رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

بغداد..المتنبي

624

فى بغداد الجميلة والتى لاتزال رغم كل شىء تجد فيها عبق الثقافة وتاريخا طويلا، عبر ما قدمته منذ الفتح الإسلامى والخلافة العباسية وما قبلها.. بلد له حضارة وتاريخ تراكم عبر العصور ليكون هناك مكون ثقافى فى كل فروع المعرفة.

وللكتاب مكانته هناك، فكانت مكتبة بغداد ودور النشر الكبرى، وحركة نشر غير عادية وآلاف من الإصدارات فى كل فروع المعرفة.

ومن العلامات الكبيرة فى العاصمة بغداد تجد شارع المتنبى، والذى لا أمل من الحديث عنه وعن دوره الكبير فى تقديم الثقافة عبر التاريخ، ومن من المثقفين فى العراق أو غير العراق يزور بغداد ولا يعرف طريقه إلى هذا الشارع، الذى يبدأ من ميدان معروف الرصافى الشاعر الكبير وصولا إلى تمثال المتنبى على نهر دجلة، وبينهما هذا الشارع الذى له طراز معمارى فريد يقترب من العمارة فى مصر القديمة والمحلات من خلال البواكى القديمة والنشاط الأساسى للشارع من بدايته إلى نهايته مكتبات ودور نشر على الجانبين ووسط الشارع.. يفترش الأرصفة باعة الكتب القديمة منها أو الحديث.. يجد القارئ كل احتياجاته مهما اختلف العمر أو رؤيته أو حاجته إلى نوع معين من الكتب. والجميل أن هذا الشارع متخصص فى بيع الكتب أو طباعتها أو نشرها، ونجد هناك الكثير من الكتب القديمة التى يندر أن تجدها فى أى مكان آخر.

وفى الزيارة الأخيرة منذ شهور للعراق كنت فى بغداد، حيث وجدت تغيرات كثيرة هناك وخاصة فى شارع المتنبى والمنطقة المحيطة، التى تعتبر جزءا من التاريخ العراقى، ثم تجديد شارع المتنبى مع الحفاظ على عمارته القديمة وطابعه وتعديل الإضاءة فيه ليلًا وإعادة ترميم كاملة ليس للشارع فقط، بل وصل إلى المنطقة بالكامل من ميدان معروف الرصافى فى كل الاتجاهات.

وحالفنى الحظ فى هذه الزيارة أن أزور مقهى حسن عجمى، أقدم مقهى فى شارع الرشيد، والذى يتقاطع مع أول شارع المتنبى من ناحية ميدان معروف الرصافى، وهو مقهى قديم عمره 123 عامًا يتوارثه الأجيال، وآخر الأحفاد، الذى يدير المقهى هو السيد على رشيد عبد الله أبو عمر.

المقهى على الطراز القديم فى مقاعده، وهو عبارة عن آرائك أو كما نقول بالعامية «دكك أو كنب»، وعلى جدرانه تاريخ من الصور من أيام الملكية إلى عبد الكريم قاسم، إلى غيره من القادة إلى أن وصل إلى صدام حسين وصور لقادة الفكر والقادة السياسيين والمدارس والجيش العراقى.. حقيقة ملف كامل من الصور التى تعبر عن فترات حكم العراق فى براويز قديمة دون تغيير أو إضافة أو تحديث، كما صنعت فى وقتها.

نضيف إلى ذلك الدور الثانى، والذى كان عبارة عن فندق قديم ينزل به الزوار، وهو خشبى قديم تم الحفاظ عليه دون تعديل وألزمت الدولة صاحب المقهى أن يظل كما هو دون تغيير لأنه جزء من تاريخ العراق.

وشارع الرشيد فيه أيضًا مسرح الشام، والذى غنت فيه أم كلثوم عند زيارتها للعراق وأيضًا جامع صدر خان، والذى تم ترميمه أيضًا وبه أكبر قبة فى بغداد، بجوار مبنى وزارة الدفاع السابقة وجامع مراد باشا.. كل هذه المنطقة ممنوع التجديد أو تغيير المعالم بها.

ومن الصدف أيضًا بعد التعرف على المقهى وصاحبه أن يكون ركن الشيشة من تخصص عامل مصرى، وتصادف وجوده وتعرفت عليه واسمه رشاد من ديروط بأسيوط.. مصرى مقيم فى العراق منذ أربعين عامًا ومن حب صاحب المكان ترك له هذا الركن ليقدم فيه الشيشة لزبائن المقهى لحسابه الخاص ويعيش هناك ولم يزر مصر خلال هذه الفترة؛ لأنه يعيش وسط أهل العراق وهم أهله وسط ترحيب ويعتبرونه من أهل البلد.

المصرى فى العراق لا يشعر أنه فى بلد آخر، فهو فى بلده وسط أهله محل ترحيب وتشعر بذلك على كافة الأصعدة من سائق التاكسى إلى المطعم والفندق وأهل البلد من مختلف الطوائف.

الكرخ – الرصافة

هم أكبر الأحياء فى بغداد الكبيرة يفصل بينهما نهر دجلة ولكل حى فيهم مذاق خاص ويتميز بطبيعة مختلفة العمارة والجامعات وبغداد الحديثة وامتداد بغداد والمناطق الريفية.

كل هذا رغم ما نراه الآن وأوكد ويعلم كل العرب أن من أوصل العراق إلى هذه المرحلة الخلاف بين السنة والشيعة والأكراد، بل وداخل كل من هؤلاء فرق أخرى. والتفرقة بين مسلم ومسيحى أعلى مراحل الاختلاف فى الصراع السياسى الآن لاختيار رئيس وزراء أو تسميته.. جيش يعاد بناؤه بعد تسريحه.. ميليشيات طائفية.. التفرقة بين الأكراد وباقى البلاد منذ الحكم الذاتى لمناطق العراق أربيل والحكم الكردى واستغلال الضعف العراقى وحالة الانقسام وهجوم تركيا على الأكراد وانتهاك السيادة العراقية.

ألم يئن الآوان لحلول سليمة واتفاق على كلمة سواء، ليس أمامنا سوى الاتفاق، وإلا فناء الدولة العراقية وتفرقها وسط تهديدات كثيرة وعودة داعش من جديد.

الكثيرون يتربصون بالعراق لكى لا يعود أليس هناك رجل رشيد.. نعم ولكن يجب تغليب مصلحة الدولة فوق أى اعتبارات سياسية.. أبناء الوطن العظيم ومحبو الثقافة وأصحاب الحضارة قادرون على رأب الصدع.