رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

«الابن».. فقر إبداعى مزمن

314

ربما يكون هذا الفيلم الأمريكي، الذى أخرجه فلوريان زيلر، ويحمل عنوان “الابن”، من بين أكثر الأفلام الأمريكية الأخيرة إحباطا للتوقعات، ومن بين أقل الأفلام فى مستواها الفنى الفقير، وفى معالجتها المرتبكة.

قد يكون سبب ذلك أن زيلر قد اعتمد على نجاح فيلمه الأسبق” الأب”، الذى حصل على جائزتى أوسكار، والذى كان فيلم افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى 2020، وتوهم أن استكمال الحكاية بفيلم من وجهة نظر الأبناء، يعنى بالضرورة أن تحقق نفس النجاح.

لا بأس من الطموح والمحاولة، واستغلال نجاح فيلم سابق أمر مشروع،  ولكن عليك أن تبذل جهدا كبيرا ومعتبرا، فى فيلمك الجديد، وليس لدينا فيما شاهدناه فى فيلم “الابن” ما يشير إلى أى جهد ، أو إلى أى رغبة فى الإضافة والابتكار.

لدينا مع الأسف ثرثرة تستمر لمدة 123 دقيقة عن ابن كان ضحية لانفصال والديه، وانتهى به الأمر للإصابة بالاكتئاب، ثم الانتحار ببندقية والده، ومن خلال معالجة تفتقد إلى دراسة حقيقية لشخصية الابن، ولحالته المرضية، التى أشك أن صناع الفيلم يعرفون شيئا عنها، ومن خلال بناء يعتمد على الحوارات الطويلة، واللتّ والعجن والتكرار، وبأداء تمثلى عادي، رغم وجود نجوم ونجمات مثل هيو جاكمان ولورا ديرن ، بل ويظهر المشخصاتى الكبير أنتونى هوبكنز، بطل فيلم “الأب”، فى مشهد وحيد طويل، ولكن الأداء التمثيلى من الجميع ظل دائما عاديا، رغم محاولات التأثير العاطفي، خاصة بعد اكتشاف مرض الابن، وبعد انتحاره.

ظلت المشكلة المحورية فى غموض الحالة، وفى الاكتشاف المتأخر للإصابة بالاكتئاب، وفى محاولة جعل حالة طبية خاصة، عنوانا على فشل اجتماعي،  وتأكيدا لشعور الآباء بالذنب ناحية أبنائهم، وليس فيما شاهدناه ما يثير هذا الشعور، فالأب بيتر (هيو جاكمان) محام ناجح، انفصل عن زوجته الأولى (لورا ديرن)، وتزوج من امرأة أخرى، أنجبت له طفلا صغيرا، ولكن ظلت مشكلة ابنه المراهق نيكولاس، من زوجته الأولى، تؤرقه فى كل مكان.

الابن لا يذهب إلى المدرسة، فتذهب أمه إلى زوجها السابق طالبة المساعدة، ولا يجد بيتر سوى دعوة ابنه للإقامة معه، ومع زوجته الثانية، والأخيرة تتفهم ذلك، ولكنها تبدو متوجسة من تصرفات الابن الكئيب، والذى التحق بمدرسة جديدة، وذهب إلى طبيب نفسي، ومع ذلك، فإنه ينقطع من جديد عن الدراسة، وتكتشف الزوجة الجديدة أن ابن زوجها يحتفظ بسكين فى حجرته، وأنه يقوم بجرح يده بهذا السكين.

يفترض إذا علم أى أب بذلك، أن يأخذ ابنه مباشرة للطبيب، ولكن الفيلم يجعل الحل فى ثرثرة طويلة بين الأب وابنه،  وسيكون هذا هو منهج الحكاية، بالإصرار على أن المشكلة اجتماعية، وليست مرضية، وبقيام الأب أيضا بدور الطبيب، ثم بالإلحاح على ضرورة  شعور الأب بالذنب، رغم أننا نراه وقد خصص وقتا لمتابعة ابنه الكئيب المضطرب، وفى حوار بين بيتر، ووالده العجوز، جد نيكولاس، نكتشف أن العجوز لم يكن بدوره أبا نموذجيا لبيتر، وأن الجد كان متفرغا لنجاحه المهني، قبل الاهتمام بأسرته.

وضع العمل فى مقابل حالة مرضية لابن، وغموض سبب هذه الحالة تماما، كل ذلك جعل الدراما تتحرك فى فراغ كامل، مع كثير من المط والدوران حول نفس المعنى، ومع طول الحوارات التى تتحول أحيانا إلى مناظرات بين الأب وابنه، وبين الأب وزوجته الثانية، ويستثنى من ذلك مشهد جميل، يقوم فيه الثلاثة (الأب بيتر والابن نيكولاس والزوجة الثانية) بالرقص بمرح وسعادة، ولا يعيب هذا المشهد، الذى يعتمد على الصورة والحركة والموسيقى، وفيه كثير من الحيوية، إلا أنه يبدو غريبا جدا بالنسبة لمراهق يتملكه وحش اسمه الاكتئاب، ولذلك أشك كثيرا فى أن يكون كتّاب الفيلم ( السيناريست المعروف كريستوفر هامبتون والمخرج فلوريان زيلر)، قد درسا بشكل جيد طبيعة هذا المرض، وتأثيره على سلوك المصابين به.

لا تفلح أيضا لقطات عودة للماضى بين بيتر وزوجته الأولى وطفلهما نيكولاس فى إنقاذ السرد المترهل، ويحدث التطور الأهم فى الجزء الأخير، عندما يقوم بيتر وزوجته بإخراج ابنهما نيكولاس من المستشفى، بناء على طلب الابن، رغم إصرار الطبيب على ضرورة إبقائه تحت العلاج، ولا تفسير لاستجابة الأب والأم لطلب الابن، سوى الجهل والسذاجة، والإصرار على أن يشعر الأب بالذنب، ذلك أن خروج الابن الكئيب من المستشفى، سيقوده الى إطلاق الرصاص على نفسه.

مرة أخرى، فإن الابن يبدو عاديا أمام أبويه بعد خروجه من المستشفى، وهو أمر مستبعد فى حالة مريض الاكتئاب، الذى لا يمكن أن يجعل نفسه عاديا أو سعيدا كيفما شاء، والذى تظهر عيناه منطفئتين على الدوام، بعكس ما رأينا من مظهر الابن، مما يؤكد من جديد أن أحدا لم يهتم، لا بسبب المرض، ولا بتفاصيله ومظاهره، فالمهم فقط أن يبدو الأب مقصرا، مع أنه أبعد ما يكون عن ذلك، وفق الأحداث التى رأيناها.

هذا الارتباك جعل الفيلم أبعد ما يكون عن الإحكام، وجعله غير قادر حتى على أن ينافس حلقة من أوبرات الصابون التليفزيونية، فلم تبق لديه سوى حيلة سردية ساذجة، يتخيل فيها الأب أن ابنه نيكولاس لو كان حيا، لصار روائيا مشهورا، ثم يكتشف أنه فقد ابنه للأبد، ويبكى فى أحضان زوجته الثانية، مثل أى نهاية لفيلم ميلودرامى بائس.

كانت زوجته الثانية تكرر طوال الوقت أن بيتر أب مثالي، وتعتقد أنه سيعوض فقدانه لابنه المراهق نيكولاس، برعاية ابنهما الوليد، والحقيقة أن المتفرج هو من يحتاج إلى التعويض عن وقته المهدور، فى حكاية أريد لها أن تكون عن الابن، فتحولت من جديد إلى حكاية عن

الأب والجد.

 ويالها من فوضى درامية شكلا ومضمونا وعنوانا.