رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

شبح « السترات الصفراء» يلوح فى الأفق ماكرون فى مرمى نيران «التقاعد»

217

يبدو أن تبعات قرار الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» بشأن معاشات التقاعد لن تمر سريعًا، وقد لا يقتصر الأمر على المظاهرات والاحتجاجات فقط، إذ يواجه ماكرون حاليًا أخطر تحد لاستكمال ولايته الثانية بعد قراره بإطلاق بند دستورى يسمح له بتجاوز التصويت البرلمانى على التغييرات المزمع إجراؤها، التى تشمل رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما، واتفقت معظم التحليلات السياسية على أن ماكرون غامر بإثارة أزمة سياسية قد تعيد إلى الشارع سيناريو «السترات الصفراء»، وهو ما دفع بوزير الداخلية الفرنسى للقول إن هذه الفوضى أحيت ذكريات أليمة.

المحتجون قابلوا قرار الرئيس الفرنسى بالخروج إلى الشارع فى مدن مثل باريس ومارسيليا، كما أشعلوا النار فى دمية تمثل ماكرون، وهدد قادة النقابات بجولة جديدة من الإضرابات والاحتجاجات خلال الأيام المقبلة، واعتقلت الشرطة المئات، ولم يقتصر الأمر على الفوضى فى الشارع الفرنسى، إذ لم تقف المعارضة مكتوفة الأيدى أمام قرارات الرئيس الفرنسى، وتقدمت الأحزاب الفرنسية المعارضة لقانون إصلاح سن التقاعد بمقترح، لحجب الثقة عن الحكومة إلى البرلمان، فقدم أعضاء الكتلة المستقلة «ليوت» المدعومة من اليساريين، و5 أحزاب معارضة أخرى، وهو مجموعه 91 نائبا، أول اقتراح بحجب الثقة عن الحكومة.

وأعلنت النائبة «لور لافاليت» أن حزب التجمع الوطنى قدم اقتراحا آخر بحجب الثقة.

 وعلى الرغم من عدم نجاح المعارضة فى تحقيق أغلبية لإسقاط الحكومة، إلا أن العديد من الصحف العالمية أجمعت على أن ما قام به الرئيس الفرنسى مجازفة سياسية ذات عواقب كبيرة، وأن الولاية الثانية للرئيس التى لم تكمل عامها الأول بعد أكثر خطورة من ولايته الأولى التى بدأت فى عام 2017، وكاد يفقد منصبه فى العام الثانى منها، بسبب التظاهرات الواسعة التى قامت بها حركة «السترات الصفراء»، التى تشكلت بسبب سوء الوضع الاقتصادى، أثارت موجات احتجاجات متواصلة على مدار أكثر من عام.

وفى هذا السياق، ذكرت صحيفة «الجارديان» البريطانية أن الخطوة التى اتخذها ماكرون، التى دافع عنها، قائلًا: إنه لم يكن لديه خيار آخر، لأن التصويت ضد القانون سيضعف الأسواق ويضر بالاقتصاد، قد تحدد ملامح البلاد وبرنامج ماكرون المحلى والسنوات الأربع المتبقية له فى منصب الرئيس إذ اتهم منتقدو المصرفى السابق الذى تعهد يوماً بالتوفيق بين الشعب الفرنسى وطبقته السياسية التى تراجعت ثقته بها، وتعزيز راحة الشعب والحد من التصويت لليمين المتطرف، بتزايد استياء الشعب من السياسة، وربما تعزيز موقف اليمين المتطرف فى المستقبل.

وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من نجاة الحكومة من التصويت بحجب الثقة، إلا أن قدرة ماكرون على تنفيذ برنامجه المحلى تتهاوى، فقد اهتز موقفه بشدة منذ فشل حزبه الوسطى فى الفوز بأغلبية مطلقة فى الانتخابات البرلمانية فى يونيو الماضى، وسط مكاسب لليمين المتطرف واليسار الراديكالى، وأظهر الخلاف على تعديلات سن التقاعد كيف لا يمكن الاعتماد على اليمين لمساعدة ماكرون فى تمرير قانونه.

أما صحيفة «الايكونوميست» البريطانية، فقالت إن ماكرون لم يكن أضعف من الآن فى أى وقت مضى، حيث لم يكن يحلم قط بمثل هذه التكتيكات المُعادية للديمقراطية على نحو صارخ، إذا كان يعتقد أن إصلاحاته غير الشعبية لديها أى فرصة لتمريرها فى الجمعية الوطنية.

وأشارت الصحيفة إلى أن منتقدى ماكرون لطالما وصفوه بأنه «رئيس نخبة الأثرياء»، وقد منحهم مزيدا من الأدلة، التى تعزز هذا الوصف لتهربه من الديمقراطية، مضيفة أن ازدراء الجمعية العامة سوف يؤدى إلى اندلاع موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات فى جميع أنحاء فرنسا، قد تغير وجه البلاد.

من جانبها، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أنه بعد أن دفع ماكرون مشروع قانون التقاعد، الذى لا يحظى بشعبية من خلال البرلمان دون تصويت، اندلعت التظاهرات حول التغييرات مرة أخرى، بما فى ذلك مواجهة عنيفة فى العاصمة، باريس.

وقالت الصحيفة إن أحزاب المعارضة قدمت اقتراحين لسحب الثقة من الحكومة الفرنسية بقيادة إليزابيث بورن، فضلاً عن تصعيد المواجهة بين الحكومة والمحتجين والنقابات العمالية التى تعهدت بمزيد من الإضرابات، ونقلت الصحيفة عن نائب يسارى قوله: إن ماكرون حقق نصرًا باهظ الثمن، لا يزال يتسبب فى ضرر ويسرع الأزمة بدلاً من إنهائها، محذرًا:  هذه أزمة اجتماعية تحولت إلى أزمة ديمقراطية.

وأوضحت الصحيفة أنه وفقًا لقواعد الدستور الفرنسى، سيصبح مشروع قانون التقاعد قانونًا بعد فشل مشروع حجب الثقة عن الحكومة فى الجمعية الوطنية (مجلس النواب).

وقالت الصحيفة: إن ماكرون يختبر حدود النظام السياسى الذى ورثه عن الأحزاب المؤسسة، التى حكمت فرنسا فى معظم تاريخها الحديث، بما فى ذلك قدرته على تجاوز الهيئة التشريعية فى أوقات الأزمات، مشيرة إلى أنه يريد أن يكون غير مرن، بغض النظر عن التكلفة وغضب الشارع.

وأضافت «وول ستريت جورنال»، أنه مع ذلك، تعرض هذا النظام لضغوط كبيرة فى السنوات الأخيرة، حيث ينقسم الناخبون الفرنسيون الآن بين الوسطيين، الذين ينجذبون نحو ماكرون، والآخرين الذين يدعمون أحزاب اليسار المتطرف واليمين المتطرف الذى يرغب فى إعادة كتابة دستور فرنسا.