رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

رغم إصدار «مذكرة توقيف» بحقه بوتين يتحدى «الجنائية الدولية»

426

عقب يوم واحد من إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة التوقيف بحقه، فاجأ الرئيس الروسى فلاديمير بوتين العالم بزيارة لمدينة ماريوبول الأوكرانية، وهى أول زيارة له إلى أراض أوكرانية تمت السيطرة الروسية عليها خلال العام الماضى، ما اعتبرته وسائل إعلام عالمية رسالة تحد واضحة مفادها أنه ماض فى تحقيق أهداف العملية العسكرية فى أوكرانيا رغم الضغط الغربى عليه بإصدار مذكرة التوقيف، لكن يبقى التساؤل حول تداعيات هذه المذكرة على بوتين، خاصة أن دولة مثل جنوب إفريقيا قالت إنها تدرك التزاماتها القانونية حال زيارة الرئيس الروسى لجوهانسبرج لحضور قمة بريكس فى شهر أغسطس المقبل.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية فى 17 مارس الحالى مذكرتى توقيف بحق الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وكذلك مفوّضة روسيا الاتحادية لحقوق الأطفال ماريا لفوفا بيلوفا، بدعوى قيامهما بترحيل غير قانونى لأطفال أوكرانيين إلى روسيا. وقال المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إن مئات الأطفال الأوكرانيين نقلوا من دور الأيتام ودور رعاية الأطفال إلى روسيا.

وأضاف خان: «كثير من هؤلاء الأطفال، بحسب ادعائنا، تم عرضهم للتبنى فى روسيا الاتحادية».

وأعادت مذكرة اعتقال الرئيس الروسى إلى الأذهان مذكرات اعتقال قديمة أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة بحق شخصيات رسمية صربية على خلفية اتهامها بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية وعمليات إبادة وتطهير عرقى» فى كل من حرب البوسنة والهرسك (1992-1995) ونزاع كوسوفو (1998-1999)، ومن أبرزها: الرئيس اليوغسلافى سلوبودان ميلوسوفيتش الذى يعتبر أول رئيس دولة فى العالم يمثل أمام هيئة المحكمة فى لاهاى عام 2001، ورئيس صرب البوسنة رادوفان كاراجيتش الذى تم إلقاء القبض عليه فى بلجراد عام  2008 بعدما كان قد أمضى أكثر من 12 سنة متواريا عن الأنظار.

ويعد بوتين ثالث رئيس دولة توجه له المحكمة الجنائية الدولية اتهامات وهو ما زال فى السلطة بعد الرئيس السودانى السابق عمر البشير والزعيم الليبى الراحل معمر القذافى.

بعيدا عن رد فعل الكرملين الرافض للقرار باعتباره «باطلا ولاغيا» فيما يخصّ روسيا، فإن السؤال الذى حاولت وسائل الإعلام العالمية الإجابة عنه: هل يمكن بالفعل اعتقال فلاديمير بوتين بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه؟

فى هذا السياق، قالت هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» فى تقرير مطول للإجابة عن هذا السؤال، إن هناك عقبتين على الأقل فى طريق محاكمة بوتين، ولعل أبرزها أن روسيا لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية التى تأسست عام 2002 بموجب معاهدة تعرف بـ «نظام روما الأساسى»، ووقعت عليها 123 دولة لم تكن روسيا من بينها.

والعقبة الثانية أمام تقديم بوتين إلى المحكمة الجنائية الدولية أنه على الرغم من أنه ليس بجديد انعقاد المحاكمات فى غياب المتهم، يختلف الأمر هنا لأن المحكمة الجنائية الدولية لا تعقد محاكمات غيابية، وهو ما يجعل هذا الباب مغلقا أيضا أمام محاكمة بوتين.

وأوضحت «بى بى سى» أن الزعيم الروسى يتمتع فى الوقت الراهن، بسلطة مطلقة فى بلاده، ولا يتوقع على الإطلاق أن يسعى الكرملين إلى تقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية .

وعليه، لا يواجه الرئيس الروسى أى خطر فيما يتعلق بالقبض عليه طالما بقى داخل روسيا.

ويمكن اعتقال بوتين إذا غادر بلاده، لكن عند الأخذ فى الاعتبار أن تحركاته باتت محدودة للغاية بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليه، يرجح أنه لن يغامر بالسفر إلى دولة قد تكون لديها الرغبة فى تقديمه للمحاكمة.

من ناحية أخرى، أشار التقرير إلى أنه ينظر إلى مذكرة التوقيف على أنها إشارة من المجتمع الدولى إلى أن ما يحدث فى أوكرانيا يخالف القانون الدولى، منوهًا إلى قول المحكمة الجنائية الدولية إن السبب وراء إعلانها هو استمرار تلك الجرائم. ويضيف التقرير أنه عندما تقوم المحكمة بذلك، فإنها تحاول ردع المتهمين وغيرهم عن ارتكاب المزيد من الجرائم.

لكن فى ضوء رد فعل روسيا حتى الآن تجاه هذه المذكرة، «لا يرجح أن يكون لإجراءات المحكمة الجنائية الدولية أى أثر على الصراع فى أوكرانيا، وعليه تستمر «العملية العسكرية الخاصة» للرئيس بوتين بلا هوادة»، حسب «بى بى سى».

فى نفس السياق، قالت الباحثة السياسية الكرواتية من أصل فلسطينى، جوردانا فرسون، والمقيمة حاليا فى موسكو، لموقع «سكاى نيوز عربية» إن مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية لا تعدو كونها مجرد «استعراضات سياسية يلجأ الغرب الأمريكى والأوروبى إلى استخدامها فى أوقات الشدة».

وأشارت فرسون، إلى أن حالتى الرئيسين سلوبودان ميلوسوفيتش ورادوفان كاراجيتش تختلفان تمام الاختلاف عن حالة الرئيس بوتين الراهنة، نظرا إلى أن اعتقالهما تم داخل الأراضى الصربية، ومن ثم سلما إلى المحكمة الجنائية فى لاهاى، بينما الرئيس الروسى لا يزال صامدا وقويا فى بلاده، ولن يجازف بالسفر إلى دول رحبت بإصدار مذكرة اعتقاله، مثل ألمانيا على وجه الخصوص.

من جانبها، قالت وكالة الصحافة الفرنسية فى تقرير لها، إن قرار المحكمة الجنائية الدولية سيصعب السفر على بوتين، لكن بالرغم من ذلك فإن المحكمة ليس لديها شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامرها، وتعتمد كليا على تعاون الدول الأعضاء فى المحكمة الجنائية الدولية. ونادرا ما تقوم الدول الأعضاء بتنفيذ مذكرات التوقيف، خصوصا عندما يتعلق الأمر برئيس دولة على غرار بوتين.

واستشهدت الوكالة الفرنسية فى هذا الأمر بالرئيس السودانى السابق عمر البشير الذى تمكن من زيارة عدد من الدول الأعضاء فى المحكمة الجنائية الدولية بما فيها جنوب إفريقيا والأردن رغم أن المحكمة كانت قد أصدرت مذكرة توقيف ضده بتهمة ارتكاب إبادة جماعية فى دارفور. ورغم الإطاحة به فى عام 2019، لم يسلمه السودان.

وأشار الأستاذ فى كلية الحقوق فى جامعة كولومبيا ماثيو واكسمان إلى أنها كانت «خطوة مهمة للمحكمة الجنائية الدولية، لكن الاحتمالات ضئيلة فى أن نرى بوتين موقوفا، لأن روسيا أولا وقبل كل شىء، مثل الولايات المتحدة والصين والهند، ليست عضوا فى المحكمة الجنائية الدولية، كما أن روسيا لا تسلّم مواطنيها تحت أى ظرف».

وقالت الأستاذة المساعدة فى القانون الدولى العام فى جامعة ليدن، سيسيلى روز، إنه من غير المرجح أن ينتهى المطاف ببوتين فى قفص الاتهام بسبب جرائم حرب «ما لم يتغير النظام فى روسيا».