نجوم وفنون
نجوم في ذاكرة رمضان .. ( 1) يحيى الفخراني
By amrمارس 28, 2023, 12:46 م
446
يمثل يحيى الفخراني أحد أبرز وجوه الدراما التليفزيونية عموما، والدراما الرمضانية بشكل خاص، وربما كان أكثر الذين ارتبطت أعمالهم بشهر رمضان بصورة لافتة.
يمكن الرجوع إلى فترة التسعينيات ثم العقد الأول من الألفية الثالثة، وصولا إلى مسلسل “نجيب زاهي زركش” في العام 2021، لنكتشف عددا مميزا وكبيرا من المسلسلات الهامة في تاريخ الدراما التليفزونية، والتي تتميز، بالإضافة إلى تنوع مؤلفيها ومخرجيها، بتنوع موضوعاتها وأجوائها، وباقتراب عناصر كثيرة من هذه الأعمال من التكامل والتفوق.
لا أعتقد أن هذا الطبيب عاشق التمثيل، والذي كان يتابع أفلام نادي السينما فى كلية الطب بجامعة عين شمس فى أوائل السبعينيات، والذي كان يشترك فى فريق التمثيل، ويحلم بفرصة لتحقيق ذاته كممثل، قد رتب أن يستمر ويصل إلى هذه المكانة، ولكنه الدأب والجهد، والقدرة على الانتقاء والاختيار، بالذات عندما أصبح له اسم وشهرة، فالمهم لديه هو العمل نفسه، سواء كان فى السينما أو المسرح أو التليفزيون، حتى أعماله السينمائية كانت مختلفة فى معظمها، ومع مخرجين كبار مثل رأفت الميهي ومحمد خان.
أعتقد أنه كسب رهان القيمة، رغم أن فكرة ترك وظيفة الطبيب المضمونة، ودخول عالم التمثيل الاحترافى كانت، وما زالا، أمرا فى مهب التقلبات والصعود والهبوط، بسبب تذبذب ظروف الصناعة، وعدم تحديد معايير أو قواعد ثابتة، ونتيجة عدم وجود إدارة فنية محترفة تدير المواهب، وتتبلور فى شكل وكلاء للنجوم وللنجمات.
أول مرة شاهدت فيه الفخراني على الشاشة الصغيرة كانت فى مرحلة صباي فى السبعينيات، حيث اشتهر وقتها بدور فى مسلسل بعنوان “أيام المرح” للمخرج محمد فاضل، وكان المسلسل بطولة عبد المنعم مدبولي والممثلة الصاعدة نورا، ورغم ذلك اشتهر هذا الممثل البدين ذي الشعر الأكرت بشخصية الأستاذ رشيدي، الذي كان يردد جملة مكررة ظريفة هي : “أنا داهية مسيّحة .. فى سمنة مستوردة”، ولرغم أن اسم الممثل كان غائبا وبعيدا عن الحفظ، إلا أن معنى أن يتذكر المشاهد شخصية رشيدي فى مسلسل بطولة “عبد المنعم مدبولي”، كان أمر لافتا ومثيرا للاهتمام.
قام الفخراني ببطولة أول مسلسل فى السبعينيات بعنوان “ريش على ما فيش”، من تأليف أسامة أنور عكاشة فى أحد أعماله الأولى، إلا أن العمل لم ينجح، وتعرض للانتقاد، وأتذكر للفخراني أيضا مسلسلا للأطفال بعنوان “سندباد” من إخراج إنعام محمد علي، ولا أنسى له من سنوات الصبا فى السبعينيات فيلما تسجيليا ظريفا عن الأفراح فى المحافظات المصرية من إخراج فريدة عرمان، كان يلعب فيه دور مصور فوتوغرافى يحتفظ بصور لهذه الأفراح.
مع مسلسل “أبنائي الأعزاء شكرا” (1979) للمخرج محمد فاضل ومع مدبولي أيضا كان الفخراني فى بداية مرحلة جديدة، وأعاده ذلك إلى البطولة فى العام التالي من خلال مسلسل رمضاني شهير هو “صيام صيام”، من تأليف صالح مرسي وإخراج محمد فاضل، ورغم أنه لم يكن فى مستوى نجاح حلقات بابا عبده المكتسحة، إلا أن الفخراني كان قد وضع اسمه بقوة على خريطة الدراما، وانطلق بعد ذلك إلى السينما.
يدهشنا عدد المسلسلات الجيدة فى مسيرة الفخراني، وكأنه وجد فى التليفزيون ما يعوض قلة الأفلام المتاحة فى السينما، ووجد من الأدوار ما يعبر عن موهبة كبيرة وعميقة، غيرت تماما شكل البطل التقليدي، وجعلتنا أمام شخصيات عادية، تعبر عن الإنسان المصري فى ظروف وأجواء مختلفة، ولم يتوقف الأمر على أعمال الفيديو، ولكنه قدم فى التلفزيون أفلاما مميزة عرضت على الشاشة الصغيرة فقط مثل فيلم “محاكمة علي بابا”.
ربما يجب التنويه أولا إلى لقاءات تلفزيونية أقل شهرة بين الفخراني وأسامة أنور عكاشة مثل مسلسل “وأدرك شهريار الصباح”، ومسلسل هام آخر بعنوان “عابر سبيل”، ويدهشنا فى هذا العمل الأخير فى بداية الثمانينيات ذلك الرسوخ الذي يؤدي به يحيى أمام ممثل كبير مثل عبد الله غيث، ثم تدريجيا، أصبح هناك موعد مع الفخراني فى مسلسل رمضاني، وإن اعتذر فى بعض السنوات عن الظهور فى رمضان، احتراما للجمهور، ولأنه لم يجد نصا يمكن أن يقدمه، وهنا مرة أخرى تظهر فكرة تقدير خطورة الدراما التليفزيونية، وليس مجرد التواجد والسلام، أو الظهور كيفما اتفق.
من هنا جاء رصيد المسلسلات المميزة، والشخصيات المتعددة، التي لعبها الفخراني فى أعمال مثل: “ليالي الحلمية” و”الخروج من المأزق” و”نصف ربيع الآخر” و”لا” و”الليل وآخره” و”زيزينيا” و”أوبرا عايدة” و”جحا المصري” و”للعدالة وجوه كثيرة” و”عباس الأبيض فى اليوم الأسود” و”ويتربى فى عزو” و”شرف فتح الباب” و”شيخ العرب همام” و”الخواجة عبد القادر” و”دهشة” وصولا إلى “ونوس” و”بالحجم العائلي” و”نجيب زاهي زركش”.
لا أظن أن ممثلا يمتلك هذه العدد المتنوع إلى درجة التناقض من الأدوار المميزة، فالمسافة هائلة بين نزق حمادة عزو، وسطوة سليم البدري، وبين روحانية الخواجة عبد القادر، وأجواء شيخ العرب همام الصعيدية، وتجسيد الظلم فى مسلسل “لا”، يمتد إلى تيمة البحث عن العدالة فى “أوبرا عايدة” وفى “للعدالة وجوه كثيرة”.. إلخ، ويقف حشد كبير من المخرجين والمؤلفين والممثلين والفنيين وراء هذه الأعمال، التي صارت جزءا من ذاكرة الدراما التليفزونية، فى شهر رمضان، أو فى أي شهور أخرى تعرض فيها هذه الأعمال.
هذا رصيد كبير، جعل المشاهد العادي والناقد المتابع ينتظران مسلسلات وأعمال يحيى الفخراني، وهذه مكانة من النادر أن يصل إليها الممثل، ولكنها مكانة مستحقة بجدارة لذلك الممثل الكبير، الذى احترم المتفرج، فاحترمه الجميع.