رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

تحركها لمصالح المالية السياسية وكالات الإئتمان.. «مين يشترى تصنيف»؟

350

التصنيفات الأخيرة الصادرة عن مؤسسات التصنيف الإئتماني العالمية المعنية بتقييم قدرة الدول على سداد الديون، والتي لم تأخذ في الاعتبار التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية، وتداعيات أزمات الاقتصاد الأمريكي، على الاقتصادات العالمية نتيجة لسياسة «الفيدرالي» الأمريكي برفع أسعار الفائدة،  أعادت إلى المشهد الاقتصادي العالمي، الانتقادات الموسعة لهذه المؤسسات على مدار السنوات الأخيرة، منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وهى الانتقادات التي تشير بأصابع الاتهام الى مؤسسات التصنيف الإئتماني بالازدواجية، وتضارب المصالح، بسبب فشل هذه المؤسسات في تقدير مخاطرسندات الرهون العقارية والسندات المهيكلة؛ مما أدى إلى الأزمة المالية العالمية في نهاية عام 2008، وتقديراتها الخاطئة خلال أزمة الديون اللاحقة في منطقة اليورو، حيث واجهت بعض البلدان عمليات بيع مفاجئة للسندات وارتفاع تكاليف الاقتراض بعد خفض تصنيفها الائتماني.

وكانت نتيجة هذه الأزمات تعرض مؤسسات التصنيف الإئتماني العالمية للغرامات والعقوبات، بالتوازي مع انتهاج الاتحاد الأوروبي، استراتيجية أوروبية، كانت نتيجة تطبيقها إخضاع هذه المؤسسات داخل أوروبا لمعايير أوروبية، تراعي المصالح الوطنية للقارة الأوروبية.

صفاء مصطفى

بداية، فإن «التصنيف الائتماني (Credit Rating)»، ذلك المصطلح كثيرًا ما يتردد على مسامع الشعوب وتتناقله المتابعات والأخبار الاقتصادية مصحوبًا بإشارة إلى التراجع «الخفض»، أو التقدم لترتيب أو تصنيف منظمة أو شركة أو دولة، بناءً على تقييم وتحليل تصدره إحدى وكالات التصنيف الائتماني العالمية، التي ربما تكرر ذكر بعضها فى الآونة الأخيرة، تزامنًا مع بدء النزاعات العسكرية وتفاقم الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها العالمية على المستوى الاقتصادي والجيوسياسي.

ويوجد العديد من وكالات التصنيف الائتماني حول العالم، إلا أن هناك ثلاث شركات بالتحديد يطلق عليها الشركات الثلاث الكبرى؛ وهي «ستاندرد آند بورز»، و«موديز»، و«فيتش»، وكلها شركات أمريكية، وتسيطر كل من «ستاندرد آند بورز»، و«موديز» على تصنيف أكثر من 80%، من إصدارات الدين حول العالم، سواء للشركات أو الحكومات، أو البلديات والحكومات المحلية، فيما تعد «فيتش» أقل سمعة نسبيا، مقارنة بالشركتين الأخريين. وبالعموم، فإن الشركات الثلاث تسيطر على ما يراوح بين 90 و95% من سوق إصدارات الديون فى العالم.

وتعود سيطرة هذه الشركات الثلاثة إلى قرار أصدرته هيئة الأوراق المالية الأمريكية فى عام 1975، باعتبار هذه الشركات معتمدة من قبلها، حيث إن كثيرا من المؤسسات المالية وشركات التأمين لا تستثمر إلا فى سندات ذات تصنيف عال، فإن أسهل طريقة من قبل المصدرين للسندات لإثبات جدارتهم الائتمانية، هو أن يحصلوا على تصنيف ائتماني من شركة أو اثنتين من هذه الشركات الثلاث لتصبح هذه الشركات الثلاث أشبه بمؤسسات محتكرة للتصنيفات الائتمانية حول العالم.

انتقادات واسعة

حسب ما أوردته وسائل إعلام عالمية، تعرضت وكالات التصنيف الائتماني لعديد من الانتقادات على مدار السنوات القليلة الماضية، ومن أبرزها ضعف قدرتها على تقييم المخاطر المستقبلية والبطء أو التأخر فى رصد الاتجاهات السالبة التي يتعرض لها بعض مصدري الديون بعد عملية الإصدار، وبالتالي رد الفعل المتأخر فى تخفيض التصنيفات، كما يتهمها الكثيرون بتضارب المصالح مع مصدري الديون الذين هم فى نفس الوقت عملاؤها الذين يدفعون المال مقابل تصنيف إصداراتهم من الديون.

وترد وكالات التصنيف بأن ما تقوم به ما هو إلا مجرد رأي محايد مبني على أسس محددة لقياس الجدارة الائتمانية وأن للأسواق الحرية الكاملة فى الأخذ بهذا الرأي أو تركه.

ازدواجية الأدوار وتضارب المصالح

فى سياق متصل، كشفت العديد من التقارير والأبحاث العلمية أعدتها منظمات تابعة للاتحاد الأوروبي أن الموضوعية تقتضي بأنه لا يمكن القول بأن وكالات التصنيف الائتماني الدولية تتمتع بالنزاهة المطلقة فى أعمالها، وأنه على الرغم من أن وكالات التصنيف تحترم تطبيق معايير صارمة لتحديد التصنيفات الائتمانية، إلا أنها ليست خالية من المصالح المالية والسياسية والتحيزات.

ولفتت الدراسات والتقارير إلا أنه قد يكون لدى وكالات التصنيف علاقات تجارية ومالية مع المؤسسات التي يتم تصنيفها، وهذا يمكن أن يؤثر على قرارات التصنيف، كما أن بعض الوكالات تشتبك فى مصالح متناقضة، حيث يقوم بعضها بتقديم خدمات استشارية للشركات المصنفة، بالإضافة إلى تقديم التصنيفات الائتمانية، مما يثير أسئلة بشأن تعارض المصالح.

الفشل فى توقع الأزمات

وبحسب موقع «يورونيوز»، أشارت هذه الدراسات إلى أنه  فى الفترة التي سبقت الأزمة المالية فى عام 2008، فشلت وكالات التصنيف الائتماني «CRAS»، فى تقدير المخاطر فى الأدوات المالية الأكثر تعقيدًا بشكل صحيح، وعلى سبيل المثال، تم إصدار منتجات التمويل المهيكل المدعومة برهون عقارية عالية المخاطر بتصنيفات غير صحيحة كانت مرتفعة للغاية، وخلال أزمة الديون اللاحقة فى منطقة اليورو، واجهت بعض البلدان عمليات بيع مفاجئة للسندات وارتفاع تكاليف الاقتراض بعد خفض تصنيفها الائتماني.

وأضاف «يورونيوز» إلى أن مؤسسات التصنيف الائتماني تعرضت  للعديد من التحديات، نتيجة  لهذه الإخفاقات المتلاحقة عبر سلسلة من الأحداث، التي بدأت بفشلها فى تقدير المخاطر المتعلقة بسندات الرهون العقارية والسندات المهيكلة.

وتقوم وكالات التصنيف الائتماني بشكل عام بتقييم المخاطر المتعلقة بإصدارات الدين، سواء للشركات أو الحكومات، وتعد قدرة المصدر على الوفاء بتسديد فوائد الدين والأقساط المترتبة عليه أهم مؤشر للجدارة الائتمانية، التي تبنى عليها التصنيفات من قبل هذه الوكالات.

وأضاف أنه  من المهم الإشارة إلى أن وكالات التصنيف الائتماني تواجه أيضا تحديات فى تقييم الأصول المعقدة، مثل الأوراق المالية المرتبطة بالرهن العقاري، التي كانت سببا فى الأزمة المالية العالمية عام 2008، حيث تعتمد هذه الوكالات فى بعض الأحيان على معلومات غير كافية، أو غير دقيقة لاتخاذ قرارات التصنيف، مما يمكن أن يؤدي إلى خطأ فى التصنيف.

غرامات وعقوبات

والجدير بالذكر أنه تم توقيع العديد من الغرامات والعقوبات على وكالات التصنيف الائتماني الدولية، من بينها:

1- غرامة قدرها 1.4 مليار دولار على وكالة ستاندرد آند بورز عام 2015، بسبب تصنيفاتها الخاطئة لأوراق مالية مرتبطة بالرهن العقاري خلال الأزمة المالية العالمية.

2- غرامة قدرها 125 مليون دولار على وكالة فيتش عام 2021، بسبب تقديمها تصنيفات مضللة لمؤسسات صينية.

3- غرامة قدرها 16.25 مليون يورو على وكالة موديز عام 2016، بسبب تأخرها فى إعلان تغيير فى تصنيف الديون السيادية اليونانية.

4- تم فرض غرامة قدرها 3 ملايين دولار على وكالة فيتش عام 2012 من قبل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC)، بسبب عدم تقديم الوكالة تصنيفات موضوعية لأوراق مالية مرتبطة بالرهن العقاري.

وتظهر هذه الغرامات والعقوبات أن هناك تحديات متنوعة تواجه وكالات التصنيف الائتماني، وأنه من المهم أن يكون هناك مراقبة وإشراف على عملهم للحفاظ على نزاهة وشفافية تصنيفاتهم.

ونوهت وسائل إعلام عالمية إلى أنه على الرعم من أن وكالات التصنيف الائتماني تحاول الالتزام بأعلى معايير النزاهة والشفافية فى أعمالها، إلا أنها  ليست معفاة من المخاطر والتحديات التي يمكن أن تؤثر على تصنيفاتها.

تعزيز الإطار التنظيمي والرقابي

وكشفت وسائل إعلام أوروبية أنه ردا على ذلك، قدمت «المفوضية» مقترحات لتعزيز الإطار التنظيمي والرقابي لــ «CRAS» فى الاتحاد الأوروبي، لاستعادة ثقة السوق وزيادة حماية المستثمرين، وتم إدخال قواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة فى ثلاث خطوات متتالية.

أنشأت المجموعة الأولى من القواعد، التي دخلت حيز التنفيذ فى نهاية عام 2009، إطارًا تنظيميًا لـ «CRAS» وقدمت نظامًا للرقابة التنظيمية، حيث يجب تسجيل «CRAS»، والإشراف عليها من قبل السلطات الوطنية المختصة، وأنه بالإضافة إلى ذلك، كان مطلوبًا من «CRAS»، تجنب تضارب المصالح، وأن يكون لديها منهجيات تصنيف سليمة وأنشطة تصنيف شفافة.

فى عام 2011، تم تعديل هذه القواعد لتأخذ فى الاعتبار، إنشاء هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية (ESMA)، التي أشرفت على «CRAs»  المسجلة فى الاتحاد الأوروبي.

وتم إجراء تعديل آخر فى عام 2013، لتعزيز القواعد ومعالجة نقاط الضعف المتعلقة بالتصنيفات الائتمانية للديون السيادية.

الإطار التنظيمي الحالي

l تتكون أحدث حزمة تشريعية بشأن «CRAs» من (اللائحة رقم 462/2013EN، و تسعى هذه القوانين إلى:

l تقليل الاعتماد المفرط على التصنيفات الائتمانية

l زيادة الشفافية فيما يتعلق بإصدار تصنيفات الديون السيادية

l تحسين جودة عملية التصنيف وجعل وكالات التصنيف الائتماني أكثر عرضة للمساءلة عن أعمالها

l تقليل تضارب المصالح وتشجيع عدد أكبر من الجهات الفاعلة على العمل فى سوق التصنيف الائتماني

التعاون الدولي

وكشفت وسائل إعلام أوروبية أنه بموجب لائحة «CRA»، من الممكن لوكالة التصنيف المنشأة خارج الاتحاد الأوروبي، أن يتم الاعتراف بتصنيفها واستخدامه للأغراض التنظيمية فى الاتحاد الأوروبي، ويمكن أن يحدث هذا بإحدى طريقتين:

شهادة المعادلة

يمكن اعتماد CRAs التي تم إنشاؤها والإشراف عليها خارج الاتحاد الأوروبي، والتي ليس لها وجود أو انتساب فى الاتحاد الأوروبي، بموجب نظام التكافؤ. ينطبق النظام على CRAs التي ليست ذات أهمية نظامية لاستقرار أو سلامة الأسواق المالية فى الاتحاد الأوروبي، ويسمح للكيانات والأدوات المالية المنشأة أو الصادرة فى دول خارج الاتحاد الأوروبي أن يتم تصنيفها.

اتخذت المفوضية الأوروبية عددًا من قرارات التكافؤ EN، والتي تشهد على أن الأنظمة التنظيمية والإشرافية فى العديد من البلدان غير الأعضاء فى الاتحاد الأوروبي تلبي متطلبات لائحة «CRA»، وقد تقدم «CRAs» المنشأة فى هذه البلدان إلى هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية (ESMA) للحصول على الشهادة، وتتطلب الشهادة ترتيب تعاون يتم إنشاؤه بين ESMA وسلطة الدول ذات الصلة.

وينطبق نظام المصادقة على CRAs المنتسبة، أو التي تعمل بشكل وثيق مع الوكالات المسجلة فى الاتحاد الأوروبي. وهو ما يتطلب من الوكالات المنشأة خارج الاتحاد الأوروبي الامتثال لمتطلبات قانونية معينة،  يجب أن تكون هذه المتطلبات صارمة مثل تلك الموجودة فى لائحة CRA وتخضع للإشراف الفعال، ويتم إجراء هذا التقييم من قبل ESMA، والتي تحدد قائمة الدول غير الأعضاء فى الاتحاد الأوروبي التي تكون أنظمتها التنظيمية صارمة مثل معايير الاتحاد الأوروبي.