيز قدرة الاقتصاد المصرى فى مواجهة التداعيات الاقتصادية السلبية للحرب فى أوكرانيا.
وفى المقابل أشار التقرير إلى أن هذه التدابير تعكس التحديات الهيكلية الأساسية، التى تواجه الاقتصاد المصري، لافتا إلى أنه من هذا المنطلق من المتوقع أن تتباطأ الزيادة فى النمو إلى 9٪ تأثرا بالأوضاع العالمية وذلك فى النصف الأول من العام المالى 2021/2022 (مدعومة بالانتعاش فى القطاعات الموجهة للتصدير) تدريجيًا خلال السنة المالية 2022/23.
ومن أهم التوصيات التى جاء بها التقرير أن مواصلة الإصلاحات التى تستهدف تعزيز الاستثمار الخاص والصادرات والاستثمار الأجنبى المباشر تمثل معايير حاسمة بالنسبة لمرونة الاقتصاد وقدرته التنافسية.
وشدد التقرير على أهمية هذه التدابير فى حماية النشاط الاقتصادى، مشيرًا إلى أن من أهم هذه التدابير، إجراءات البنك المركزى المصرى بخفض سعر الصرف بين عشية وضحاها بنحو 16٪ لوقف اتساع عجز صافى الصادرات، ورفع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس للحد من التضخم واحتواء تدفقات المحفظة الخارجة. بالتزامن مع الإجراءات التى اتخذتها الحكومة ممثلة فى حزمة تخفيفية بقيمة 130 مليار جنيه (1.6٪ من إجمالى الناتج المحلى للسنة المالية 2022/2023) للتخفيف من أثر ارتفاع الأسعار من خلال رفع أجور ومعاشات القطاع العام، والإجراءات الضريبية ، وتوسيع تغطية برامج التحويلات النقدية، من بين تدابير أخرى.
ذكر التقرير أن الزيادة الأخيرة فى النشاط الاقتصادى وضعت مصر على المسار الصحيح لتحقيق نمو بنسبة 5.5٪ فى السنة المالية 2021/2022، إلا أنه استجابة للتداعيات السلبية الاقتصادية العالمية للحرب فى أوكرانيا، من المتوقع أن تبدأ التأثيرات الأساسية وتجاوز الطلب فى التناقص ومن ثم سيتأثر النشاط الاقتصادى سلبًا من تداعيات الحرب فى أوكرانيا، وهو ما يجعل من المتوقع أن يتباطأ النمو فى السنة المالية 2022/23.
وأوصى التقرير أن للمضى قدمًا فى مواصلة التنمية الاقتصادية، من الضرورى تعزيز كفاءة الإنفاق العام وتعبئة الإيرادات للاستفادة من الحيز المالى اللازم لتعزيز رأس المال البشرى والمادى للسكان الذين يزيد عددهم على 103 ملايين نسمة، لافتًا إلى أن القضية الأهم، هى الاستمرار فى متابعة الإصلاحات الهيكلية لإطلاق العنان لإمكانات القطاع الخاص فى الأنشطة ذات القيمة المضافة الأعلى والموجهة نحو التصدير وهو ما يعد أمرا ضروريا لخلق فرص العمل، وتحسين مستويات المعيشة.
أولويات ملحة
جاءت تصريحات كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولى، مؤكدة لأهمية التدابير التى اتخذتها الحكومة المصرية لحماية الاقتصاد المصرى من التداعيات السلبية لتطورات الصراعات العسكرية فى مناطق عديدة من العالم وخاصة الحرب فى أوكرانيا.
وفى هذا السياق أوضحت كريستالينا جورجيفا أن هناك ثلاث أولويات ملحة يفرضها الارتفاع غير المسبوق لمعدلات التضخم على البنوك المركزية والحكومات، وحول أولى الأولويات أوضحت أن التضخم يتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة من قبل البنوك المركزية، قائلة: «يجب أن يبقوا أصابعهم على نبض الاقتصاد وتعديل السياسة حسب الحاجة. ومع تشديدها، يجب على البنوك المركزية الكبرى أن تتواصل بوضوح، واضعة فى اعتبارها المخاطر غير المباشرة على الاقتصادات الناشئة والنامية الضعيفة».
وحول الأولوية الثانية أشارت إلى أنها تتعلق، بأسعار المواد الغذائية المرتفعة والمتزايدة التى تزيد القلق بشكل خاص، لاسيما فى البلدان الفقيرة حيث يوجد خطر متزايد بحدوث أزمة غذائية، قائلة: «نحن بحاجة إلى عمل دولى ونحتاجه الآن، بالأمس مع وزيرة الخارجية يلين ووزراء مالية وشركاء آخرين، أحرزنا تقدمًا مهمًا نحو العمل العالمى لتوفير الإغاثة الفورية».
وفيما يتعلق بثالث الأولويات شددت على أن مكافحة التضخم من خلال تشديد السياسة النقدية تؤدى إلى زيادة تكلفة خدمة الدين، مشيرة إلى أن هذه النسبة للبلدان منخفضة الدخل ، وصل عبئها إلى 50% من الناتج المحلى الإجمالى، مما يضع 60 % من البلدان فى حالة إلى مزيد من الديون الشديدة، مؤكدة أنه لمعالجة الديون، تحتاج البلدان إلى سياسات محلية يمكن أن تساعد فى إعادة ميزانياتها إلى مسارها الصحيح ، مع توفير المساعدة المستهدفة للفئات الأكثر ضعفاً، وأن ذلك من الممكن أن يتم بتطبيق سياسات ضريبية أكثر إنصافًا.
وفى سياق متصل أكدت أن الدعم الدولى ضرورى، لهذه الدول قائلة: «وهنا قلنا إنه يجب تحسين الإطار المشترك لمجموعة العشرين لمعالجة الديون بإجراءات وجداول زمنية واضحة للمدينين والدائنين، كما ينبغى توسيع نطاقه ليشمل الفئات الضعيفة المثقلة بالديون».
وفيما يتعلق بالاقتصاد المصرى شددت كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولى، على أن مصر بحاجة للاستقرار المالى ومواصلة الإصلاحات الاقتصادية، حسبما ذكرت الشبكة الأمريكية CNBC.
وكان صندوق النقد الدولى رفع توقعاته لنمو اقتصاد مصر خلال العام المالى الجارى إلى 5.9%، على أن يتراجع معدل النمو فى العام المالى المقبل إلى 5%، بسبب التطورات العالمية.